العصا.. تاريخ وإشكاليات

بقلم: محمد صادق دياب

لست أدري على وجه الدقة متى بدأت هوايتي في جمع العصي، ولا الدافع من ورائها رغم تخصصي في علم النفس، وكل ما أدريه أنها غدت مسألة قسرية، بحيث لا يمكن أن أذهب إلى بلد من دون أن أعود منه بعصا، حتى غدوت أحسب الدول التي زرتها بعدد العصي التي امتلكها، فلدي عصي من اليمن، وتونس، والمغرب، والشام، وموريتانيا، ومصر، ونيوزيلاندا، وتايلند، والكثير من دول العالم، ولا أعتقد أن جمعي للعصي يعبر عن نزعة عدوانية في داخلي، لكي أقرع بها رؤوس الناس كما يفعل الفتوات، ولا لإضفاء مظهر وجاهة بحملها تقليدا للوجهاء، كما أن طبيعة عيشي في المدن الإسمنتية لا تتيح لي أن أمتلك غنما أهش بها عليها.
وهذه الهواية تدفعني كثيرا إلى قراءة كل ما يتصل بالجانب السلمي من استخدامات العصا، وأشهر العصي، وحامليها عبر التاريخ، وكذلك أشكالها، وخاماتها، وطرائف حكاياتها، وفي مقدمتها ما رواه المنشاوي الورداني عن عصا الحكم بن عبدل، التي كان يكتب عليها حاجته لدى الملوك، والأمراء، والحكام، ويبعث بها، فلا تؤخر له حاجة، تلك العصا التي ضاق بنفوذها ذرعا أحد الشعراء فقال عنها:

عصا الحكم في الدار أول داخل
ونحن على الأبواب نقصى ونحجب
وأشهر عصا في التاريخ عصا نبي الله موسى، التي تعددت الروايات حول أصلها، ومنهم من يعتبرها العصا التي أتى بها آدم من الجنة، ولربما تليها في الشهرة درة عمر بن الخطاب، التي أسهمت في تحقيق عدالة عصره، ويتحدث المصريون عن عصا توت عنخ آمون، المحلاة بالمعادن الكريمة، والتي نقشت ألقابه عليها، ومن العصي الشهيرة العصا التي حملها نامليار في حله وترحاله، ولم يتخلف الأدباء عن حمل العصا، فرافقت أكف بعضهم كجبران خليل جبران، وتوفيق الحكيم، الذي كتب في ظل صحبتها كتابه الممتع «عصا الحكيم»، وتضمن الكتاب حوارا بين الحكيم وعصاه.

وفي كل مرة اشتري فيها عصا جديدة أتوق إلى حملها أتذكر موقفا حدث لي قبل أعوام فأتراجع عن الأمر، ففي المرة الوحيدة التي حملت فيها إحدى العصي الأنيقة إلى الشارع، حدث أن تشاجر اثنان كنت أمر بجوارهما، فانتشلها أحدهما من يدي، وهوى على خصمه ضربا حتى أسال دمه، وحينما جاءت الشرطة للقبض على المتشاجرين كانت عصاتي أول ما أدخل إلى عربة الشرطة كأداة من أدوات العنف التي استخدمت في تلك المشاجرة، وفقدت ـ في لحظة ـ تلك العصا الثمينة، التي كنت قد اشتريتها من خان الخليلي بمئات الجنيهات.
وعزائي وأنا أكتب لكم اليوم عن العصا أن أسامة بن منقذ قضى ستين عاما يبحث عن كتاب اسمه «كتاب العصا» من دون أن يجده، فأمر العصا ربما يشغلكم، كما شغلني، وشغل قبلنا ابن المنذر.

m.diyab@asharqalawsat.com
نقلا عن الشرق الأوسط

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع