ماجد سمير
بقلم: ماجد سمير
ماذا لو قرر الوزير في لعبة الشطرنج أن يتجول في المقهى وخرج من رقعة لعبته الأزلية وقفز ليلعب طاولة أو دومونيو أو حتى ليشرب خمسينة شاي؟ الإجابة بمنتهى البساطة هي أن المقهى سيتحول إلى "طابية" منيعة وسيحاصر العساكر المنطقة لحماية الوزير وسيصبح كل شيء محاصر لدرجة أن من يدخن الشيشة لن يخرج النفس وسيكتم حتى ينتهي السيد الوزير مرور الكرام على المقهى أو حتى على مهله.
وعبّر الفنان الكوميدي عادل أمام عن البوليس قائلاً: "مرة جاني الكمساري قال لي تذاكر قلت له بوليس" وذلك خلال مسرحيته الرائعة "شاهد ماشفش حاجة" وأضاف "أنا افتكرتها جمعية وللا حاجة" واختتم الجملة موجهًا كلامه لعمر الحريري الذي قام بدور وكيل النيابة في المسرحية: "ما بيدفعوش أبدًا في الأتوبيسات يا سعادة البيه"، لخّص فنان الشعب القصة كلها في أنهم ما بيدفعوش أبدًا في الأتوبيس، وكأن سرحان عبد البصير -اسم عادل إمام في المسرحية- لم يشعر بأي دور للبوليس إلا في ركوبهم وسائل الموصلات مجانًا.
وحدث منذ عدة أيام موقف يتكرر كثيرًا عندما قام المرور بإيقاف الإشارة لما يزيد عن ساعة في شارع مراد وشارع النيل بالجيزة انتظارًا بالطبع لمرور أحد أولي الأمر أسياد العباد في أحد شوارع المنطقة، وانفعل عدد من الملطوعين على ذمة المرور على السيد أمين الشرطة المتواجد في المكان، فما كان من السيد الأمين أن تعامل مع المواطنين بمنتهى العجرفة والتعالي وهو الأمر الذي الذي لم يقبله أحد المواطنين، وتطور الموقف ولكن الله سلم وحن السيد المسئول ومر على المنطقة مرور الكرام، وأفرج السيد الأمين عن الملطوعين في خدمة المرور، وهو يتعجب من أمر الشعب إللي ما بيتمرش فيه حاجة مش كفاية إننا بنظم لهم المرور كمان مش عاجبهم.
ولو رجعنا بالذاكرة للوراء لتذكرنا حلم القاهرة ومصر كلها عند ظهور أمين الشرطة، لدرجة أن سندريلا السينما المصرية الراحلة "سعاد حسني" وصفت "حسين فهمي" في أغنية "يا واد يا تقيل" التي كتب كلماتها المبدع الراحل "صلاح جاهين" قائلة "ما تقلشي أمين شرطة إسم الله ولا دبلوماسي"، وضع "جاهين" عند كتابته الأغنية في سبعينيات القرن الماضي أمين الشرطة على قدم المساواة مع الدبلوماسي، وبعد عدة عقود تحول "الأمين" الحلم إلى كابوس "حاتم" في فيلم "هي فوضى" آخر أفلام يوسف شاهين بالمشاركة مع "خالد يوسف".
والأمر يعود إلى عقود مضت لأن تطور اسم رجال الأمن شاهد على اختلاف الخصائص الوظيفية للمهنة العظيمة، فقبل الثورة المجيدة كان يطلق عليهم "البوليس" وبعد الثورة تم تعريب الإسم إلى "الشرطة" التي كانت في البداية طبقًا للشعار الذي اختفى "في خدمة الشعب"، وتحول الشعار بعدها إلى "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، والآن الشعار هو الكل في خدمة السيد الأمين، ومع تغير الوضع تغير إسم الشرطة إلى الأمن لأن السياسة العامة للدولة خلقت الأعداء طبقًا لنظرية الإحتياجات والإشباعات وأصبح هناك إحتياح ملّح للأمن، ومع ظهور المعارضة وخوف السلطة من أعدائها ظهر أمن الدولة، وعندما تم اختزال الدولة في الحكومة فقط أصبح الأمن الآن أمن الحكومة وتحول السيد الأمين إلى المسئول الأول عن تفريغ الشوارع من رعاع الشعب حتى يمر السيد المسئول مرور الكرام، وأكبر فعل يقوم به العسكري المصري الآن يقل بمراحل عن قدرة عسكري الشطرنج، على الأقل الأخير ممكن أن يقول بالفم المليان "كش ملك".
http://www.copts-united.com/article.php?A=3260&I=88