كمال زاخر موسى
بقلم: كمال زاخر موسى
اعتدنا فى تبسيط مخل أن نتداول بعض المقولات التى اكسبت مصداقيتها عند الغالبية من كثرة وتواتر ترديدها، دون أن نحاول البحث فى مدى صحتها، وربما يكون هذا مريحاً لنا خاصة إذا وجدنا فيها تبريراً لواقعنا المتراجع على أصعدة عديدة ، ثقافياً ومجتمعياً وسياسياً، وقد يبرر مواقف متعسفة تدفع باتجاه عدم تفعيل المشاركة الشعبية فى الشأن العام، ويأتى على رأسها القول بـ " سلبية الأقباط " وبدلاً من تحليل تلك الفرية رحنا نجمع الشواهد المؤكدة لها وفى تصعيد غير مبرر رحنا نتهم الكنيسة بأنها السبب الرئيس والوحيد فى شيوع تلك السلبية ، ولم نلتفت لما أصاب المجتمع فى مجمله من سلبية فجة ، فلم نقف مثلاً عند الأرقام الرسمية التى قالت بأن المشاركة فى الإنتخابات العامة المفصلية ـ من كل المصريين ـ لم تتجاوز 23 % من المقيدين بجداول الإنتخاب ، وأن المقيدين فى تلك الجداول لم يبرحوا خانة الـ 40% ممن لهم حق التصويت .
فى ظنى أن النهج الأبوى الذى تبنته حركة ضباط يوليو وتقديم العدالة الإجتماعية ـ المشوهة ـ على تفعيل الديمقراطية التى تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى كانا المنشأ لهذه السلبية العامة والتى كانت وراء كل الكوارث التى حلت بنا، ووفقاً لنظرية الأوانى المستطرقة كان للأقباط نصيب منها .
وقد شهد الشارع المصرى غداة ثورة يوليو حراكاً قبطياً هاماً تمثل فيما عرف بـ " جماعة الأمة القبطية " كان يمكنه لو دام أن يدفع بالديمقراطية خطوات واسعة للأمام لكنه اصطدم بواقع مقاوم فتم تصفيته قبل أن يمضى على ولادته سنتين ، ولم تواجه جماعة عبر تاريخ الكنيسة المعاصر بمثل ما ووجهت به هذه الجماعة (تأسست 11 سبتمبر 1952ـ صدر قرار بحلها فى 24 ابريل 1954).
هل لأنها ترجمت معارضتها لسياسة الكنيسة وواقعها المتردى إلى فعل لم تعتده اروقتها، ولا يتسق مع طبيعة الأقباط، حين توجهت إلى دار البطريركية، وألزمت البابا البطريرك (أنبا يوساب) بالتوقيع على وثيقة تنازل عن إدارة الكنيسة ؟... ربما
هل لأنها مدت تطلعاتها إلى خارج أسوار الكنيسة، وارتفعت بمطالبها لتتجاوز السقف الذى يسمح به المجتمع والنظام الحاكم آنذاك، حتى بدت لكثيرين أنها تطلعات مجنونة، وهى تضع على قمة مطالبها عودة الأمة القبطية، لغة وممارسة وحياة؟ .. ربما.
هل لأنها وجدت تأييداً شعبياً جارفاً منذ يوم إعلانها، كان يؤسس لتفعيل المشاركة السياسية للأقباط، مع اختلاف تقييم هذا التحرك، فأزعجت الحكام الجدد وأربكت حساباتهم؟ .. ربما.
هل لأنها ترجمت ما تؤمن به إلى خطوات عملية تشابكت فيها مع الشارع ومع الكنيسة ومع الدولة؟ .. ربما.
هل لأنها سجلت رؤيتها فى شأن "الأمة المصرية" فى مشاركتها بمذكرة قدمتها إلى لجنة مشروع الدستور، بعد أن طلبت منها الجهات الرسمية المشاركة فى ذلك، ووضعت يدها على واحدة من أخطر معوقات المواطنة والدولة المدنية، فتصادمت مباشرة مع الخلفيات الذهنية لكثيرين من شخوص ثورة يوليو الوليدة، رغم تقريظ العالم الدستورى الدكتور عبد الرزاق السنهورى وثناءه على المذكرة؟ .. ربما .
