بقلم: حلمى النمنم
يتمتع الخنزير بمكانة متدنية فى ثقافتنا العامة، فإذا أردنا إهانة أحد قلنا إنه «زى الخنزير» والمقصود بلادة الحس والتمييز لديه، وتدخلت المخيلة العامة لتخفف فى الشتم من كلمة الخنزير، فتقول «يا ابن الخنزؤر» وننادى أحدنا إذا كان حزيناً ومتوتراً «مخنزر ليه» أو «مخنزر على الآخر». المرة الوحيدة التى استعمل فيها الخنزير بهدف الإعجاب والإشادة، كانت لأنثى الخنزير، فأطلقنا على موديل معين لإحدى ماركات السيارات «الخنزيرة»، دلالة على قوتها الشديدة..
وغنى عن القول إن الموقف العام فى مصر المعاصرة من الخنزير، يعود إلى أنه الحيوان الذى اختصه القرآن الكريم بتحريم أكل لحومه.. ومن ثم لم يكن السادة أعضاء مجلس الشعب بحاجة إلى التهييج ضد الخنزير بمناسبة أنفلونزا الخنازير،
وبالتأكيد فإن السادة النواب لديهم خوف وقلق حقيقى على صحة المصريين، لكن يبدو لى أنه اختلط المخزون النفسى والثقافى ضد الخنزير مع الخطر الحالى، فأحدث لدينا تلك الحالة.
من حق السادة النواب أن يقلقوا وأن يفزعوا، لكن واجب الحكومة أن تدرس أى أمر، وحين تشرع الحكومة فى اتخاذ قرار يجب أن يكون واضحاً لديها إمكانيات وآليات التنفيذ، والواقع يقول لنا إن أنفلونزا الخنازير أثبت أن حكومتنا غير ذكية بالمرة، رغم أنها سميت الحكومة الذكية، وتضيف أزمة الخنازير إلى سجل الفشل الحكومى، فشلاً جديداً..
فطبقاً لإمكانيات الذبح، نحتاج أكثر من ثلاث سنوات لذبح الخنازير الموجودة فى الزرائب المعروفة، ولم تدرس الحكومة إمكانية التعامل مع لحوم تلك الذبائح، فهى لن تصدّر وكذلك لن تُستهلك بسرعة، وعلى الأغلب سوف تتسرب إلى المطاعم واللحوم المصنعة، فإذا كانت المطاعم استقبلت لحوم الحمير الميتة، بالمناسبة لحوم الحمير محرمة فى الإسلام، فلن تتردد فى لحوم الخنازير، ومع «البيزنس» فلننح العنصر الدينى.
مساء الأحد لقيت صديقاً، هو طبيب نابغة وعلم فى تخصصه، قال لى بدهشة.. هناك مسلمون لديهم زرائب الخنازير، فرددت عليه أن البيزنس لا دين له، لكن زميلاً آخر، أكمل لى.. القرآن حرم فقط أكل لحم الخنزير، لكن لم يحرم تربيته وبيعه لمن يمكن أن يأكله! باختصار لا أعرف أن هناك ضماناً اتخذته الحكومة لمنع تسرب تلك اللحوم، ناهيك عن التخلص الصحى من فضلات الذبائح وهى عادة موطن الداء ومكمن الفيروسات،
وما لم تهتم به الحكومة هو مصير «الزبالة» التى كانت الخنازير تستهلكها يومياً وهى بمئات الأطنان.. أين ستذهب وكيف نتخلص منها؟! والواضح حتى الآن أننا سنبقى عليها.
حكومتنا الذكية أرادت أن تبدو منسجمة مع البرلمان ومع الهياج العام، فاتخذت القرار على عجل ودون دراسة، وتركته لرجال الأمن يقومون بتنفيذه، وتنتهى القضية إلى مصادمات بين الأهالى ورجال الشرطة، وفى الأخير فإن الحكومة تضيف إلى سجلها فشلاً جديداً وكاملاً، وتزيد بؤر الاحتقان الاجتماعى.
