ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد
صدر عن مكتبة الأسرة، كتاب تحت عنوان "نحو ثورة في الفكر الديني"، ضمن سلسلة "الفكر" من تأليف د. "محمد النويهي". ينقسم الكتاب الذي يقع في حوالي (195) صفحة إلى ستة فصول هم: "إلى الثورة الفكرية، والدين وحرية الفكر، والأخلاق وحرية الفكر، والوطنية وحرية الفكر، وحرية الفكر وحرية العمل، ونحو ثورة في الفكر الديني".
بناء حضاري شامل
وأشار الكتاب إلى أن هزيمة الأيام الستة، لم يكن سببها مجرد ضعفنا العسكري أو أي أخطاء استراتيجية وتكتيكية ارتكبها قادة جيوشنا؛ حيث أن هذا الضعف وهذه الأخطاء نفسها، لم تكن سوى الحاصل النهائي لضعف عام عميق شمل كل نواحي كياننا العربي المادي والروحي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والديني والأخلاقي. مشيرًا إلى أن هذا هو ما نحتاجه لتلافي آثار هذه الهزيمة، والمضي منها إلى الانتصار، وليس مجرد البناء العسكري رغم أهميته، بل هو بناء حضارى شامل لجميع أركان حياتنا المعاصرة. مؤكدًا أن الصراع الدائر ليس مجرد صراع سياسي وتنافس بين دولتين حول مسألة محددة- والذي من المستطاع أن تتم فيه المصالحة أو التراضي على حل وسط- بل أنه صراع حضاري شامل بين طرازين مختلفين من المجتمع البشري الذي يقوم كل منهما على عدد من الأوضاع المادية والاجتماعية، والمفاهيم الفكرية، والقيم المعنوية.
ثورة فكرية جذرية
"إن تغيير عقول الناس وقلوبهم، هو عملية نقد وتمحيص واسعة النطاق متعددة الجوانب يقوم بها المثقفون، فيخضعون فيها كل مفاهيمنا وقيمنا لثورة فكرية جذرية، تنفي عنها ما لم يعد ملائمًا للمجتمع الجديد الذى نريد بناؤه، وتُحل محلها ما يحتاجه هذا المجتمع من مفاهيم وقيم جديدة".. هذا هو ما يؤكده الكاتب، مشيرًا إلى أن المثقفين يجب أن يقوموا بهذه الثورة الفكرية الجذرية، وإنهم في سبيل ذلك يحتاجون إلى قدر كبير من الشجاعة والاستعداد للتضحية، حيث سيرميهم المجتمع المحافظ بكثير من التهم، وسيجاهرهم بالعداء، بالإضافة إلى العديد من التهم في ثلاثة جوانب رئيسية، وهي: الجانب الديني والأخلاقي والقومي. موضحًا أنهم في صراعهم المرير مع الأفكار والمثل التي يصر المجتمع المحافظ على التمسك بها، وفي تحليلهم الصريح المؤلم لما يحفل به هذا المجتمع من العلل والتناقض، لابد أن يدخلوا في جدل مع الخرافات والأوهام التي تختلط بالعقائد الدينية الصحيحة، والتي تتغلب عليها في أذهان الكثير من أفراد المجتمع.
سموم التحلل الأخلاقي
وأشار "النويهي" إلى أن الدين هو أول حُجة تُستخدم في مقاومة الأفكار الجديدة، كما أن ثاني هذه الحجج هي الحجة الأخلاقية. موضحًا أن هاتين الحجتين كثيرًا ما تمتزجا؛ لرفض الرأي الجديد ووصفه بأنه "هادم للدين" و"مفسد للأخلاق". وأضاف: إنهم يقولون: "كيف نسمح لمفكِّر أن يعبِّر عن آرائه، إذا كانت تناقض الأخلاق القويمة، وتزعزع تقاليد الفضيلة، وتبث سموم التحلل الأخلاقي، وتدعو إلى ما هو رذيلة سافرة؟" كما قال: إنهم يتساءلون: أفلا يحق لنا المحافظة على كيان المجتمع الذي لا تقوم له قائمة إذا أُهدرت حدود الفضيلة، وشاع الإثم والفساد؟ مؤكدًا أن هذا الكلام يبدو وجيهًا، إلا أن هناك أسباب عديدة تجعلنا نرفض أن يُتخذ حجة لتقييد الفكر الجديد، وهي: استحالة تحديد ما الخير وما الشر، أو الإتفاق على قياس أخلاقي واحد، حيث أن القيم التي لا اختلاف فيها، هي تعبيرات عامة جدًا ومبهمة جدًا. وقال: "كلنا يؤمن أن العدل فضيلة والظلم رذيلة، ومعظمنا يسلِّم بأن القسوة شر والرحمة خير، ولكن الصعوبة تنشأ في التطبيق.
إدراك النقائص والعيوب والاعتراف بها
وتساءل الكاتب عن كيفية فهم معظم أفراد الشعب لمعنى الوطنية، وماذا ينتظرون حين يقبلون على سماع خطبة أو قراءة قصيدة أو مقالة يعتقدون أنها عن الوطنية. مشيرًا إلى أنهم ينتظرون من الكاتب أو الشاعر ألا يفعل شيئًا سوى التغني بخصالنا، التي لا يرى فيها إلا "فضائل"، كما أنه يشيد بأعمالنا التي لا يجد فيها إلا بطولات، ويعلي شأن تاريخنا؛ فلا يقرأ في صفحاته إلا مفاخر ومآثر، ويعرض سلوكنا الوطني في قضاينا الكبيرة؛ فيجده كله صواب لا خطأ فيه، وينسب إلى الآخرين من أعداء وخصوم كل الجرم وكامل المسئولية فيما يصيبنا من نكسات ونكبات وهزائم، منكرًا في هذا كله، أن تكون بصفاتنا وشخصيتنا مساوئ، أو بتاريخنا وسلوكنا الوطني أخطاء وخيانات وجرائم. موضحًا أننا يجب أن نعي أن مفهوم الوطنية ليس مجرد الاعتزاز بالوطن والتفاخر به، بل أن الوطنية الصحيحة الصادقة المخلصة والحكيمة هي الرؤيا الواضحة الواعية لحقيقة الأحوال والأوضاع- خيرها وشرها- ليس هذا فحسب، بل إدراك النقائص والعيوب، والاعتراف بها اعترافًا صادقًا أمينًا، الأمر الذي يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة والتضحية، وهو أكبر دليل على صدق الرغبة في خدمة الوطن.
http://www.copts-united.com/article.php?A=28663&I=682