"نصري" يُعلق على كتاب "المعلم يعقوب يبن الأسطورة والحقيقة"

عماد توماس

تقرير: عماد توماس – خاص الأقباط متحدون
كنا قد عرضنا أمس تقريرًا بعنوان "هيئة الثقافة تعيد نشر كتاب يتهم "المعلم يعقوب" القبطي بخيانة وطنه" والكتاب المقصود هو "المعلم يعقوب.. بين الأسطورة والحقيقة" للدكتور "أحمد حسين الصاوي".
وننشر هنا بعض التعليقات على هذا الكتاب، للواء مهندس نصري جرجس نسر.
--------
تعليق المهندس نصري جرجس
•     د. محمد شفيق غربال أثبت بدراسة تاريخية أكاديمية وطنية المعلم يعقوب.
•     لماذا لم يصف الكاتب مراد بك ومصطفى كامل بالخيانه أيضًا؟!!
•     في ذهن الأغلبية المسلمة التباس في معنى الولاء للدين أم الوطن.
•     الجنرال يعقوب كان وطنيًا سابقًا لعصره و لديه بُعد نظر.

المعلم يعقوب.. بين الأسطورة والحقيقة للدكتور أحمد حسين الصاويأعادت سلسلة ذاكرة الوطن التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2009 م إصدار هذا الكتاب للدكتور أحمد حسين الصاوي والذي سبق ونشره في منتصف الثمانينات، ورغم عدم تضمين التقديم الذي كتبه الأستاذ أسامة عفيفي رئيس تحرير هذه السلسلة أسباب مقنعة لإعادة إصدار الكتاب وفي هذا الوقت بالذات سوى أن "الدكتور الصاوي لم يستطع أن ينشره بعد تأليفه وطبع طبعة محدودة نفدت في حينها وأعاد الراحل الكبير رجاء النقاش الاعتبار للكاتب وكتابه عندما اعتمد عليه في تفنيد رأي لويس عوض عن المعلم يعقوب".
بداية هو موضوع تاريخي فيجب الأخذ بآراء أساتذة التاريخ ومع كل احترامنا للدكتور الصاوي فهو ليس أستاذ تاريخ ولكنه من رجال الإعلام، ولذا كان من الواجب عليه أن يفند آراء أساتذة التاريخ مثل رأي الدكتور محمد شفيق غربال الذي أثبت بدراسة تاريخية أكاديمية وطنية المعلم يعقوب وليس رأي الدكتور لويس عوض الذي تناول الموضوع من نظرة ثقافية أكثر منها تاريخية.

كيف نقرأ التاريخ؟
يمكننا القول أنه من السهل الحكم على أي عمل يتناول موقف المعلم يعقوب، فمن ينظر إليه وإلى الأحداث التي جرت في حينه من نظرة مصرية وطنية يعتبره مقاوم لاحتلال مصر ساعي إلى تحررها وحكم نفسها بنفسها في حين أن من تكون نظرته دينية ويردد عبارات طائفية تتناول الدين في السرد والتحليل سيعتبره خائن ومتعاون مع الفرنسيين، فالمهم هو كيف تقرأ الأحداث وما هي توجهات قارئ التاريخ الذي سيكتب لأنها ستفسر له الأحداث بالشكل الذي يتواءم مع توجهاته الفكرية.