الفشل الحكومى عايشناه وعانيناه جميعاً، ولنتذكر من باب تنشيط الذاكرة، فضيحة أنفلونزا الطيور، التى نجحت بلاد مجاورة لنا مثل الأردن فى مواجهتها وفشلنا نحن، وتحور الفيروس لدينا، وما زال موجوداً أو ما زالت ضحاياه تسقط حتى يومنا هذا.
بعيداً عن الجانب الصحى، هناك كارثة رغيف العيش، ولولا أن القوات المسلحة تدخلت لحدث ما لم يتوقعه أحد، وفى العموم فإن طوابير العيش التى أعادها د. المصيلحى لم تنته إلى اليوم، وباتت أمراً عادياً نشاهده صباحاً ومساءً أمام أكشاك التوزيع، إنجاز المصيلحى أنه نقل الطوابير من أمام الأفران إلى عرض الشارع فى الأكشاك، حتى يستمتع برؤيتها الجميع!
فى مجال التعليم الخطر قادم، نالت جامعاتنا صفراً فى قائمة أفضل خمسمائة جامعة، بينما جنوب أفريقيا وإسرائيل حاضرتان بقوة فى القائمة، أما فى التعليم غير الجامعى فلدينا فضائح بيع الامتحانات وقتل الأطفال وتعذيبهم داخل المدارس، ووزير التعليم مبتسم وراضٍ دائماً، غير التعليم هناك بيع «عمر أفندى» وركبت الحكومة رأسها وقت البيع، وتكشف الأمر الآن عن خطيئة بالغة، ويفكر وزير الاستثمار فى استعادة عمر أفندى..!!
أدمنت حكومتنا الحالية الفشل، وصار جزءاً بنيوياً فى تكوينها، نعرف أن كثيراً من الأزمات والمشاكل لم تولد مع هذه الحكومة، لكن المفترض أن الحكومة جاءت لتتعامل معها وتخفف من حدتها إن لم تتمكن من القضاء عليها، والصورة أمامنا أن هذه المشاكل تفاقمت فى السنوات الأخيرة، خاصة فى قطاع التعليم، من الحضانة وحتى الدراسات العليا بالجامعات، وفشلت الحكومة حتى فيما قطعته على نفسها من عهود، سمت الحكومة نفسها «الحكومة الذكية» وأنها حكومة «الفكر الجديد»، وقلنا إن رئيس الحكومة وعدداً غير قليل من الوزراء جاءوا من خارج الجهاز البيروقراطى للدولة،
ومن ثم فسوف تتحرر من كثير من العوائق لتقدم إطاراً جديداً وطفرة فى التعامل مع الأزمات، وتبين أن هناك بالفعل تجاوزاً للبيروقراطية، وقفزا فى الظلام، مثل تقليل كميات الدقيق إلى المخابز فتقع كارثة رغيف العيش، ومثل التعامل مع أنفلونزا الطيور والخنازير، وإذا كانت للبيروقراطية جوانبها السلبية فلديها جوانب إيجابية،
وتبين أن حكومتنا تطيح بالإيجابى فقط وتوظف السلبى منها، كما جرى أيام سقوط صخرة الدويقة فى منشية ناصر.. حيث قال لنا مسؤول كبير إن ضحايا الصخرة وقّعوا على أوراق بأنهم يقيمون فى المنطقة على مسؤوليتهم الخاصة، وكأنه يجوز أن يوقع مواطن على ورقة رسمية بأنه سينتحر ثم تجلس الحكومة تنتظر أن ينفذ تعهده!
لن نطالب بإقالة الحكومة، فالمطالبة بإقالتها تطيل فى عمرها، ولن نطالب بإنشاء جهاز أو لجنة وزارية لإدارة الأزمات، فحكومتنا تتعامل بمنطق رد الفعل، ومن ثم فلا مكان لديها لعلم إدارة الأزمات ونظرية الاحتمالات وبدائل الحلول.. فقط نسجل أن حكومتنا هى بامتياز حكومة الفشل، لا يشبهها سوى حكومة د. على لطفى، والفارق أن حكومة على لطفى كانت قصيرة العمر، بينما حكومتنا الحالية معمرة، ولله الأمر!
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2560&I=70