حكمت حنا
"عباس الطرابيلي":
هذه القرارات طبقتها العديد من الدول الديمقراطية، وسبب التهافت الإعلامي هو الحصول على أكبر نسبة من كعكة الإعلانات والتوزيع
"سلامة أحمد سلامة":
حظر النشر أمر يقرره القاضي، ويراعي فيه حق الرأي العام في المعرفة، وأن العالم كله اجتمع على عدم تصوير المتهم إلا بعد موافقته
المستشار "أحمد مكي":
لا يوجد حظر نشر بالمعنى المفهوم، لأننا لسنا جهة تشريع، بل يقتصر الأمر على العاملين بالنيابة، كما أن المفروض حظر تصوير المحاكمات لا نشرها، وعلى الصحفي مسؤولية نشر نصوص التحقيقات التي يحصل عليها من مصدره
"حافظ أبو سعدة":
نص الدستور يساهم في إقامة العدالة بعلانية الجلسات، والتي تتحقق في حضور الشعب للجلسات، أو بث المحاكمة بالتليفزيون، وأن القرار هو تراجع في مجال حرية الرأي والتعبير، والاختلاف عليه لتبريرات أخلاقية
تحقيق: حكمت حنا
أحدثت قرارات المستشار "سري صيام" -رئيس مجلس القضاء الأعلى- بمنع التصوير داخل قاعات المحاكم، وبعدها قراره بحظر نشر نصوص التحقيقات، انتقادات صحفية وحقوقية، وصلت للحد الذي تم إقامة دعوى ضده لإلغاء هذه القرارات، والتي اعتبرها البعض تحد من حرية الرأي العام في المعرفة، وحجب المعلومات عن الصحفي.
لكن اختلفت التفسيرات حول هذه القرارات؛ فالبعض رأى أنها كانت يجب أن تصدر قديمـًا تجنبـًا للفضائح وجرح كرامة المتهم، التي تتسبب فيه الصحافة، والبعض الآخر رآها مقيدة لحرية الرأ ي والتعبير، وتصيبها في مقتل، أما المقربين من مجلس القضاء الأعلى، فقد أوضحوا أنها ليست تشريعـًـا، بل توضيحـًا لقوانين موضوعة من قبل، لم يـُقصد بها المعنى الذي تداولته وسائل الإعلام، وتفسيرات أخرى طرحها أصحاب الاتجاهات المختلفة في هذا التحقيق.
قيد حرية الرأي العام في المعرفة والصحفي في الحصول على المعلومات
يرى "عباس الطرابيلي" -الكاتب الصحفي، ورئيس تحرير جريدة الوفد السابق- أن قرار منع تصوير المحاكمات سليم، ومطبق في العديد من الدول الديمقراطية، لأن هناك قاعدة تقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته؛ فتصوير المتهم داخل قفص الاتهام وإدانته، إنما يسيئ لإنسانيته، خاصة أن الكثير من القضايا حُكِم فيها بالبراءة، لكن تأثيرها على الأسر والعائلات كان مؤلم؛ فوزير الاقتصاد السابق تم تصويره داخل قفص الاتهام، وبعدها ظهرت براءته؛ فهل يمكن محو صورة إدانته أمام الرأي العام، ونزع هذه الصورة المؤلمة من أذهان أسرته.
كما أكد "الطرابيلي" أن "أمريكا" أثناء الجلسات تسمح لرسام يقوم برسم القاعة والمنصة، دون توضيح ملامح المتهم؛ احترامـًا لآدميته، ويتم نشرها في الصحف.
أما عن قرار مجلس القضاء الأعلى الأخير؛ بحظر نشر نصوص التحقيقات، فهو أيضـًا ضروري، وقد صدر حكم ضدي بمبلغ 10 آلاف جنيهـًا غرامة في قضية "هشام وسوزان"؛ لنشري نص التحقيقات في القضية، وهذا لازم لمنع أي صحفي من التشهير بأحد، وأرى أن الصراع الإعلامي وصحافة اقتحام البيوت إهانة للمواطن، وأن سبب التهافت الإعلامي هذا غرضه الحصول على أكبر نسبة من الأخبار والفضائح، للحصول على أعلى نسبة من كعكة الإعلانات والتوزيع.
أما الأستاذ "سلامة أحمد سلامة" -الكاتب الصحفي، ورئيس مجلس إدارة تحرير جريدة الشروق الجديدة- فيرى أن قرار إلغاء عملية التصوير داخل المحاكم كان يجب إصداره قديمـًا، وأنا أؤيد هذا القرار، لأن دول العالم كلها قالت إنه غير مسموح به، لأنه لم يأخذ رأي المتهم في التصوير.