طعن وإساءه لجميع أقباط مصر
واضح أن الكاتب يتناول الموضوع من وجهة نظر طائفية شديدة التعصب ضد الأقباط، فيمكن القول أن الهدف الحقيقي من الكتاب ليس الطعن في دور ووطنية المعلم يعقوب فقط ولكنه يتعدى ذلك إلى للطعن والإساءة إلى جميع أقباط مصر وخاصة كبارهم، فالكتاب يبدأ بعنوان "أقباط مصر" ويليه عنوان "الفرنسيون والأقباط" وهذه هي سلبيات كل من هاجم المعلم يعقوب، فعندما تكون الأحداث تشمل الوطن كله وهناك حملة عسكرية أجنبية غزت الوطن فمن المفروض أن يتناول من يريد أن يتصدى للكتابة عن هذه الفترة من منطلق الوطنية وليس الطائفية فيتكلم عن المعلم يعقوب المصري وليس يعقوب القبطي.
ضمن هجوم الكاتب على الأقباط عمومًا يسرد وفي أكثر من موضع اقتصار المعرفة بالشؤون المالية وجباية الضرائب المختلفة على الأقباط ويأخذ عليهم في ذلك مساعدتهم للفرنسيين في حين كان هذا هو عملهم الذي يقومون به منذ غزو العرب لمصر وأدوه لجميع الحكام، فلماذا ينظر إليه على أنه تعاون مع الفرنسيين؟!، ويلمح في أكثر من موضع على سوء استغلالهم لعملهم هذا وتكوينهم ثروات في حين يشيد بعدم مزاحمة المسلمين لهم وكان من الواجب عليه أن لا يلوم الأقباط، ولكن يحاول استنتاج أسباب ذلك والتي قد تكون عدم اهتمام الحكم الإسلامي بمراحله المتعاقبة وطوال 1200 سنة السابقة للحملة الفرنسية لإنشاء أي نظم إدارية أو مالية حيث كان كل هم الولاة هو الجباية، وللتأكد من ذلك نعود إلى الأوضاع في مصر عند قدوم الحملة الفرنسية نجد الآتي كما يذكره الدكتور محمد شفيق غربال:
عمل الفرنسيون على تنظيم الحياة اليومية في مصر بإدخال بعض نظم الإدارة الحديثة، إلا أن المصريين لم يرحبوا في ذلك الوقت (1798م) بالتدخل الحكومي في حياتهم ولم يعتبروها -كما نعتبرها الآن- تنظيمًا وضمانًا للحقوق بل بالعكس اعتبروها تسلطًا ولم يروا في وسائل منع الأمراض كتخطيط المدن وتنظيم وتحديد أماكن دفن الموتى حيث كانت حتى هذا الوقت متروكة دون أي تنظيم وتنظيف الطرقات وعزل المرضى إلا استبدادًا وتدخلاً في حياتهم لا يطاق (واضح قدر التخلف في نظم المعيشة عمومًا التي كانت سائدة في مصر)، ولذلك كره المصريون الحكم الفرنسي وقاوموه وثار أهل القاهرة ثورتين عنيفتين يفسرها د. غربال بالرغبة في العودة لما ألفه الناس ولا يمكن تفسيرها بأنها رغبة في الإستقلال حيث أنهم فقط يرغبون في العودة لما ألفوه وهو حكم المماليك لهم تحت السيطرة العثمانية، وعلينا أن لا نغفل تأثير العامل الديني في موقفهم هذا.
أخذ الكاتب تاريخ الجبرتي كمرجع رئيسي وهو كرجل إعلام وليس تاريخ أخذ ما كتبه الجبرتي كحقيقة مسلم بها في حين نجد الدكتور غربال يقول:
"يجب أن لا ننساق وراء ما كتبه الجبرتي ونأخذه كقضية مسلم بها حيث يصوره كخائن يساعد الأجنبي الذي هو في ذهن الجبرتي الحكم الفرنسي، لأن الجنرال يعقوب رأى أن الحكم الفرنسي لا يختلف عن حكم المماليك أو العثمانيين فكلاهما أجانب وليسوا مصريين بالإضافة إلى ما يمثله المملوكي والعثماني من تخلف شديد وقسوة وإذلال للشعب المصري عمومًا والأقباط خصوصًا، كما أن الجبرتي لم يشر إلى سفر المعلم يعقوب سنة 1801م إلى أوربا بعد رحيل الحملة الفرنسية لتحقيق مشروع هو الأول في وقته وهو الحصول على اعتراف الدول الأوربية باستقلال مصر لعدم توفر معلومات عن هذا الموضوع لدى الجبرتي وقت تدوينه لهذه الأحداث.".
كما يردد هجوم يعقوب نخلة روفيلة في كتابه "تاريخ الأمة القبطية" على الجنرال يعقوب والذي كان بسبب تعاطف روفيلة مع رئاسة الكنيسة التي كانت لا ترضى عن تصرفات الجنرال يعقوب الدينية فخلط عن عمد بين تصرفاته الدينية وتصرفاته السياسية.

