اليونسكو تنقذ "الدير الأبيض" من هيئة الآثار المصرية!

أبو العز توفيق

كتب: أبوالعز توفيق
عندما نذهب إلى "الدير الأبيض"، و"الدير الأحمر"، بسوهاج نجد فرقًا كبيرًا بين ترميم الآثار المصرية للدير الأبيض، وترميم البعثة الإيطالية للدير الأحمر، فالآثار المصرية قامت بطمس معالم الدير الأبيض الأثرية، بالبياض الجيري على رسومات الفن القبطي الذي على جدران الدير، بينما قامت البعثة الإيطالية بإعادة الرسومات التي على جدران وحوائط وأسقف الدير الأحمر إلى وضعها الطبيعي الذي كانت عليه..
في البداية يحدثنا القمص "ويصا الشنودي" عن تاريخ الدير فيقول: أُنشئ الدير مع بداية انتشار الرهبنة القبطية في صعيد مصر، بعد تأسيس نظام الشركة الرهبانية، بواسطة الأنبا "باخوميوس"، وذلك نحو القرن الرابع الميلادي، ويرجح تاريخيًا ومعماريًا؛ أن الدير شُيد على أنقاض أحد المعابد الفرعونية القديمة، بيد رهبان الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، كما شيد القديس العديد من المنشآت الملحقة بالدير، مثل مباني للرهبان، وصالة محاضرات، ومستشفى، والمائدة، والمطبخ، والفرن، ومخزن الخبز، والمصانع، ومساكن للعاملين بالدير، وهم خارج الكنيسة الموجودة حاليًا.
وفي أثناء الحروب الطاحنة بين المماليك والفرنسيين، في القرن الثامن عشر، تعرض الدير الأبيض إلى التخريب، ولم يبق من مبانيه إلا الهياكل وبعض الآثار القليلة الموجودة خارج الكنيسة الحالية، من الجهة القبلية والجهة الغربية.

طمس معالم الدير
أما عن الترميم، قال: الآثار المصرية تعاملت مع ترميم الدير الأبيض حسب خبراتها وإمكانياتها، بعكس خبراء أوربا؛ عندهم خبرات وإمكانيات كبيرة، كما أعطت الترميم لشركات مقاولات، وهذه الشركات لها حدود معينة، وليس عندها خبرة بكيفية ترميم الآثار، كمثال على ذلك قامت هيئة اليونسكو في ترميم الدير الأحمر بإعادة الفن القبطي به من جديد، لأن هيئة اليونسكو عندها إمكانيات وخبرات بشكل كبير، إنما هنا في الدير الأبيض، الآثار المصرية كل إمكانياتها بياض حوائط الدير بالأسمنت والجبس، وبذلك تم طمس رسومات الحوائط، وبعض رسومات الأسقف.
وعن عمل البعثة الإيطالية في الدير الأبيض قال: منذ أن جاءت البعثة إلى الدير الأحمر، وهي تقوم أيضًا باكتشافات في الآثار القبطية الموجودة خارج الدير، وتم اكتشاف مقبرة الأنبا شنودة التي بها كان جسده المبارك، وتم اكتشاف ومعرفة استعمال كل مكان بها، أما عن ترميم رسومات الكنيسة الأثرية، فسوف تبدأ بها البعثة الإيطالية، بعد الانتهاء من ترميم الدير الأحمر، وسوف تعمل على إزالة هذا البياض، لأنه يوجد تحته الرسومات، وترجع الرسومات إلى وضعها الطبيعي، كما حدث في الدير الأحمر.

