هشام منور
بقلم: هشام منور
على الرغم من القرب الجغرافي بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظومة الاتحاد الأوروبي والتي تشجع على قدر أكبر من التواصل السياسي والثقافي والاقتصادي بين الجانبين إلا أن الشق الاقتصادي من العلاقة كان وحده الفاعل في طبيعة العلاقة بينهما، على الرغم من اختلاف زاوية النظر إلى حجم هذا التعاون الاقتصادي في ظل التقارب الجغرافي المذكور.
بل إن علاقة دول مجلس التعاون الخليجي - على صعيد كل دولة بمفردها أو على صعيد مجلس التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية- لا يمكن أن تُقَارن بنظيرتها الأوروبية رغم العوامل الكثيرة التي تعزز من علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي.
والحال أن دول الخليج العربي تشهد حراكاً سياسياً كبيراً ومتواصلاً في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها دول الخليج العربي بوصفها واحدة من أغنى مناطق العالم بالثروات النفطية والمعدنية، وتماسها المباشر مع واحدة من أكثر بقع العالم توتراً واضطراباً (الشرق الأوسط) وصلتها بقضية العرب والمسلمين الأولى (القضية الفلسطينية) والتي لا يبدو أن حلاً شاملاً ونهائياً لمعضلتها سوف يرى النور في المستقبل القريب، يضاف إلى ذلك وقوعها في رحى الصراع الدولي الجديد بين القوى الغربية والدول النامية الممتلكة للتقنية النووية (الهند وباكستان) أو تلك الساعية للحصول عليها (إيران).
هذا الحراك السياسي الموار الذي تعرفه المجتمعات الخليجية دفع بأبنائه إلى أن يرنو قبل الاتحاد الأوروبي بالذات في ظل هيمنة رؤية "الكاوبوي" للرئيس السابق بوش الابن على الولايات المتحدة وتشكيك الكثيرين بمدى إخلاص الولايات المتحدة لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في ضوء ممارساتها العملية في كل من العراق وأفغانستان ومعتقل غوانتاناموا.
ويبدو الأساس الهيكلي الذي بني عليه السلام والاستقرار في أوروبا بأكملها، إعلان هلسنكي عام 1975 مؤسساً لما بات يعرف «بمؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي» والذي تداعت إلى عقده 35 دولة من دول المعسكرين الغربي والشرقي، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) مغرياً بالنسبة للكثيرين في دول الخليج العربي.
فالمبادئ التي قام عليها هذا المؤتمر لضمان الأمن في أوروبا من احترام مبدأ السيادة المتبادلة والحقوق التي تضمنها لكل دولة مع الامتناع عن التهديد باستخدام القوة، واحترام الحدود القائمة للدول، وتسوية النزاعات سلمياً وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مع احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتأكيد ضرورة التعاون بين الدول، والعمل على بناء جسور الثقة بينها يمكن أن يتم اقتباسها والاستفادة منها في صياغة أسس التعاون بين دول الخليج العربي وأبنائه.
فالقضايا التي تشغل بال أهل المنطقة (الخليج العربي) سواء فيما يتعلق بالدستور وأسسه أو قضايا المواطنة والهوية وتشابه المجتمعات الخليجية الحالية التي بات توسم بالتعددية شأنها شأن المجتمعات الأوروبية، ومعضلة الحفاظ على الهوية القومية في ظل ارتفاع نسب العمالة الوافدة وقضايا التعاون والتنمية التي تشغل الحكومات الخليجية، فضلاً عن قضية السلطة ومعضلات الديمقراطية ومستقبلها في دول الخليج العربي وعلاقات دول الخليج مع المحيطين الإقليمي والدولي كلها يمكن أن تجد مقاربة عملية لها في المبادئ التي يستند إليها «مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي».
إن القضايا الملحة والمطروحة حالياً على بساط البحث واتخاذ القرار تقتضي التفكير بشكل جَدي بإيجاد صيغة عملية للتوافق بين دول مجلس التعاون الخليجي فحرص دول الخليج على استقلاليتها وسيادتها، وبالذات الدول ذات المساحة الصغيرة نسبياً ومستقبل الجار العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه وعلاقتها بالصراع النووي في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، والحوار الغربي الإيراني الذي باتت تتشكل معالمه في ضوء الخوف عقد صفقة محتملة بين الغرب وإيران على حساب بقية دول المنطقة، والاضطراب الذي تعاني منه أفغانستان، والنزعة المتشددة لدى بعض فئات الشباب في الخليج العربي، كلها معضلات مهمة من الممكن أن تستفحل وتتفجر بشكل دراماتيكي ما لم يتم إيجاد الصيغة المعقولة والمقبولة لإدارتها والتعامل معها وحلها قبل أن يفوت الأوان بالنسبة لها وتهدد مستقبل دول الخليج العربي والمنطقة برمتها.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2832&I=77