د. محمد شفيق غربال أثبت بدراسة تاريخية أكاديمية وطنية المعلم يعقوبالتقليل من شأن المماليك
وينهي الدكتور الصاوي كتابه بالتقليل من شأن المماليك الذين أبرموا اتفاقيات مع الفرنسيين وتعاونوا معهم قائلاً في ص 93 "لقد أفلح الفرنسيون في اصطناع بعض المماليك (لاحظ كلمة اصطناع) ولكن التطورات التاريخية قضت على قوة المماليك" ثم يتحدث بلغة حانية عن علماء الأزهر في نفس الصفحة قائلاً "وحاول الفرنسيون كذلك أن يصطنعوا أو يصانعوا علماء الأزهر بوصفهم قادة الشعب وموضع احترامه وإجلاله وتقربوا إليهم بشتى وسائل الإغراء والتهديد حتى أرغموهم أحيانًا على أن يوجهوا منشورات إلى المصريين أو يبعثوا برسائل إلى قادة الحملة تجعلهم يبدون في صورة المؤيدين للحكم الفرنسي والموالين لمبادئ الثورة الفرنسية، ولكن هذه المحاولات كان مآلها الفشل الذريع ولم تستطع أن تهز مكانة هؤلاء العلماء أو تغير من توقير الناس لهم وإيمانهم بقيادتهم".
يحاول الكاتب منذ البداية تصوير المعلم يعقوب وكأنه منفصل عن واقع أقباط مصر طالما وضع العنوان "أقباط مصر"، فرغم التمييز الشديد ضدهم الذي وصل إلى حد الاضطهاد الذي كان الأقباط يعانوه ومن أبرزه ضرورة تزييهم بأزياء وألوان معينة يفسرها على أن هذا كان طبيعيًا ولا يجد حرجًا في أن يغمز في عبارات واضحة الدلالة عن امتهانهم لمهنة الصرافة كما سبق وأوضحنا، أما قوله "من الأمانة التاريخية أن نشير أن التعايش السلمي عميق الجذور" نرد عليه بالحقائق التالية:
قد ذكر نابليون في مذكراته عن عدم موافقته على محاولات أقباط مصر تحرير أنفسهم من القيود التى كانت مفروضة عليهم "أردت أن يكونوا (يقصد المسيحيون) أكثر خضوعًا وأكثر احترامًا لكل ما يتعلق بالإسلام" ويشير الجبرتي إلى حوادث رمضان 1213 هـ إلى رجوع النصارى إلى لبس العمائم السود والزرق وإلى ترك لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرة بناء على أوامر الفرنسيين، كما نبهوا بالمناداة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم لا يجاهرون بالأكل والشرب (محاولات تجريم ما يسمى الجهر بالإفطار التي تتردد في وقتنا الحالي مع بداية كل رمضان) وهو ما اعترف به في الجزء الثاني في كتابه "الفرنسيون والأقباط" ولكنه حاول أن يصوره على أنه بسبب "غرور الأقباط بما حققوا من مكانة لدى الحاكم الجديد"، ويقول وبعبارة واضحة "فيحاولوا أن ينزعوا عنهم ثوب المهانة الإجتماعية".
لم يحدد الدكتور الصاوي رأيه في اشتراك يعقوب في صفوف المماليك ضد قوات القبطان حسن باشا التي نزلت إلى مصر لتثبيت الحكم العثماني قبل قدوم الحملة الفرنسية بوقت قصير وهل في هذه الحالة يعتبره خائن أم وطني!
يقول الكاتب "لقد عرض يعقوب كغيره من زعماء القبط خدماته على سلطات الحملة" ثم يطرح سؤالاً: كيف بدأت حركة التعاون بين القبط والفرنسي وكيف تطورت؟ فهل هو يكتب عن خيانة المعلم يعقوب فقط أم عن خيانة القبط عمومًا؟ وإذا افترضنا نزوع القبط عموما للتعاون مع الحملة أليس هذا دليلاً على سوء أوضاعهم والاضطهاد الذي كانوا يلاقونه سواء من المماليك أو العثمانيين، مرددًا تعاون الأقباط في موضوع الجباية المالية وهو ما سبق وذكرناه.