البعثة الإيطالية أنقذتنا
ويقول أحد رهبان الدير: من المفروض أننا أصل الحضارة، لكن اليوم لا نعلم شئ عنها! فكان لابد من ترميم الدير الأبيض أفضل من الذي عليه الآن، لأنه دير أثري، ويأتي إليه السياح من جميع بلاد العالم، ويعد مصدر دخل قومي لمصر، فكان من المفروض على الآثار المصرية بذل أقصى جهد من خبرة وإمكانيات، لترميم الدير، وليس طمس آثارها كما هو الآن، لكن نشكر المسيح على أنه أرسل البعثة الإيطالية إلى الدير الأحمر والدير الأبيض، لتظهر عظمة الفن القبطي بعد طمسها من ترميم الآثار المصرية.

الإمكانيات المادية
ويقول مهندس "سعد نظير" -مفتش آثار: نحن نتعامل في الهيئة حسب الميزانية المقدمة لنا من الدولة، وهذه الميزانية غير كافة نهائيًا، ولهذا السبب لا توجد عندنا إمكانيات بشكل كبير مثل هيئة اليونسكو، وغيرها، فنحن عندنا عقول، لكن لا يصرف عليها علميًا وعمليًا، فبالتالي لا تجد الخبرة لديهم، ولا يوجد بالهيئة إدارة هندسية أثرية، بمعنى أنه من المفروض الذي يقوم بالترميم مهندس فنون جميلة، له خبرة في ترميم الآثار، لكن الهيئة كانت تعطي الترميمات لشركات مقاولات معمارية، حتى تم الاتفاق بين الهيئة وهيئة اليونسكو على الترميمات، وهذا أفضل بكثير، لأن هيئة اليونسكو عندها الخبراء والإمكانيات أيضًا، وبفضلها عاد الفن القبطي إلى الدير الأحمر من جديد، وبعد الانتهاء من ترميم الدير الأحمر سوف تبدأ اليونسكو في ترميم الدير الأبيض.

معلومات المرشد خاطئة
ويقول راهب آخر من رهبان الدير الأبيض: سمعت مرة مرشد سياحي يشرح معلومات خاطئة عن تاريخ الدير لفوج ألماني، فقمت يتصحيحها. إذا كان المرشد لا يعلم تاريخ الدير وعظمة الآثار القبطية الموجودة بها، فكيف يقومون بالترميم؟! فلابد ممن يقوم بالترميم أن يفهم عظمة الفن القبطي، فكيف حال الشركات التي ينسب إليها الترميم؟!

القدس الثانية
القمص أنطونيوس أفا بيشاي -أمين الدير الأحمر يقول: نشكر ربنا أن الدير الأحمر تم ترميمه من قبل هيئة اليونسكو والبعثة الإيطالية، لأن الدير له مكانة كبيرة وسط العالم، ويعد القدس الثانية، كما قال قداسة البابا شنودة الثالث، لأنه مبني على نفس نظام كنيسة القيامة بالقدس.
وعن رأيه في ترميم الدير الأبيض من قبل الآثار المصرية قال إنهم ألغوا معالم الدير نهائيًا بالبياض الذي على الرسومات القبطية القديمة، وهذا حسب خبراتهم وإمكانياهم، إنما البعثة الإيطالية أظهرت تلك الرسومات بنفس الألوان التى لونت بها.

 عظمة الفن القبطي
وتقول الدكتورة "إليزابيث برلمان" -مدرس الفن القبطي بجامعة تمبل فيلادلينا: الفن القبطي شاهد على عظمة الأقباط قديمًا، وكان لابد أن نحافظ عليها ونرجعها كما كانت عليه، دون أي إضافات منا، فمثلاً تجد عنقود العنب وهي عصير الكرمة الذي يستعمل في التناول، كما تجد صور نادرة للأنبا بيجول والأنبا شنودة والأنبا بيشاي، وغيرها من أيقونات، كل ما نفعله هو تلوينها بنفس الألوان الأصلية، وبعد الانتهاء من الترميم سيتم تحويل الدير الأحمر إلى مزار سياحي، وأيضًا سنقوم بترميم الدير الأبيض، وسنصدر كتابًا نشرح فيه عظمة الفن القبطي في الديرين الأبيض والأحمر.