سميرة المزاحى
كتبت: سميرة المزاحي- خاص الأقباط متحدون
أكد الدكتور "هاني حنا عزيز" -مدير عام ترميم الآثار بالمجلس الأعلى للآثار- أن مؤتمر القبطيات الأخير ليس الأول الذي يُعقد خارج الكنيسة، معربـًا عن استيائه مما تم نشره بالصحف وما تردد على ألسنة المتحدثين، والذين أعلنوا خلال كلماتهم ومناقشاتهم أن "مؤتمر الدراسات القبطية" يعد أول مؤتمر يُعقد خارج جدران الكنائس والأديرة في "مصر".
وقال "حنا": لقد أبديت اعتراضي على هذه الأقوال والادعاءات، لافتـًا نظر المتحدثين إلى أنه من المفترض أن يتلقى هذا الكلام بسعادة؛ لأن الإقبال الكبير على المشاركة من جانب الباحثين المتميزين، بلإضافة إلى العديد من المؤسسات الثقافية والتعليمية المصرية منها والأجنبية على المؤتمر، لهو أبلغ دليل على نجاحه، وفي النهاية ينسب لي هذا النجاح كوني أحد منظميه".
يُذكر أن "المؤتمر الدولي للدراسات القبطية"، والذي عُقد تحت عنوان: "الحياة في مصر خلال العصر القبطي.. المدن والقرى، رجال القانون والدين، الأساقفة"، قد اختتم فعالياته بالأمس، والذي نظمه مركز دارسات الخطوط والكتابات بالمكتبة في الفترة من 21 حتى 23 سبتمبر الجاري، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وجمعية الآثار القبطية.
وقد أوضح الدكتور "حنا" أن هذا المؤتمر ليس هو أول مؤتمر يُعقد خارج الكنيسة؛ مؤكدًا أن "المجلس الدولي للمتاحف" كان قد نظم في عام 2006م، مؤتمرًا تحت عنوان: "الأيقونه في القبطيات"، وذلك بمحافظة "الإسكندرية"، وأنه كان مسئولاً باللجنة التنفيذية للمؤتمر بصفته رئيسـًا للّجنة الدولية لترميم الأخشاب بالمجلس الدولي للمتاحف، كذلك أقام المجلس الأعلى للآثار في العام الماضى ورشة عمل -"سمبوزيوم"- خاصة بالتراث القبطي، وهو يدخل أيضـًا في نطاق الفاعليات المتنوعة للمؤتمرات، ولكن المسميات تكون مختلفة، إلى جانب ما ينظمه متحف الآثار العامة للعديد من اللقاءات التي يتم خلالها مناقشة الموضوعات المتعددة، والتي تتعلق على وجه الخصوص بالقبطيات، وأنه يجب ألا نغفل اللقاء السنوي الذي تنظمه مؤسسة الأهرام، ويكون موضوعه الرئيسي متعلقـًا بالتراث القبطي".
وفي كلمته التي ألقاها في الجلسة الختامية؛ أعلن الدكتور "خالد عزب" -مدير مركز دراسات الخطوط والكتابات بالإنابة- أن "مكتبة الإسكندرية" عقدت على هامش المؤتمر شراكة مع "جمعية الآثار القبطية" بـ"القاهرة"؛ حيث ستجمع المكتبة كافة مطبوعات الجمعية وتقوم بوضعها على موقع المكتبة الإليكتروني لإتاحتها للجميع، إضافة إلى عقد أنشطة مشتركة في مجال الدراسات القبطية.
وفي لقاء خاص؛ صرَّح نيافة "الأنبا مارتيروس" -الأسقف العام لكنائس شرق السكة الحديد بـالقاهرة"، أنه من أهم التوصيات التي يجب أن تدخل حيز التنفيذ؛ هي الاعتراف بـ"معهد الدراسات القبطية"، حيث أن هناك نداءات كثيرة جدًا تطالب بتدريس اللغة القبطية في المراكز والأقسام المختلفة التي نأمل أن تُفتتح قريبـًا في بعض الجامعات بـ"مصر"؛ مثل "الجامعة الأمريكية، وجامعة القاهرة.."، وبالتالي ستكون الحاجة ملحة للكوادر المتخصصة في مجال الدراسات القبطية، ولهذا يجب الاعتراف السريع بالخريجين، والحاصلين منهم على الدرجات العلمية من ماجستير ودكتوراة، للاستعانة بهم في حقل الدراسات القبطية بأقسام الجامعات.
من جانبه، قال الدكتور "لؤي سعيد" -مدير مشروعات مركز الخطوط، والمنسق العام لمؤتمر الدراسات القبطية- إن المؤتمر يعتبر أول وأكبر تجمع دولي للقبطيات يُعقد في "مصر"، وأن مركز الخطوط بـ"مكتبة الإسكندرية" مهتم بالدراسات القبطية ضمن أعماله؛ حيث أصدر العام الماضي كتابـًا باللغة الإنجليزية بعنوان: "نصوص قبطية من الحياة اليومية"،(Coptic Texts: Relating to Daily Life)، كما عقد المركز أول دورة لتعليم اللغة القبطية والتي شهدت إقبالاً كبيرًا، ويستعد لتنظيم الدورة الثانية.