مراد بك.. لماذا لم يُوصف بالخيانه أيضًا؟
مهندس نصري جرجس نسرأحد الشخصيات التى لعبت دورًا هامًا ومؤثرًا خلال وجود الحملة الفرنسية في مصر هو مراد بك الذي وقع معاهدة "سلام وتحالف Paix et alliance" مع الفرنسيين والتي بمقتضاها حكم الصعيد (بداية من محافظة سوهاج) باسم الجمهورية الفرنسية على أن يؤدي إلى السلطات الفرنسية (الميري) الذي كان يدفع لحكومة السلطان من قبل وأن يتكفل بتموين الحامية الفرنسية المرابطة في ميناء القصير وأن يساعدها في حالة وقوع اعتداء عليها، وبشروط مماثلة تم توقيع اتفاقيات مع مماليك آخرين في كل من الوجه البحري والقبلي من أمثال عثمان البرديسي وعثمان عسكر وحسين كاشف، فلماذا لم يصف هؤلاء بالخونة؟!!
من أمتع ما حلل الدكتور غربال في كتابه عن الجنرال يعقوب هو المقارنة التي عقدها بينه وبين الشيخ عمر مكرم وهذا ما لا يوافق عليه الدكتور الصاوي ويعرض رأي الدكتور غربال في ص 30 "من الغريب أن يذهب مؤرخ عظيم كشفيق غربال في التصور إلى ما هو أبعد من هذا فيعقد مقارنة بين يعقوب وعمر مكرم" وبعد أن يعرض لرأي الدكتور غربال لا يفنده أو يرد عليه!!!
ولنعد إلى ما ذكره الدكتور غربال: "فإذا نظرنا إلى الخدمات التي قدمها المعلم يعقوب للحكم الفرنسي نجد أنها نوعان: الأولى خدمات مثلها ما كان يقوم بها للفرنسيين جرجس الجوهري وملطى وأبو طاقية وغيرهم من كبار الأقباط ، أساسها المنفعة الشخصية من جهة ومحاولة الخلاص مما كانوا يعانون منه من امتهان لا يجدي معه ما يملكونه من مال وجاه أو حتى وظائف لدى الحكام ومهما زادت حاجة هؤلاء الحكام إليهم.
وهناك نوع آخر من الخدمات كان الهدف منها التمهيد لمستقبل البلاد السياسي بالتعاون المؤقت مع التدخل الفرنسي، و كان هدفه النهائي هو تخليص وطنه من حكم لا هو عثماني ولا هو مملوكي وإنما هو مزيج من مساوئ الفوضى والعنف والإسراف ولا خير فيه للمحكومين وقدر أن أي نوع من الحكم لا يمكن أن يكون أسوأ مما خضعت له مصر قبل قدوم بونابرت، وكانت وسيلته لتحقيق ذلك (يمكن اعتبارها هدفه القريب) انتهاز الفرصة للاتصال بالغرب والتعلم منه وإنشاء قوة حربية مصرية مدربة على النظم العسكرية الغربية (أصبحت في غالبها قبطية لأن غالبية المسلمين رفضوا الإنضمام إليها لأسباب دينية أقوى لديهم في ذلك الوقت من الأسباب الوطنية)، ومع تقديره أنها كانت أداة من أدوات تثبيت الإحتلال لكنه كان متأكدًا أن هذا الاحتلال لن يدوم، كما كان يقدر أن وجود قوة عسكرية تتكون من المصريين سيكون لها تأثيرًا في أحوال مصر بعد أن يتركها الفرنسيون ويتنازعها العثمانيون والمماليك، وبغير هذه القوة يبقى المصريون كما كانوا ليس لهم إلا الصبر على ظلم وإذلال وقسوة واضطهاد سواء العثمانيون أو المماليك أو الالتجاء إلى وساطة المشايخ التى يستغلونها هؤلاء المشايخ لإعطاء أنفسهم وضعًا متميزًا عن باقي الشعب أو الهياج الشعبي والثورة، الأمر الذي لا يؤدى إلى تغيير جوهري والشعب هو الذي يدفع الثمن دون سواه".
في الجزء المعنون "نهاية الحملة والرحيل" لم يذكر الدكتور الصاوي خطاب مؤرخ في 18 يوليو 1801 م من قبطان باشا حسين إلى الجنرال بليار وهو في رشيد يستعد لمغادرة مصر يطلب منه إقناع المعلم يعقوب بالبقاء في مصر حيث أن مثل هذا الخطاب يدحض كل ما سبق وذكره الدكتور الصاوي عن يعقوب.

