سهيل أحمد بهجت
بقلم: سهيل أحمد بهجت
يحاول البعث ومنذ إسقاطه في 2003 أن يعيد المعادلة القديمة في هيمنة قليلة وصغيرة على مقدّرات البلد بأكمله وبمصيره السياسي والاجتماعي، ونجاح أو فشل هذه المحاولات يتوقف على مدى وعي الشعب العراقي وصلابته ومواقفه الحدّية في رفض إعادة البعث العبثي ليس للمشاركة في الحكم فحسب، خصوصًا وأنّ هذا الحزب لا يؤمن بالمشاركة وإنّما على الشّعب أن يرفض حتى فكرة فتح المجال لهذا الحزب الإرهابي الإجرامي بالعودة إلى الواجهة السياسية كحزب قانوني معترف به، وهناك أكثر من مخطط بعثي لإفشال العملية الدّيمقراطية وترويج حالة الفوضى والكراهية والتنازع في البلد.
لقد وصل البعث إلى السلطة خلال الستينيات مستغلاً حالة الفوضى واللا قانون التي سادت العراق خلال حكم الجمهورية القائم على دعم العسكر المُسيّس وخلال ضغط المحيط العروبي الذي أدى بالعراق إلى انقسام طائفي وقومي، والآن يحاول البعث -خصوصًا جناح عزة الدوري والإرهابي مشعان الجبوري ومن لفّ لفهم- دفع جهات داخل السلطة نحو خلق صراعات طائفية وعرقية قومية تفتيتية.
فكلما ضعف الحس الوطني العراقي كلما رأىَ البعث أملاً في الوصول مرة أخرى للحكم، ونحن نأمل أن ذلك العهد البائس والمظلم لن يعود، لكن لا بأس في أن ننبه أبناء الشعب العراقي إلى أن البعث يشكل الخطر الأساسي (بالتالي فتنظيمات القاعدة و المليشيات تأتي في المستوى الثاني) وإذا لم يكن البعث قادرًا على الاستيلاء على الحكم عبر مروره بواسطة "التوافق"!! إلا أنه يمكن له على الأقل أن يضع العصى لإرباك الوضع والاقتصاد وعجلة التطور.
المشكلة الحالية التي يعاني منها الشعب هي أن البرلمان العراقي "مجلس النواب" مليء بالفساد المالي والعمل على المصلحة الشخصية الضيقة والأنانية ويفعل أكبر ما يمكن من أجل الحصول على رواتب خيالية بعشرات الملايين من الدولارات وقطع الأراضي التي تساوي ملايين أخرى والمنح المالية بينما الشعب الفقير يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء وسكن وخدمات صحية، وإلى جانب هذا الفساد -وأنا حقًا أعجب ولا أصدق أن مجلس نواب فـاسد يستطيع محاسبة وزير فاسد- نجد أغلبية الكتل التي احتلت البرلمان تقوم على أُسس طائفية وقومية وهذا التقسيم "التوافق" هدفه تفتيت الديمقراطية وإفراغ الانتخاب الديمقراطي من أي معنى، فالتوافق سيعني حتميا و بالتأكيد أن لا معنى للانتخابات والتصويت وبالتالي لا معنى هنا لأغلبية أو أقلية كون "المحاصصة = التوافق" سيحكم بتعطيل كل ما يتعلق بالدستور والانتخابات وسائر الأطر السياسية للحكم الديمقراطي العقلاني، من هنا كان من الضروري بدء إلغاء فكرة التوافق نهائيًا.
كل الأنظمة الديمقراطية الناجحة في العالم تقوم على أسس من حكم الأغلبية وأن الأقلية ضامنة عبر حقوقها الدستورية، فهناك ً انتخابات يتوقع منها التغيير، لكن مصطلحي الأغلبية والأقلية يصبحان إشكالاً حقيقيًا حينما يتعلق الأمر بأغلبية ذات "لون طائفي أو عرقي" محدد وليست أغلبية حزب أو فكرة أو تيار.
من هنا نتوصل إلى المفهوم الأساسي الذي يقول أن الوطنية = الإنسانية هي التي تتيح للشعب أن يقوم بعملية سياسية مستقرة وناجحة لأن ذلك لو قدّر له أن يحدث سيسهم في تهميش المتطرفين -المتحكمين الآن بالبرلمان- وإيصال أناس يؤمنون بالبلد كانتماء بعيدا عن الأحزاب النفاقية التي تتهم الآخرين بـ"الشـوفينية" بينما هم على أرض الواقع يطبقون أقبح السياسات العنصرية.
لو حـصل أن عاد الائتلاف العراقي -الشيعي في الواقع- إلى ترميم نفسه ككتلة طائفية ذات لون واحد، فإن ذلك سيدفع الآخرين مجددا إلى التسنن والعربنة والكردنة وما إلى ذلك وبدلاً من إعادة ائتلاف شيعي يحصر نفسه في زاوية من زوايا العراق، علينا بناء ائتلاف عراقي حقيقي وما أسهل أن نطمئن "الطائفة الشيعية" التي عاشت الويلات بأن نضم الوطنيين و الصادقين في رفض الدكتاتورية والبعث وهكذا وطنيين موجودون في كل أنحاء العراق وبين كل مكونات الشعب العراقي.
شعبنا العراقي يحتاج إلى طفرة سياسية أخرى، على سبيل المثال أن تصل امرأة إلى منصب الرئاسة -كرمز لشريحة مضطهدة- أو يصبح مسيحي أو يزيدي أو صابئي متبوءًا لهذا المركز.
وكفى حديثًا عن "مكونات أساسية" وأخرى "غير أساسية هامشية" فالعراقيون كلّهم أساسيون وكلهم متساوون في الواجبات والحقوق والفرص، وما أعنيه هنا هو أن هذا لو حصل -وإن كان سيراه البعض حدثًَا رمزيًا- فإنه سيهز نقاط التقليد والجمود أمام العقل العراقي القابل لأن يكون بلدًا جبارًا لا بالعسكر والصواريخ ولكن بالعلم والثقافة والديمقراطية والحرية ورفاهيته المعيشية.
قد يرى بعض القراء –المتشائمين- كلامنا هذا مجرد أحلام وخيالات غير قابلة للتطبيق، لكنني مؤمن بأن تغيير الأمم يبدأ بأفراد، وما لـم نحلم ونعمل بهذا الحلم ونترك شيئًا إيجابيًا لأجيالنا المستقبلية فلا يمكن لأصغر تغيير أن يتحقق وبدون ذلك سيكون بلدنا المستقبلي حاله حال مصر، حيث يعتقل الإنسان بسبب رأي أو يختفي من الوجود كما اختفى الصحفي المصري رضــــــا هــــــــلال.
فيا أيها العراقيون، هل تريدون لعراق الغـــــــد أن يبقى أسيرًا التوافقات والسرقات والعصابات؟ أم بلدًا حرًا آمنًا يكرّم في الإنســـــــان؟
Website: www.sohel-writer.i8.com
Email: sohel_writer72@yahoo.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3076&I=83