الوعي السياحي الغائب في مصر!

صبحي فؤاد

بقلم: صبحي فؤاد
بعد غياب عن الوطن استمر لخمسة أعوام نزلت إحدى السيدات المصريات إلى مصر لقضاء عدة أسابيع والالتقاء بالأهل والأصدقاء والأحباء واستعادة ذكريات الأيام الحلوة التي عاشتها هناك، ولكنها بعد عدة أيام قليلة وأثناء سيرها بالنهار في أحد شوارع حي شعبي معروف فوجئت بشاب وضيع يضع يده على مؤخرتها في صفاقة وقلة أدب ويقول لها في سخرية: أنا عايز من اللحمة دي!!
وصعقت أكثر عندما وجدت الجالسين من الرجال والشباب في المقهى المواجه يقهقهون ويضحكون بأصوات عالية -كما لو أنهم يشاهدون مسرحية كوميدية- بدلاً من القيام بالإمساك بمرتكب الجريمة وتسليمه إلى البوليس أو على الأقل تأديبه على الطريقة المصرية.
كانت هذه الحادثة المؤسفة التي تعرضت لها هذه السيدة المصرية المهاجرة المحافظة جدًا في مظهرها كافية لكي تجعلها تلغي رحلتها فورًا وتتجه إلى دولة أخرى لكي تمضي بقية عطلتها هناك بدلاً من مصر.

وهناك وقائع أخرى كثيرة مثل المحاولات المتكررة للبيع بأسعار مبالغ فيها للسياح والإصرار من قبل المتعاملين مع السياح على طلب البقشيش.. وبمناسبة البقشيش فقد حكى لي مجموعة من السياح الأمريكان الذين التقيت بهم هنا في أستراليا أن أحد الجنود المكلفين بحميات الآثار في موقع مشهور بجنوب مصر سمح لهم بالدخول في مكان مليء بالآثار ادّعىَ أنه غير مصرح لأحد بالدخول فيه وعند خروجهم رفع يده اليسرى طالبًا البقشيش بينما كان يحمل في يده الأخرى الرشاش أو بندقيته الأوتوماتيكية فاضطروا مرغمين للدفع حتى لا يغضبونه.

وهناك أمر آخر أصبح يُضر بالسياحة ويسيء لسمعة مصر إساءة بالغة ألا وهو محاولة بعض المتشددين المتأسلمين الذين يعملون مرشدين سياحيين إقناع زوار مصر باعتناق الإسلام وتوزيع شرائط مجانية تعرفهم بالإسلام وتحثهم على اعتناقه!! وقد اشتكى لي بعض الأسترال الذين شجعتهم أنا شخصيًا على زيارة مصر من مرشدة سياحية أخذتهم في جولة إلى القلعة وراحت تحدثهم عن الإسلام وسماحة الإسلام بدلاً من تعريفهم بحضارة مصر وتاريخها أو على الأقل التحدث عن تاريخ القلعة!! ولم تكتفي المرشدة بالكلام عن الإسلام بل قامت بإعطائهم شرائط مسجلة مجانية عن الإسلام وطبعًا كانت صدمة للزوار جعلتهم يقررون عدم العودة إلى مصر مرة أخرى.

وقد اشتكى لي بعض السياح من تزوير وتزيف المعلومات التي يقدمها لهم بعض المرشدين السياحيين عمدًا وليس خطئًا للترويج لدين معين أو مجموعات دينية معينة.
أما بخصوص عدم إحساس السياح بالأمان عند زيارتهم مصر فهذا الأمر يحتاج جهدًا جبارًا من القائمين على قطاع السياحة من توعية للشعب ونشر الوعي السياحي بين السكان جميعًا وإيجاد وسيلة أخرى للحفاظ على سلامة الزوار بدون اللجوء إلى الحراسة الظاهرة والتي ترسل رسالة عكسية بعدم توافر الأمن والأمان.

إنني أؤمن إيمانًا قويًا أن صناعة السياحة في مصر إذا أديرت بطريقة عصرية وعلمية وبواسطة عقول متفتحة واعية غير متطرفة تضع الدين فوق مصلحة الوطن فإنها قادرة على جعل مصر من أغنى دول منطقة الشرق الأوسط.
إن أبسط ما يمكن عملة على المدى القريب هو نشر التعليم والوعي السياحي وتنظيف قطاع السياحة من المتطرفين والمتدروشين المتخفيين في أزياء المرشدين السياحيين وإرسال رسالة إلى العالم بأن زيارة مصر ليس مخاطرة أو مغامرة بالحياة.. وطبعًا بالإضافة إلى تنظيف الشوارع والقضاء على التسيب في المرور ووضع حد للضوضاء ومركبات الصوت المزعجة، والاهم من كل هذا احترام السائح والترحيب به وعدم النصب عليه أو النظر إليه على أساس أنه غنيمة، وتوفير احتياجاته بأسعار مناسبة حتى إذا عاد إلى وطنه فأنه يكون مصدر دعاية طيبة لنا وليس العكس.
Sobhy@iprimus.com.au

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع