المرض فينا وليس في الخنازير

بقلم: حازم عبدالرحمن

لم يثبت حتي الآن‏,‏ وفقا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية‏,‏ أن هناك حالة إصابة واحدة مؤكدة لخنزير بالإنفلونزا القاتلة‏,‏ كما أنه لم يثبت حتي الآن‏,‏ أن خنزيرا قد نفق بسبب هذه الإنفلونزا‏,‏ وهذا الكلام ينطبق علي العالم كله‏,‏ وليس علي مصر وحدها‏.‏

(1)‏ لا اعتراض لنا علي ذبح الخنازير‏,‏ أو حتي إعدامها‏,‏ بشرط أن يثبت لنا بالدليل المادي القاطع أن هذا الحيوان‏,‏ هو فعلا المسئول عن هذا المرض أو الوباء القاتل‏..‏ أما الاندفاع هكذا في طريق بلا روية أو تفكير‏,‏ فإنه لا يؤدي إلا إلي زيادة الخسائر الاقتصادية والتوترات الاجتماعية دون مبرر‏.‏

وحتي منظمة الصحة العالمية نفسها قد أعادت تسمية المرض مرة ثانية وألغت اسم إنفلونزا الخنازير‏,‏ ثم إن ذبح كل عشيرة الخنازير الموجودة في مصر حاليا لا يبدو ممكنا‏,‏ فعدد أفراد العشيرة لا يقل عن نحو‏600‏ ألف خنزير‏,‏ فأين هي الثلاجات الفريزر التي لدينا وتستطيع أن تستوعب كل هذه الكمية الضخمة من اللحوم؟‏..‏ وكيف سيتم التصرف في جلودها ورءوسها والسقط والدماء والفضلات؟‏..‏ وهل لدينا عدد كاف من الجزارين يكفي لأداء هذه المهمة في فترة محدودة؟

الواقع ـ ودون أي زيادة أو نقصان ـ أنه لا يبدو أن التنفيذ ممكن‏,‏ وكل ما سيترتب علي هذا هو إيجاد مبررات لمزيد من التوتر والصداع الاجتماعي نحن في غني عنه‏.‏

ثم من الذي سيدفع للمربين ثمن الخنازير التي سيتم ذبحها؟‏..‏ وأين هم الذين يمكنهم شراء هذه الكمية الضخمة من اللحوم؟‏..‏ ما سوف يحدث هو أنه ستنهار أسعار لحوم الخنزير‏,‏ فمن يرضي بخراب بيوت آلاف المربين والأسر التي تعتمد علي تربية الخنزير؟

وأضيف هنا‏,‏ أن من بين الذين يعملون في هذا المجال‏,‏ مسلمين‏,‏ ذلك لأن القرآن حرم لحم الخنزير ولم يحرم تربيته؟‏!‏

(2)‏ يربط البعض عن جهل بين الخنزير وبين القذارة‏,‏ وهذا غير صحيح‏,‏ يكفي أن يشاهد المرء في أي صورة‏,‏ مزارع الخنازير في أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك نفسها‏,‏ لكي يري مستوي النظافة الفائقة التي يتم تربيته فيها‏..‏ إذن فالقذارة التي يتم تربيته فيها هي مسألة متعلقة بمصر‏..‏ وبديهي أن الخنزير لن يرفض أن ينشأ ويرعي بعيدا عن القذارة والقمامة والذباب والفئران‏..‏ فقط المطلوب هو نقله إلي مكان نظيف‏.‏

أما عن القول بأنه حيوان قذر‏,‏ فهذا كلام مرسل لا سند له‏..‏ فالواقع أنه من الناحية العلمية تعتبر الأغنام والماعز والخراف‏,‏ والخنازير حيوانات كانسة‏,‏ أي أنها تأكل أي شيء يصادفها مهما كان‏..‏ المسألة كلها تعتمد إذن علي نوع المرعي الذي نوفره لها‏..‏ فإذا وفرنا لها مرعـــي نظيـــفا‏,‏ فإنهــا تتغـــذي منه‏,‏ وإذا لم تجد إلا القذارة فماذا تفعل؟

أضف إلي هذا‏,‏ أنه حتي الطيور ينطبق عليها هذا الوصف‏,‏ فالبط والأوز‏,‏ والدجاج‏,‏ والحمام‏..‏ إلخ‏..‏ تلتهم أي شيء يقابلها‏.‏

فإذا كان المطلوب إذن‏,‏ هو نقل تربية الخنازير إلي مزارع خارج المدن‏,‏ ونظيفة‏,‏ فإن ذلك يستدعي فورا زيادة الاستثمارات التي يتم تخصيصها لصناعة تربية الخنازير‏,‏ وإلا كان ما نسعي إليه هو العبث بعينه‏.‏

(3)‏ ليس صحيحا أيضا أن الخنازير هي المسئولة عن وجود تلال القمامة الموجودة في مدن كبري كالقاهرة‏,‏ والجيزة‏,‏ والإسكندرية‏,‏إلخ‏..‏ ولا الأبقار والجاموس والحمير والبغال مسئولة عن وجود القذارة والقمامة في الريف المصري‏.‏

فالواقع يقول‏:‏ إن هذه المدن الكبري‏,‏ مثل أي مدن أخري في العالم‏,‏ تنتج كل يوم آلاف الأطنان من القمامة‏,‏ والشيء نفسه للقري‏..‏ وبسبب عدم وجود سبيل أو طريقة ناجعة للتخلص من القمامة‏,‏ احتال الإنسان علي ظروفه وفكر في الاستفادة من هذه القمامة عن طريق تربية الخنازير مثلا‏,‏ كما احتال الريفيون علي حراسة حيواناتهم بتربيتها داخل بيوتهم‏..‏ بمعني أن الحيوانات ليست هي سبب القذارة‏,‏ ولكن السبب الحقيقي هو عدم البحث بجدية عن طريقة فعالة للتخلص من القمامة‏.‏ بالرغم من أن العالم يعرف مدنا كثيرة نجحت في التخلص من القمامة‏,‏ والسبب الحقيقي لانتشار الأمراض والأوبئة‏,‏ هو القذارة وليست الحيوانات سواء كانت خنازير أو خرافا أو بقرا وجاموسا‏..‏ إلخ‏.‏

القضية ليست في الحيوانات مهما كانت‏,‏ بل في البشر‏,‏ يكفي أن ينظر أي شخص إلي برامج التليفزيون الأمريكي أو الأوروبي‏,‏ وهو ينصح الناس بأن عليهم أن يغسلوا أيديهم بالماء‏.‏ ثم إنه علي الحكومة أن تهتم بقضية التخلص من القمامة وهي ليست معضلة‏,‏ ولكنها صارت تهدد حياة الناس بشكل أقوي وأفتك من أي وباء مهما كان‏.‏
نقلا عن جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع