صراعات الداخلية ومحاولات اغتيال الرئيس‏!‏

كتب: نبيل عمر-الاهرام

تطايرت من وثائق أمن الدولة التي كشفت بعد اقتحام مقرات الجهاز أن الرئيس السابق حسني مبارك تعرض لأربع محاولات اغتيال في منتهي الخطورة‏,‏ ولم تذكر الوثائق تفاصيل هذه المحاولات أو كيف جرت‏,‏ مجرد عناوين كبيرة‏..‏

وينشر الأهرام اليوم تفاصيلها‏,‏ مع الأجواء التي أديرت بها مصر‏,‏ من باب العبرة والتعلم‏,‏ لنفهم ماذا جري وكيف نمنع تكراره‏.‏
مائدة عامرة أقرب إلي موائد الملوك والأباطرة يتصدرها الجمبري الجامبو الفاخر‏,‏ علي رأسها جلس وزير الداخلية حبيب العادلي وكبار قيادات الدولة والحزب‏,‏ وبجواره صاحب الدعوة مساعد أول الوزير ويحيط بهم كبار الضباط‏..‏
انتهي الطعام والكلمات المعسولة وووصلة النفاق التي تصاحب مثل هذه الجلسات‏,‏ فنظر العادلي إلي وزير ماليته إذا جاز هذا التعبير وهو صحيح‏,‏ والمقصود هو مساعده للشئون المالية وقال له‏:‏ لازم نكافئ الراجل اللي رفع رأسنا‏..‏ شقة علي نيل المنصورة‏!‏
وقبل صاحب الدعوة الهدية‏,‏ وباع وصلها بأكثر من مليون جنيه‏..‏
المدهش أن هذا اللواء كان أبنه طالبا في كلية الشرطة بالصف الثالث‏,‏ وضبط هو وخمسة من زملائه ومعهم نصف كيلو حشيش من أجود الأنواع‏,‏ وأحيلوا إلي مجلس تـأديب‏,‏ فصلهم جميعا من الكلية‏..‏
لكن الأبن عاد بعد فترة بقرار من الوزير‏,‏ وهو الأن ضابط مباحث‏.‏
كانت مصر تدار علي المزاج‏,‏ تكية مركزية‏,‏ حولها تكايا صغيرة في كل موقع‏..‏ولم يكن تصرف حبيب العادلي مع صاحب الدعوة إلا استنساخا لتصرفات الرئيس مع رجاله‏..‏
ويقال والعهدة علي الراوي‏,‏ والراوي من أهل الثقة‏,‏ إن الرئيس حسني مبارك لو ابتسم مصادفة وهو ينظر ناحية شخص‏,‏ فأن طاقة القدر تنفتح أمام هذا المحظوظ‏,‏ ولو أشاح الرئيس بيده يهش ذبابة حطت علي رأسه فجأة‏,‏ تنهار الدنيا علي دماغ هذا التعيس وتبتلعه أبواب جهنم‏!‏
كانت مصر كلها تتحرك لإرضاء الرئيس وليس لإدارة حياة المصريين ومواردهم بكفاءة‏,‏ فكانت الحروب والصراعات تندلع وتخمد بين كل مؤسسات الدولة والشخصيات العامة والمناصب الرفيعة لتقترب من الرئيس وتحوز علي رضاه بأي ثمن وبأي وسيلة مهما كانت دناءتها‏..‏
وكان طبيعيا أن تفسد وزارة الداخلية‏,‏ فيجد حبيب العادلي نفسه مديرا لمباحث أمن الدولة‏,‏ ثم وزيرا يحكم مصر من مكتبه في لاظوغلي‏..‏
وفي رأيي كثير من ضباط الداخلية الكبار أن الوزارة انقلب حالها بعد زكي بدر‏,‏ ويصفونه‏-‏ مهما كان رأينا فيه بأنه أخر وزير داخلية حق وحقيقي‏,‏ ومن بعده راحت المعاول تضرب في أرجاء المكان‏,‏ وكان سلفه شيخ العرب اللواء محمد عبد الحليم موسي رجلا طيبا‏,‏ أقرب إلي شيخ الطريقة منه إلي الضابط‏,‏ وشيخ الطريقة لا يعمل بالقانون وإنما بالجلسات العرفية والصلح خير وقراءة الفاتحة‏,‏ أما ضابط الشرطة فدوره في المجتمع مرهون بالقانون وإجراءاته‏,‏ فإذا فرط فيهما‏,‏ يحل العنف والبلطجة محلهما‏.‏
وقد وصل الحال بإهمال القانون أيام عبد الحليم موسي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي إلي حد مخيف‏,‏ فكان مدير أمن المنيا مثلا يرسل سيارته بسائقه إلي الدكتور بشير تجئ به من بيته‏,‏ فيدخل عليه بجلبابه وسلاحه الألي علي كتفه‏,‏ وبشير واحد من قيادات العنف في الصعيد‏,‏ وكان مطلوبا علي ذمة قضايا قتل‏!‏
وارتبطت أسباب الزيارات المباركة إما بحادث طائفي هنا أو هناك‏,‏ أو خبر عن عملية قبل وقوعها‏,‏ أو تحركات في قرية تثير قلقا وتوترا وقد يسمعون بها في القاهرة‏.‏
وبالرغم من هذا لم تتوقف مذابح الصعيد وقتها‏..‏
فقرر الرئيس تغيير وزير الداخلية‏..‏وطلب من معاونيه ترشيح أسما بديلا‏..‏
وجاء حسن الالفي من نفس المكان الذي جاء منه زكي بدر وعبد الحليم موسي محافظ اسيوط‏,‏ والألفي كان له تاريخ جيد في مباحث الأموال العامة‏,‏ وأخذ موقفا حازما وقتها من عبد الخالق المحجوب وكيل وزارة الاقتصاد شقيق رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق الذي أغتيل في أكتوبر‏1990,‏ ولم يجامله‏,‏ وقدمه للمحاكمة في قضية رشوة فحبس ثلاث سنوات‏.‏
لكن حسن الألفي الوزير كان شيئا مغايرا تماما‏,‏ قصص لا تحكي في جريدة مثل الأهرام لها تقاليد في حفظ أسرار الناس الخاصة‏,‏ فأولاد الحرام في الداخلية أشطر من الشيطان أحيانا‏,‏ مثلا عند تشكيل حكومة كمال الجنزوري الأولي في يناير عام‏1996,‏ سافر حسن الألفي علي رأس وفد إلي تونس لحضور مؤتمر وزراء الداخلية العرب‏,‏ وكان معه أحمد العادلي رئيس مباحث أمن الدولة قبل أن يترك منصبه بأسابيع‏,‏ واللواء إبراهيم حماد‏,‏ واللواء طارق سليم‏,‏ واللواء علاء عباس من مكتب الوزير وعدد من كبار الضباط‏..‏
كان الوفد المصري جالسا في بهو الفندق بالعاصمة التونسية‏,‏ مرت امراة في غاية الحسن والجمال في ثياب تكشف أكثر مما تغطي‏,‏ لم يكتف الوزير بالنظرة الأولي‏,‏ فهمس له واحد من ضباطه‏:‏ هل تحب أجئ بها لك؟‏!‏
لم ينطق الوزير‏..‏فأسرع الضابط وراءها‏,‏ وأوقفها وتحدث معها بضع دقائق‏..‏ثم عاد قائلا‏:‏ ياباشا‏..‏هي مذيعة في قناة لبنانية وتحب تعمل معك لقاء تليفزيونيا‏..‏
وحدث فعلا في البهو‏!‏
كان أحمد العادلي جالسا يكاد غيظه ينفجر فيمن حوله‏,‏ فاكتسي وجهه بغضب شديد‏,‏ ولم يستطع السيطرة علي نفسه‏,‏ فقال للضابط إياه‏:‏ اللي دخلك كلية الشرطة ظلمك‏..‏أنت كنت تنفع جدا في حاجات تانية‏!‏
وكان طبيعيا أن تظهر في ذلك الوقت أول مجموعات يمكن أن نطلق عليها ضباط البيزنس‏,‏ ضباط لا يهمهم الأمن بقدر ما يهمهم البيزنس‏,‏ فـزي الشرطة بكل ما يمثله من سلطة ونفوذ بالنسبة لهم مجرد شركة استثمارية في كل شئ وأي شئ‏..‏
‏****‏
كان أحمد العادلي في ذلك الوقت طرفا في صراعات عنيفة قاسية‏,‏ صراعا مع الألفي وشلته علي النفوذ والسلطة والاقتراب من الرئيس‏,‏ وصراعا مع السيد عمر سليمان مدير المخابرات العامة علي حماية الرئيس من محاولات الاغتيال‏..‏وكان عمر سليمان يشكوه دائما للرئيس‏:‏ يا ريس أنه يحشر أنفه في أشياء خارج سلطاته وأفسد علينا قضايا كثيرة كنا نتابعها ونعرف تفاصيلها‏.‏
وفي أحداث كثيرة اختلطت الصراعات مع بعضها البعض‏..‏
كان أحمد العادلي في زيارة خارجية‏,‏ مصاحبا للرئيس‏,‏ وانتظره في العاصمة الإيطالية روما محطة وصوله النهائية‏,‏ ولم يكن حسن الألفي يرتاح إلي مثل هذه الرحلات‏,‏ فأصدر قرارا بأن يصاحبه اللواء رءوف المناوي مدير العلاقات العامة والإعلام الأمني ليكون رقيبا عليه‏..‏
في تلك الأثناء اكتشف الوزير حسن الألفي أن أحمد العادلي يراقب تليفوناته هو والشلة‏..‏
في مصر توجد ست غرف مراقبة بأجهزة حديثة‏..‏ثلاث في الداخلية وثلاث خارج الداخلية‏..‏ في الداخلية‏..‏غرفة لمباحث أمن الدولة‏,‏ وغرفة للأمن العام التي يخرج لها إذون النيابة بالتنصت‏..‏وغرفة لمباحث القاهرة‏,‏ ظلت مغلقة وفي عهدة مباحث أمن الدولة منذ نشأتها‏.‏
انتهزت شلة الألفي وجود أحمد العادلي خارج البلاد‏,‏ واوعزت إلي الوزير بتسليم الغرفة لمباحث القاهرة‏,‏ وفعلا اقتحموا الغرفة‏..‏وأغراهم الفضول في البحث داخلها‏,‏ فاكتشفوا أن جميع تليفوناتهم مركوبة حسب التعبير الفني الذي يستخدمه ضباط الداخلية‏..‏وأدركوا أن أحمد العادلي يعرف عنهم كل شئ‏,‏ يما فيها الأسرار والأملاك والصفقات والجولات الليلة للوزير ومن يصاحبهم فيها‏..‏
فكان قرار التخلص من أحمد العادلي واجبا‏..‏
قبلها حاولت الشرطة رشوة حبيب العادلي رشوة مشروعة‏,‏ علي طريقة خيانة مشروعة للمخرج خالد يوسف‏..‏
كان أحمد العادلي في مكتبه‏,‏ حين زاره لواء بالداخلية‏..‏
بالمناسبة مكتب مدير مباحث أمن الدولة هو مكتب مصطفي باشا النحاس زعيم الأمة‏,‏ وكان قد أهداه إلي فؤاد باشا سراج الدين حينما شغل منصب وزير الداخلية في أول الخمسينيات من القرن الماضي قبل قيام ثورة يوليو‏..‏
مكتب فخم عريض‏,‏ جهزته المباحث بوسائل تسجيل صوت وصورة لمن يجلس أمام المدير دون أن يدري‏,‏ يكفي أن يحرك المدير الكرسي الجالس عليه إلي الأمام‏,‏ ضاغطا علي ذر أسفل السطح‏,‏ فتدور الأجهزة‏..‏
جلس اللواء وتحدث بهدوء عن مشروعات إنشائية كثيرة في وزارة الداخلية تولتها شركة شهيرة تابعة للدولة حققت فيها ما يقرب من‏400‏ مليون جنيه مكاسب‏,‏ وأن الشركة قررت منح الداخلية وضباطها مكافأة‏80‏ مليون جنيه‏,‏ فكيف يمكن أن يوزع هذا المبلغ؟‏!‏
فرد أحمد العادلي بصوت عال‏:‏ يعني الركن المادي للرشوة موجود‏..‏لم ينطق اللواء‏..‏فانهال عليه أحمد العادلي بالسباب والكلام الجارح القبيح‏,‏ الذي أنهاه بقوله‏:‏ أمشي أطلع بره‏..‏