وأشار "لؤي" إلى أن هناك اهتمام متزايد في "مصر" بالدراسات القبطية، لافتـًا إلى أن "جامعة الإسكندرية" وافقت على تدشين برنامج للدراسات العليا في الدراسات القبطية بقسم الآثار اليونانية والرومانية في كلية الآداب، مما سيفتح المجال أمام تخريج متخصصين في هذا المجال.
وألمح إلى أن هناك جهود حالية لإنشاء مجلس أمناء أو هيئة عليا للدراسات القبطية، تقوم على التنسيق بين الهيئات المعنية بالدراسات القبطية وإقامة الفعاليات والأنشطة الخاصة بالدراسات القبطية، وتدعيم إنشاء أقسام للدراسات القبطية في الجامعات والمعاهد المصرية.
وفي سياق متصل، شهدت جلسات اليوم الثالث والأخير من المؤتمر مشاركة مجموعة متنوعة من الباحثين الذين قدموا دراسات حول الحياة في "مصر" في العصر القبطي؛ ومنها دراسة عن كنائس النوبة السفلى، من القرن الثامن للقرن الثامن عشر الميلادي، قدمها "راجح زاهر"؛ الباحث في المتحف النوبي بـ"أسوان"، ودراسة تاريخية للملابس الدينية في الكنيسة القبطية في "مصر"، لـ"خالد عبده"، ودراسة عن أثر علم الفلك على الحياة في الفترة القبطية، لـ"أماندا مارافيليا"؛ الباحثة في معهد علم المصريات في "موسكو، بـروسيا"، ودراسة جديدة عن الموسيقى القبطية في الأديرة والمدن والقرى، للباحثة "ماجدالينا كان"؛ من جامعة "ليدن- هولندا".
وفي دراسة بعنوان "إيبارشيات وأساقفة أسوان والنوبة المصرية"، أشار الباحث "عاطف نجيب" إلى أن جميع كتابات المؤرخين العرب والمصادر القبطية تبين أن بلاد النوبة اتجهت في قيادتها الروحية إلى الكنيسة المصرية، ويقصد بـ"النوبة" هنا؛ جميع بلاد "مريس"، و"مقرة وعلوة"، وهاتان المقاطعتان الكنسيتان تشتملان على ثلاث عشرة أسقفية تابعة للكنيسة القبطية، ومن هذه الأسقفيات سبع في "مملكة المقرة"، وهي: "قرطة، وإبريم، وفرس، ودنقلة، وصاي، وتالميس –كلابشة-، وشنقير"؛ وأسقفيات مملكة "علوة" هي، "بورا، وجاجورا، ومارتنو أرودياس بنازي، ومنكيزا".
وأكد الباحث أن أساقفة النوبة كانوا يُرسلون من "مصر"، غير أن هذا لا يمنع وجود العديد من الأساقفة الذين كانوا من أبناء النوبة نفسها، وتدل على ذلك ملامحهم التي وُجدت في تصاويرهم بـ"كاتدرائية فرس" وغيرها، وقد شملت وظائف الإكليروس في النوبة القسس والشمامسة بكافة رتبهم، ومارس حكام الأقاليم وظائف كهنوتية بجانب أعمالهم الإدارية، إذ كان من حقهم إقامة الطقوس الدينية داخل الهيكل، وفي المقابل كان الكاهن والشماس يشغلان منصبـًا إداريـًا؛ كموثق عقود أو أمين مخازن، بجانب وظيفتهما الكهنوتية.
وفي جلسة موازية، تحدث الدكتور "صبحي شنودة" عن الفن القبطي في الحياة الدينية كجزء من الحياة العامة في المجتمع المصري، وأوضح أنه بالرغم من أن الفن القبطي هو فنـًا شعبيـًا، إلا أن الفنان القبطي قد برع في شتى فنون الحياة المتنوعة، فقد برع في فن العمارة المدنية التي شيدها لتتواءم مع الظروف الطبيعية، والعمارة الدينية الممثلة في الكنائس والأديرة التي زينها بفنون النحت المتنوعة، حيث أظهرت براعة ودقة الفنان القبطي، فظهرت المنحوتات الحجرية، والمعشقات الخشبية.
وأضاف أن الأقباط أبدعوا في فنون التصوير التي زُينت بها جدران الكنائس والأديرة بالطريقة التي وُرثت منذ أقدم العصور في "مصر"، حيث اُستخدمت ألوان الأكاسيد، هذا الأسلوب الذي عرف بالأفرسك المصري، واستمر في العصر الروماني، وأتخذ شكلاً مسيحيـًا في العصر القبطي، ثم انتشر بين مسيحي الشرق والغرب، كما ذاعت شهرة النسيج القبطي حتى عرف هذا النوع من الفن باسم "القباطي"، نسبة إلى الأقباط، كما اشتهرت الفنون القبطية في شتى نواحي الحياة، ونُسخت المخطوطات القبطية على الرق، وورق البردي، وورق الكتان، والبعض على قطع من الخشب والشقافة.