مشروع استقلال مصر
في الجزئين "قصة مشروع الاستقلال ومسرحية بحرية" يتعرض الدكتور الصاوي بالغمز واللمز إلى شخصية الفارس لاسكاريس الذي رافق الجنرال يعقوب وكان يعمل كسكرتير ومترجم له حتى ينال من مصداقية مشروع الاستقلال، ولكنه ولوجود شخصية أخرى هى قائد السفينة الإنجليزية التي كانوا يبحرون عليها وهو القبطان ادموندس يقر في النهاية بوجود هذا المشروع لأنه أيضًا توجد وثائق محفوظة في وزارتي الخارجية الفرنسية والإنجليزية، وبينما يشير الصاوي إلى أن هذه الوثائق من أفكار لاسكاريس وليست من أفكار يعقوب إلا أنها من الطبيعي والمتوقع أن تكون تبلورت بعد حوارات بين أطراف مختلفة عن كيفية إخراج مصر من تحت الحكم المتخلف القاسي الذي عانى منه المصريون جميعا سواء كان حكم المماليك أو العثمانيين.

الولاء للوطن أم للدين؟
يختم الصاوي كتابه بفصلين "نهاية الأحداث، وبعد" في الأول يستخلص أن هذا المشروع لم يحقق شيئًا وأهملته كلتا الحكومتان الفرنسية والإنجليزية وأن مصر عادت لتكون تحت السيطرة العثمانية متغافلاً أن الضمانة الأساسية لإمكانية تنفيذه هي وجود قوة على الأرض في مصر يبنى عليها هذا المشروع وهو ما كان يحاول يعقوب أن يحققه ولكن لالتباس معنى الوطن مع الدين في ذهن الأغلبية المسلمة وما كانت تغذيه مواقف علماء المسلمين لدى العامة أحجم المسلمون عن الانضمام إلى هذا الجيش.
ويحدد الكاتب في الجزء الثاني "وبعد" موقفه بكل وضوح حيث يقول: "هل يعقوب خائن لقومه وبلاده؟ أو هو على النقيض بطل وطني وضع أول مشروع لاستقلال مصر وسبق به الحركة الوطنية بعشرات السنين؟ ويجيب: "ينبغي أن نقدر أولاً أنه لم يكن قد تبلور في مصر في ذلك الوقت شعور وطني خالص لقد كان هناك إحساس عميق بالانتماء إلى هذه الأرض والاعتزاز بتراثها الحضاري المشترك من لغة وتقاليد وعادات ولكن على أساس أن مصر جزء من (دار الإسلام)، ومن هنا فقد قاوم المصريون الحكم الفرنسي ولكنهم كانوا بوجه عام متقبلين للحكم العثماني المملوكي بالرغم من مساوءه، وفي ظل تلك الظروف كيف نقوم مسلك المعلم يعقوب؟ إنه لم يكن مجرد خائن لقومه وبلاده فوصفه بذلك هو من قبيل إطلاق الأحكام العامة التى تفتقر إلى التحديد والأدق أن يوصف بأنه منشق على نظام الحكم القائم وبنيته رافض له ولكن ما أساء إلى موقفه أبعد الإساءة أن هذا الانشقاق أو الرفض اتخذ بعدًا طائفيًا مذموما، لقد رفض يعقوب إذ واتته الفرصة أن يستمر في الخضوع لنظام الحكم الإسلامى الذي كان في رأيه يمثل طغيان الأغلبية على الأقلية وفي ظله تضطهد طائفته القبطية وتمتهن حقوقها"
كما لا يوافق على ما ذهب إليه بعض المؤرخين باعتبار الوثائق المشار إليها أنها أول مشروع لاستقلال مصر ولا أن تنسب إلى يعقوب ويهاجم ما ذهب إليه الدكتور لويس عوض في الدفاع عن يعقوب، متعللاً بوجود مذكرتين يقول عنهما أنهما تتناقضان مع ما نسب إلى مشروع يعقوب وقعهما شخص يدعى نمر أفندي مرفوعتان إلى بونابرت وتاليران، في كل هذا يغفل الصاوي ما ذهب إليه مؤرخون محترمون وليس فقط لويس عوض أولهم الدكتور غربال ثم من بعده الدكتور محمد صبري في كتابه تاريخ مصر من محمد على إلى العصر الحديث".

