"جمال الدين": يجب إعادة السلطة للشعب وطليعته الفكرية التي تنادي بالحريات ودولة المواطنة

ميرفت عياد

كتبت: ميرفت عياد
أُقيم بمقر حركة "كفاية"، ندوة بعنوان "المصريون والتغيير عبر التاريخ"، ألقاها الكاتب والمحقِّق في التراث "عبد العزيز جمال الدين".
 
في البداية، عرَّف "جمال الدين" مفهوم المقاومة بأنه عمل ثقافي تقوم به الشعوب من أجل إحداث تغيرات اجتماعية، خاصة في المجتمعات المتقدمة- وهو بطبيعته فعل مستمر لا يتوقف، سواء في الزمان أو المكان. مشيرًا إلى أن التاريخ يرصد لنا أن "مصر" تُعد نموذجًا لطرح أفكار المقاومة ضد القهر،
منها: قيام أول ثورة قام بها الفلاحون في التاريخ، وأدَّت إلى سقوط الدولة القديمة، والتي كانت في عهد الملك "بيبي الأول" و"بيبي الثاني"
عام 2354/2181 ق.م، وظهر في عهدهما أول الأشكال الأدبية لأدب المقاومة في بردية الحكيم "نيبؤر". مؤكدًا أن "مصر" ظهر بها أيضًا أولى الإضرابات العمالية، مشيرًا إلى أول إضراب عمالي حدث في جبانات "وادي الملوك" في الدولة الوسطى، والذي توالت بعده المظاهرات ضد البطالمة، ثم ثورات العبيد المصريين ضد الإحتلال الروماني، والمقاومة ضد الإحتلال البيزنطي بقيادة الكنيسة القبطية، واستمرار المقاومة حتى الحملة الفرنسية على "مصر"، وثورة  1919، وإعلان دستور 1923، نهاية بثورة 23 يوليو 1952.
 
دور المثقفين المصريين
وأشار "جمال الدين" إلى أن من يدقِّق النظر في الإحتلال الأجنبي، سيجد أن هناك موقفان من المصريين تجاهه؛ أولهما يتمثل في الفئة المثقَّفة التي شعرت ببطش المحتل، فلجأ بعض منها إلى إعلان الهدنة من أجل اقتسام السلطة معه، وقرَّر البعض الآخر منها أن يمارسوا المقاومة الفكرية والأدبية؛ فتم التنكيل بهم وقهرهم. أما الموقف الثاني، فيتمثل في الفئات الشعبية، والتي كانت تعاني من جبروت الإحتلال واستبداده، فتقوم بمواجهته بالإحتجاجات والمقاومة، ومنه برز دور المثقَّفين الذين كانوا يقومون غالبًا بدور الوساطة بين الفئات الشعبية والسلطة القائمة من أجل تهدئة الرأي العام.
 
وتساءل "جمال الدين": ما هو المطلوب من المثقفين المصريين في هذه الآونة؟
وأجاب: المطلوب إعادة السلطة للشعب وطليعته الفكرية التي تنادي بالحريات ودولة المواطنة من خلال العديد من الآليات التي تعمل من أجل الإصلاح والتغيير، بدعم من كل القوى الراغبة في التغيير والتقدُّم.
 
الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي
وأوضح "عبد العزيز" أن التقدُّم له ثلاثة أوجه هي: الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي. مشيرًا إلى أن الإصلاح الاقتصادي والثقافي يحتاج إلى الإرادة السياسية التي يمتلكها النظام وحده، والتي يجب أن تكون بالتساوي بين النظام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، وإن كانت للأسف ضعيفة ومخترقة من الأمن، وتعجز عن جذب الجماهير إليها، وممتلئة بالصراعات الداخلية. مؤكدًا أن الأحزاب يجب أن تستعيد قوتها وقدراتها على مخاطبة الموظفين الذين يمتلك النظام سبعة ملايين منهم، يدينون له بالولاء، ولا يقدمون رغبة حقيقة في التغيير. وأضاف: من أجل العمل على نزع هذا الولاء الحكومي من الموظفين وإقناعهم بأن مصالحهم مع الحريات، لابد أن أن يزول القطاع العام، وينخفض عدد الموظفين إلى حده الأدنى. معربًا عن أن مظاهرات الشوارع تتصف بالفوضى؛ لغياب القيادات السياسية المتعاونة التي تستطيع أن تضع النظام في مأزق لا يجد خروجًا منه غير الإتفاق معها. وقال: "أما الإصلاح الاقتصادي فسوف يتأخر إلى حين التقدُّم في مسارات الإصلاح السياسي، وهذه احدى معضلات الوضع المصري الراهن".
 
لا مركزية الدولة
وذكر "جمال الدين" أن "مصر" استطاعت أن تصنع حضاراتها من خلال إقامة دولة مركزية. موضحًا أن الأمر الآن اختلف كثيرًا، حيث أصبحت فكرة الدولة المركزية تمثِّل عقبة في سبيل التطور، حيث أنه من غير المقبول أو المنطقي أن تظل "القاهرة" مركزًا لكل القضايا التي تحدث في أنحاء الوطن. مشيرًا إلى أنه لا يمكن الوصول إلى اللامركزية دون التخلص من البيروقراطية، ودون تقسيم "مصر" إلى عشرة ولايات أو محافظات تمثِّل كل منها وحدة متكاملة اقتصاديًا وزراعيًا وصناعيًا وخدميًا، ويحكمها أحد الأشخاص الذي يتم انتخابه من قبل المجتمع. ويكون على الدولة أن تضمن الفصل بين السلطات، وتدافع عن حدود الوطن وضد الخروج على القانون، بالإضافة إلى مراقبة النشاط الاقتصادي لهذه المحافظات.