أما بخصوص أمر حظر نشر نص التحقيقات؛ فهذا أمر يقرره القاضي، ويراعي فيه حق الرأي العام في معرفة تفاصيل القضية، وقد سُمِح في قضية مقتل المطربة اللبنانية "سوزان تميم" بدخول الصحفيين، وتسجيل ما يشاءون كحق من حقوقهم، لكن يجب ألا يكون قرار حظر النشر مطلقـًا، وعلى القاضي أن يحدده بقيود معينة؛ مثلاً لا يتم النشر حتى يصدر الحكم في بعض القضايا، أو لا يقوم بنشر تفاصيل القضية بطريقة معينة، ربما تؤثر على سير القضية؛ فوضع ضوابط أفضل من أن يصبح الأمر مطلقـًا، احترامـًا لحق الرأي العام في المعرفة، وحق الصحفي في النشر.
الرأي الحقوقي
ويوضح "حافظ أبو سعدة" –أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- أن الدستور يعطي للشعب الحق في إقامة العدالة؛ فالعلانية تتحقق بحضور الناس إلى قاعة المحكمة، أو بنقل وقائع الجلسة عن طريق التليفزيون.
ويضيف أنه بخصوص حظر النشر فهو أمر مُجرَّم بنص القانون، فبدلاً من إلغاء نشر التحقيقات في القضايا المهمة، يتم وضع ضوابط، ويكون القرار بمنع النشر في حالة تجاوز النشر، بأن يتناول الأدلة بالبراءة أو الاتهام، كما أن الإعلام أيضـًا له الحق في حضور الجلسات، ولا يعتبر القرار تراجع في مجال حرية الرأي والتعبير.
وعن اختلاف الآراء حول هذه القرارات، فقد أرجعها "أبو سعدة" إلى أنه كالعادة عندما يصدر قرار يقيد حرية الرأي والتعبير، أنه يصدر مبرر أخلاقي، موضحـًا أنه طالما يخشون على حرمة المتهم وإنسانيته؛ فلماذا يحضرونه داخل قفص ويعاقبونه، بل يصل الأمر للإدانة، فطالما هو برئ فالافضل عدم وضعه في قفص، وأن يرتدي ملابس محترمة، بدلاً من ملابس الاتهام، وقد طالبنا من قبل بإلغاء القفص للمتهمين الذين لم تثبت إدانتهم.
وفي النهاية فالقرار الصادر من مجلس القضاء الأعلى؛ إنما يقيد حرية الرأي العام، وحق الشعب في المعرفة.
رأي القضاء
ويوضح المستشار "أحمد مكي" -نائب رئيس محكمة النقض- أصل هذا القرار، بأنه لا يوجد حظر نشر بالمعنى المفهوم؛ لأننا لسنا جهة تشريع، فالتحقيقات التي تجريها النيابة بنص القانون سرية، ومحظور الاطلاع عليها إلا لأعضاء النيابة، وكل مَن اتصل علمه بالتحقيق لا يفشيها، وإلا يكون قد ارتكب جريمة إفشاء أسرار، ويكون قاصرًا فقط على العاملين بالمحاكم؛ وفقـًا لنص المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية، وعقوبة إفشاء الأسرار تلحق بالموظفين فقط العاملين بالنيابة.
وأوضح أنه بخصوص الصحفيين فإذا ما توصل الصحفي بعلمه للتحقيق من أي مصدر، يكون هذا على مسؤولية الصحفي الخاصة، إذا ثبت أن الاتهامات الموجهة للمتهم مكتوبة، يحق للذي أُضير أن يرجع على الصحفي بالتعويض، وإذا كان غرضه التشهير؛ فيعاقب بما نص عليه القانون، مؤكدًا أن نشر التحقيقات بطريقة مسيئة للمتهم الذي يصدر حكم لصالحه؛ مثلما حدث مع طبيب الدقي، إنما يلحق الفضائح بأسرته، ويكون له الحق عند الصحفي ناشر المعلومات محل الاتهام.
وأكد "مكي" أن مجلس القضاء الأعلى ليس سلطة تشريع، لكنه يوضح فقط النصوص القانونية؛ فالقرار الأخير بحظر النشر يطبق على أعضاء النيابة، مَن لهم صلة بالقضية، وترجمة صريحة لنص المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 50 لسنة 1995، والحظر يقتصر فقط على التصوير دون حضور الجلسات.
وأشار "مكي" إلى أن الأصل هو نشر المحاكمات العلنية، أما البلاغ الذي يتضح بعدها كذبه، فهذا ممنوع نشره من الناحية القانونية، لأنه سيرجع على الصحفي بالتعويض.
http://www.copts-united.com/article.php?A=24451&I=607