وفي دراسة بعنوان "صناعة واستعمال الأواني وزخرفتها في العصر القبطي"، أكدت الدكتورة "إيفيلين جورج أندراوس" أن الإنسان المصري استخدم عددًا كبيرًا من الآواني في حياته اليومية في العصر القبطي، استخدم فيها ثلاث أنواع أساسية من الطين، هي "الجيري، والسيليكوني، والكاولين"، وأوضحت أن الزخرفة كان لها مكانة عظيمة في الخزف القبطي، ويبدو ذلك واضحـًا حتى في الأدوات التي تخص الحياة اليومية، ومن هذه الأساليب: "الزخرفة المدموغة؛ ذات طبعة، أو المُشكّلة بالختم، والتي ترتبط بالآواني المصنوعة نسبيـاً من الطين الناعم، بينما الأواني الملونة فتُصنع من الطين الخشن.
وأشارت إلى أنه بداية من القرن الثامن بدأ استخدام أسلوب التزجيج على الآواني الملونة وغيرها، وهو عبارة عن مسحوق زجاجي ممتاز يوضع على الإناء ثم يُحرق لينتج طبقة خارجية زجاجية غير منفذة للماء، وقد اُستخدم التزجيج مع كلٍ من الزخارف الملونة والمشكلة بالختم، وفي القرن الثامن استمر استخدام الآواني المصقولة مع الآواني غير المصقولة، والتي اختفت في القرن التاسع.
وقد عرضت الدكتورة "أليس اسكندر بشاي" -أستاذ الاجتماع والأنثروبولوجيا بـ"جامعة كفر الشيخ"- دراسة عن الاحتفالات القبطية بأعياد القديسين، وقالت: إن الكنيسة كانت تؤكد رسميـًا مظاهر الاحتفال في القرن الثالث، وذلك عن طريق الأساقفة والإكليروس، وأنها كانت تعلن قداسة القديس "التطويب"، وكان يعلن المجمع المقدس قانونيته رسميـًا، ويتم ذلك بناءًا على عدة معايير.
أما في القرن الرابع، فقد كانت الجماعة المسيحية تحتفل بيوم استشهاد القديس على اعتبار أنه "يوم مقدس" و"عيد ميلاد مجيد"، حيث يجتمعون حول مكان استشهاده، ويبنون كنيسة على اسمه، وبعد إقامة الصلوات كان يقوم الأب الأسقف بإلقاء عظة يمدح فيها سيرة القديس، ويمدح إيمانه والحياة المقدسة للشهيد.
وتطرقت "بشاي" إلى "عيد النيروز"، وهو من الأعياد المصرية القديمة، ويعد التكريم الوحيد والذكرى الدائمة للقديسين الأقباط، إذ حرصت الكنيسة على إقامتها سنويـًا عن طريق التقويم القبطي، فجعلت بداية رأس السنة القبطية رمزًا لعيد هؤلاء الشهداء.
وأضافت أن الاحتفالات القبطية في العصر الفاطمي كانت تُقام بصورة رائعة على شاطئ النيل في مواكب خاصة، تسير حتى الميادين العامة والشوارع الرئيسية، وكان عهد الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" مثالاً سار على منواله كل ولاته في البلاد، من الإنصاف وحسن المعاملة والعدالة، فلم يفرق بين مسلم ومسيحي.
وفي جلسة أخرى، تحدث الراهب "أنجيلوس النقلوني" عن الأمثال والعادات عن الأقباط في الصعيد، وأكد أنه بعد دراسة الفلكلور والعادات والتقاليد الخاصة بالأقباط، يمكن استخلاص الوضع الاجتماعي والحياة الاجتماعية الخاصة بهم، وبذلك تظهر أهمية التاريخ الخاص بالأقباط عند تدوين العادات والتقاليد الخاصة بهم والحياة الاجتماعية ودورهم الهام جدًا في هذه الحياة.
وشدَّد على أهمية عمل قاموس ناطق للهجات الصعيدية في "صعيد مصر" قبل القضاء على هذه اللهجات، بالإضافة إلى احترام هذه اللهجات والعادات والتقاليد، وأوصى بعمل قسم للدراسات القبطية في أقسام التاريخ والآثار بالجامعات المصرية، والاهتمام بدراسة اللهجات القبطية من قِبل المتخصصين في هذا المجال، وتوثيق وتسجيل التراث الشفاهي القبطي المتمثل في الأمثال والقصص الشعبية والعادات والتقاليد، ودراسة الفلكلور الشعبي القبطي في الجامعات المتخصصة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=23077&I=577