د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: د. فوزي صبري جوهرة
تتابعت و تراكمت في الشهور والأيام الأخيرة أحداث هامة تتعلق بمستقبل مصر والمصريين عامة وربما الأقباط خاصة، ترجع خصوصية الأمر بالأقباط ليس لأنهم مغايرين في انتسابهم لمصر أو أقل تمسكًا بهذا الشرف خاصة عن هؤلاء الذين عبروا عن ازدرائهم للوطن بألفاظ نابية وتهديدات سافرة سوقية رخيصة مثل ضرب المعارضين "بالجزمة" بعد أن يتمكنوا من حكم البلاد، بل ترجع حساسية موقف الأقباط تجاه أي رهصات توحي بالتغيير واقترابه إلى حالة العزلة والتهميش التي فرضت عليهم تجعل لأي ضرر مستجد يحيق بمصر آثارًا مضاعفة عليهم حيث أنهم من أشد قطاعات المصريين وأكثرهم معاناة وبالتالي كانت حساسيتهم الزائدة لما قد يصيب مصر من محن قادمة، هذا بالإضافة إلى الحقيقة الأولى الأهم وهي أننا نستمد هويتنا وكياننا من اسم ووجود مصر.
ربما لاحظ المتتبعين ازدياد التوتر أخيرًا في دائرة المسيطرين على الحكم في مصر بل أن بعض الصحف غير المصرية تحدثت فعلاً عن احتمال حدوث انقلاب عسكري جديد تحت ظروف ما يبدو من ضعف وتدهور قبضة الرئيس حسني مبارك على الحكم، مما حدى به رغم ظروفه الصعبة -وربما من أجلها- ليترأس اجتماعًا وزاريًا في مقر الرئاسة أعلن عنه بما فيه الكفاية لإثبات أن الرئيس ما زال ممتطيًا ظهر نمر السلطة بالرغم من كل ما قد يُشاع.
سبقت بعدة أسابيع الأحداث الأخيرة زيارات متعددة لموظفي وزارة الخارجية لبلاد المهجر في محاولة لتخفيف وقع غضب أقباط الخارج وما قد يترتب عليه من تعبير قوي واضح عن السخط على ما يحدث لذويهم في البلاد، ولما كانت هذه المناورات غير صادقة في أغراضها وفيما جلبت معها من وعود, ولما كان الأقباط خارج مصر "مش هُبل" فقد عادت جميع هذه البعثات العبثية "بزنوبة" حنين، و تستمر محاولات استرضاء المصريين بالخارج بدعوة من الإدارة المركزية (المصرية) لشئون الهجرة لزيارة مصر في أواخر شهر يوليو والإجتماع بالسيد رئيس الجمهورية.
أضف إلى ما سبق ما طلع علينا به الرئيس الأمريكي الجديد من مشروعات فذه مستجدة لتحسين الأوضاع مثل إصراره على الذهاب إلى عاصمة "إسلامية" يوجه منها كلمة إلى "العالم الإسلامي" وكأن أنقرة التي زارها فعلاً أو جاكرتا التي قضى فيها بعض سنين حياته لا تؤدي الغرض, أو أن بيانًا يذاع من مكتبه في البيت الأبيض على العالم بأسره يبدي فيه الندم ويبوس القدم على "غلطته" (أمريكا يعني) في حق الناس الطيبين مش كفاية، اختار الرئيس القاهرة لهذا الغرض وهو على علم بمدى تغلغل الفكر والسلوك الإسلامي في مصر وفي سياسات السلطة المصرية داخل البلاد غير عابئ أو واع بما سينجم عن تلك الدفعة الجديدة التي تفضل بها على سلطة تعاني من سكرات الموت وجماعة "محظورة" تتأهب للإنقضاض على الحكم, على الواقع القائم وهو أن مصر أصبحت دولة دينية واقعًا وليست علمانية كما تدعي الرئاسة، فهل للسيد باراك أوباما أن يتوقع بعد زيارته الميمونة (إللي مالهاش لازمة) أن تتحسن ظروف الأقباط والبهائيين والشيعة والقرآنيين وتنتهي حالة الطوارئ الأبدية ويسود احترام حقوق الإنسان في مصر كما نادى هو ومن سبقه من رؤساء الولايات المتحدة؟
من "المهوبصات" الأخرى التي جاء بها رئيس الولايات المتحدة الهُمام هو تعيين "مستشارين" لشئون التعامل مع المسلمين، وجاء بالسيدة داليا مجاهد ربيبة السيد جون اسبوزيتو من جامعة جورجتاون الكاثوليكية بواشنطن, والذي هو أشد إسلامًا من بعض شيوخ الأزهر وإن كان لم ينطق بالشهادتين بعد حسبما أعلم بالرغم من نغنغة أمراء السعودية لفضيلته.