تفسيرات شخصية للصاوي
ويختم الصاوي هذا الجزء بقوله "والأمر الذي لا جدال فيه أنه إذا كان المعلم يعقوب قد نزع إبان الحملة الفرنسية فحسب إلى سلخ مصر عن الدولة العثمانية فقد كان هذا النزوع من خلال نظرة ضيقة أملتها عاطفة طائفية لا وطنية فيها ولا بطولة" وهو تفسير شخصي لا يعتمد على أدلة أو إثباتات فهو من باب البحث في النيات.

كتاب لويس عوضمحمد علي ينقلب على عمر مكرم
أخيرًا وحتى نكون واثقين من تحليلنا الذي أتفق فيه مع رأي أساتذة التاريخ باعتبار المعلم يعقوب مصري وطني سابق لعصره في تفكيره، لو كانت الأحداث كما صورها الصاوي فبماذا نفسر انقلاب محمد علي على عمر مكرم؟ وهو الذي سانده ليتولى حكم مصر وسجنه إلى مماته ولماذا تخلص من المماليك؟ ولماذا اعتمد على الغرب في إنشاء جيش حديث؟ وبماذا نفسر انفتاح محمد على وعائلته من بعده على المصريين المسيحيين وإعطاءهم فرص كانوا محرومين منها لقرون عديدة وانتهت بدخولهم الجيش ورفع الجزية عنهم في عهد سعيد باشا؟، يفسر ذلك الدكتور لويس عوض "أن كل كلمة في مشروع الجنرال يعقوب تشير إلى ضرورة محمد على وحتمية ظهوره على مسرح الأحداث بما في ذلك الاعتماد على الخبرات الأجنبية وتكوين قوة عسكرية مصرية لتدعيم السيادة المصرية والتخلص من المماليك تمهيدًا للتخلص من سيطرة الباب العالي العثماني".
ومن المهم الإشارة هنا إلى تساؤل كان الأستاذ جمال بدوى دائم الطرح له وهو لماذا ساند عمر مكرم؟، محمد على ليتولى حكم مصر ولم يساند أي مصري؟ ببساطة لأنه كان يؤمن بالخلافة العثمانية فهل موقف كهذا يقارن بموقف من يريد الإستقلال لمصر وحتى إن كان هذا هو المفهوم السائد في حينه فعلينا أن نعترف ببعد نظر ووطنية الجنرال يعقوب وأنه كان سابقًا لعصره.

هل كان مصطفى كامل خائنًا أيضًا للوطن؟
كما لا يفوتنا أن نقرر أن ما كان الجنرال يعقوب ينوي أن يفعله بعرض موضوع استقلال مصر على الدول الأوربية هو نفس ما قام به بعد قرن كامل، مصطفى كامل حينما سافر إلى فرنسا لمساعدته في استقلال مصر عن انجلترا فهل اتهمناه بالخيانة!
مهندس نصري جرجس نسر
gnesr@yahoo.com

"هيئة الثقافة تعيد نشر كتاب يتهم "المعلم يعقوب" القبطي بخيانة وطنه"