هل لأنها قادت حركة معارضة شعبية قبطية، بدعم وتأييد من المجمع المقدس، ضد اتجاه الثورة إلى إصدار قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين، والذى يحيل الفصل فى قضايا الطلاق للمحاكم المدنية بعد أن كانت حقاً مطلقاً للكنيسة ، وكذلك ضم الأوقاف القبطية للدولة، الأمر الذى حسب مقاومة لتوجه الحكام الجدد؟... ربما
فى ظنى أن "جماعة الأمة القبطية" تجربة تستحق أن نقترب منها، وأن تعرفها الأجيال المعاصرة بعد أن قوبلت بموجات عاتية من التعتيم ومن التشويه، تجربة مصرية حاول من لم يسترح لها أن يحصرها فى خندق الطائفية، ومن المستغرب أن يتبنى صحفى بحجم الأستاذ محمد حسنين هيكل هذا التصور المغلوط فيؤكده ويروج له ـ رغم ما لديه من وثائق ـ وعنه أخذ الكثيرون ممن تناولوا هذه الجماعة، فهل هى كذلك كما يبدو للوهلة الأولى من مسماها " الأمة القبطية " أم هى حركة وطنية تسعى لبعث التواصل التاريخى لتعود "الأمة المصرية" كما يقول قادتها، ثم هل هى حلم أم كابوس ؟!.
أُحاول عبر سطورى أن أقترب من هذه الجماعة التى مازالت محل جدل إلى اليوم، أقلب فيما اتيح لى من أوراقها وعبر جلسات مع بعض رموزها الأحياء ـ أمد الله عمرهم ـ بحثاً عن إجابة لتلك التساؤلات وغيرها.
كانت كل الظروف المحيطة ضد هذا التحرك ، فقد تأسست الجماعة فى 11 سبتمبر 1952 ، أى بعد أقل من شهرين من قيام ثورة يوليو من ذات العام والمحكومة بخلفية ريفية دينية عند بعض شخوصها المؤثرين، وكان إختيار تاريخ الإعلان عن تأسيس الجماعة مقصوداً لما يحمله من دلالة فهو رأس السنة المصرية، ( 11 سبتمبر / أول توت ) وكان حفل التأسيس هادراً بمدرسة التوفيق القبطية بحى الفجالة ذو الكثافة المسيحية الملحوظة، والمحاط ـ وقتذاك ـ بأحياء لا تقل كثافة مسيحية عنه .
قاد الجماعة الشاب إبراهيم فهمى هلال ـ لم يتعد حينها الثامنة عشر ـ وكان قد تخرج لتوه فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة) ، وإلقى فى الحشد الحاضر خطاب التأسيس الذى يحمل توجههم وتطلعاتهم، وسط حضور شعبى مكثف، إذ يقدر عدد الحضور نحو ألف شخص أو يزيد، وفى حضور مندوبين عن البابا يوساب هما الأنبا بطرس مطران أخميم، والقمص إقلاديوس الأنطونى ( الأنبا بولس ـ إسقف حلوان فيما بعد)، وبعض من الرموز العلمانية من كبار رجال الأقباط على رأسهم الدكتور ابراهيم فهمى المنياوى باشاً.
ويذكر مؤسسها (يشغل اليوم موقع استاذ القانون المصرى القديم بجامعة السوربون ـ باريس، والتى حصل فيها على درجة الدكتوراة فى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين) أنه خلال مالا يزيد عن العام إنضم لعضوية الجماعة ما يزيد على التسعين ألف قبطى، كان شعارهم " الله ملكنا، ومصر بلادنا، الإنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، والشهادة فى سبيل المسيح غاية الرجاء" !!، وهو يحاكى إلى حد المطابقة شعار جماعة الإخوان المسلمين وربما يتحداه، وإن حسب له التأكيد على الإنتماء الوطنى الذى غاب عن شعار الإخوان وهو أمر غير مستغرب عند الجماعتين .
وخلال المقالات التالية سنتناول حكاية هذه الجماعة وأطروحاتها ونتأكد ان سلبية الأقباط عارض فى تاريخ طويل من الإيجابية التى تصب فى حب الوطن بغير مزايدة أو إعلان .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=273&I=7