ولم تقتصر جهود السيد أوباما على السيدة داليا مجاهد المفترض أن تكون متخصصة في معرفة شئون المسلمين بل تعدتها إلى أعداد أخرى من المسلمين والمسلمات غير المتخصصين منهم جارة باكستانية سابقة لي ليس لها من التمييز ما يؤهلها لأن تكون في موضع "نصح" الرئيس الأمريكي في كارثة مثل التي تعاني منها بلاده في باكستان وأفغانستان، حقيقة الأمر أنني أعتقد أن أوباما "غشيم" وسارقاه السكينة وأكثر ما أخشى هو أنه سيزيد الطينه بلة وربنا يستر على أمريكا التي جئنا إليها منذ عقود متنسمين حياة أفضل ويبدو أنها بدأت في الطريق إلى الإنحدار.
بالرغم من عدم ثقتي بقدرة أوباما على التوصل إلى حلول حقيقية لمشاكل الشرق الأوسط المتعددة, إلا أنني أحث الأقباط على أن "يعملوا إللي عليهم" ويبصّروه بحقيقة الأوضاع في مصر وخارجها, هذا بالرغم من ثقتي التامة بأن الأمريكان "عارفين كل خرم في البلد" كما تقول إحدى النكات القديمة، علينا أن نضع رؤيانا لما يحدث لنا وللوطن أمام الرئيس الأمريكي حتى لا نُلام عما قد يصيب بلادنا وذوينا من تدهور من جراء استمرار الأحوال على ما هي عليه.
وإن كانت الظروف قد شاءت ألا يرى الرئيس مبارك بعينيه مدى غضبنا لما آلت إليه أحوال وطننا الأم وذوينا بعدما أُلغيت زيارته لواشنطن, إلا أن سخط الأقباط لم ينطفئ سعيره، لذا أرجو ألا نتراجع أو نتهاون في قرارنا بالتعبير السلمي المهذب بالتظاهر أمام البيت الأبيض أثناء زيارة الوفد الحكومي المصري الذي أصبح بديلاً لزيارة مبارك لواشنطن وقبل زيارة الرئيس الأمريكى لمصر, تلك الزيارة (إللي مالهاش لازمة) التى سيتخذها البعض كاعتراف شبه رسمي من الولايات المتحدة بأن مصر دولة دينية إسلامية، وكما أن هناك داليات تجاهد في أمريكا في سبيل الإسلام يجب أن نعمل نحن أقباط الولايات المتحدة على أن يكون لنا مكتب اتصال مستديم ومباشر بالبيت الأبيض نعرض فيه وجه الحقائق، وقد أعربت عن هذا الرجاء مسبقًا في اجتماع فرجينيا في نهاية شهر مارس من هذا العام, وأرجو أن يُستجاب لندائي هذا بصرف النظر عن اعتقادي بأن رئيس أمريكا الجديد قد يعميها أثناء محاولاته الساذجة ليكحلها.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3262&I=88