عبد صموئيل فارس
بقلم: عبد صموئيل فارس
مع كل إنسان هناك مواقف في الحياه تصادفه تحمل في طياتها معنى ومغزى، وهذا ما دعاني إلى كتابة هذه المواقف التي حدثت معي بصفة شخصية، فهي ليست متصلة لكنها منفصلة ولكن جوهرها وهدفها هو واحد إبراز ما آلت إليه الأوضاع في مصر ونحن في القرن الواحد والعشرين، بعد أن تحطمت على أرضها كل المبادئ والقيم وسقطت فريسه للجهل الذي أصبح يحكم ويشرّع ويوجّه ضمائر الناس، ولنبدأ بالموقف الأول:
في صيف العام الماضي ذهبت إلى مدينة الأسكندرية، فهي قبلة المصيفين لما تمتلكه من شواطئ ساحرة، وكالعادة أقضي أغلب أوقاتي بين مكانين الشاطئ ومكتبة الأسكندرية، ولكن ما حدث معي كان على الشاطئ الذي له جاذبية ساحرة وقت الغروب، فقررت أن أسير على حافة الشاطئ لمسافات طويلة.
وفيما أنا أسير لاحظت طفلاً وسيماً تظهر على وجهه علامات البراءة والطهر يجلس على الشاطئ يحفر داخل الرمال أحلامه وخيالاته التي غالباً ما تكون نشيطة في مثل هذا السن، فقررت أن أداعبه -فأنا ممن يضعفون أمام براءة الأطفال ونقاوتهم- فجلست بجواره أحفر دون أن أوجه له كلاماً، وبعد قليل لاحظت أنه يوجه نظره ناحيتي وهنا بدأت العلاقة وسألته عن اسمه فقال لي أحمد، وبعد ذلك سارعت لمداعبته بالماء وعندها انطلق ببراءته المعتادة في مطاردتي على الشاطئ وهو يضحك ويلهو وأنا في قمة سعادتي لأنني استطعت أن أرسم الإبتسامة على وجهه ووجه أسرته التي كانت تراقبه على مقربة منا.
وظللنا هكذا فيما يقرب من ساعة واستلقيت على الشاطئ وأنا أضع ذراعي تحت الرمال المختلطة بماء البحر، وجاء أحمد يداعبني من بعيد فناديت عليه وبالفعل جاء فرفعت ذراعي لأسلم عليه واقترب مني ليصافحني لأنني كنت عزمت على الرحيل، وفيما هو يحاول نظر إلى ذراعي فرأى علامة الصليب التي تزين ساعدي، فإذ الإندهاش والذهول ومؤشرات الصدمة قد ارتسمت على وجهه وظل ينظر إلى ذراعي في ثبات، وحاولت أن أسلم عليه لكنه تراجع، ومع إلحاحي عليه وهو صامت هز رأسه بالرفض وشاورعلى الصليب، عندها فهمت وأنا مصعوق من هول الصدمه فأستلقيت على ظهري ثانية وأنا أنظر إلي البحر والشمس عند غروبها وكأن الظلام أتى بقوة على بلادنا.
وفي هذه اللحظات أتى أحمد وبين كفيه قليل من الرمال ولم أدري سوى والرمال تملأ وجهي، وهذه لم تكن مداعبة بل تغير الوجه الملائكي البشوش البرئ ونظرة في وجهه وكأنه يمتلك لحية وشارب ويرفع حاجبه كما جسّد هذه الشخصية الفنان عادل إمام في فيلم الإرهابي.
وقمت وأنا أسأل نفسي عن من يكون السبب في قتل هذه البراءة وتشويهها بهذه العنصرية والكراهية تجاه الآخر.
فهل الأسرة هي المسئولة؟ أم الشارع أم المؤسسة الدينية أم الإعلام أم أنني أنا المسئول دون أن أدري؟
إن عرف أحد الإجابة فليجبني...
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2773&I=75