ومن يومها وأحمد العادلي يسجل لوزارة الداخلية وبعض كبار ضباطها‏..‏
‏****‏
لم يكن التخلص من أحمد العادلي سهلا‏..‏فالرجل أنقذ الرئيس من أربع محاولات اغتيال كما أشارت إليها دون تفاصيل وثائق أمن الدولة المستولي عليها مؤخرا‏..‏
الأولي‏:‏ محاولة سيدي براني‏..‏رسمها واشرف علي تنفيذها أحمد حسن عبد الجليل‏,‏ واحمد حسن واحد من أخطر قيادات الجماعات الدينية‏,‏ يسمونه الأستاذ والدكتور والمهندس‏,‏ وهو من الرعيل الأول الذي سافر للجهاد في أفغانستان‏,‏ وتدرب علي يد الأمريكان في المعكسر الذي كان يعرف وقتها باسم القاعدة‏,‏ واستطاع أحمد أن يجند ضابطا احتياطيا مهندسا في قاعدة سيدي براني الجوية الطحاوي‏,‏ وكان هذا الضابط يعمل في محطة الكهرباء‏..‏
كان الرئيس مبارك منذ فرض الحظر الجوي علي ليبيا في‏15‏ إبريل‏1992‏ بسبب إدانتها في نسف طائرة لوكربي يسافر إلي طرابس لمقابلة العقيد معمر القذافي برا من سيدي براني علي الحدود المصرية الليبية‏,‏ فكانت طائرته تحط في القاعدة الجوية‏,‏ ثم يستقل السيارة‏..‏إلي هناك ويعود بنفس الطريقة‏.‏
وفكر الإرهابيون في تلغيم مدرج الإقلاع والهبوط‏,‏ علي أساس تفجير الطائرة عند هبوطها بكل ما فيها وتمكن الضابط الاحتياط من إدخال مجموعة في ثياب طيارين‏,‏ ونفذوا المهمة‏..‏
أغلب المعلومات التي تصل إلي أجهزة البحث لها طريقان‏:‏ الاستجواب والمراقبات‏..‏
ورصدت مباحث أمن الدولة معلومة عن الطحاوي تشي بشئ خفي لاأكثر ولا أقل دون تفاصيل نقلتها إلي الأجهزة الأخري المسئولة‏,‏ فدارت عجلة الاستجوابات بسرعة فائقة‏..‏ في الأول أنكر الطحاوي‏,‏ وتعامل مع الموضوع بهدوء شديد‏,‏ لكن دائرة الاستجواب توسعت فاعترف تفصيليا‏,‏ وأرشدهم إلي شقة في مرسي مطروح عثروا فيها علي خمس شنط تحمل ما يزيد علي‏500‏ كيلو جرام من مادة تي أن تي علي شكل قوالب‏,‏ وديناميت‏.‏
عرف الرئيس مبارك بأمر الشقة ومحتوياتها‏,‏ فأمر بتشكيل لجنة خاصة من شخصيات ذات حيثيات في مراكزها‏,‏ كان منهم علي سبيل المثال الفريق أحمد شفيق قائد القوات الجوية‏,‏ وسافروا بطائرتين إلي سيدي براني‏,‏ وأخرجوا‏23‏ قالبا مزروعا في المدرج‏,‏ وكملوا عملهم بعد أن أخرجوا مندوب مباحث أمن الدولة في اللجنة وكان وقتها الضابط أحمد رأفت‏,‏ الذي أصبح نائب رئيس الجهاز وتوفي في العام الماضي‏.‏
وجرت وقتها محاكمات وإحالة إلي المعاش لمن اتهموا بالتقصير‏.‏
الثانية‏:‏ محاولة كوبري الفردوس‏..‏ووضع الإرهابيون لغما مضادا للدبابات أسفل كوبري الفردوس لتفجيره في قيادة الحرس الخاص لرئيس الجمهورية خلال مرور موكب الرئيس عليه‏..‏ووضعوا الخطة علي احتمالين‏..‏
‏1-‏إذا كان الرئيس قادما من صلاح سالم متجها إلي القلعة‏,‏ فيفجرون الكوبري‏,‏ فينحرف موكب الرئيس إلي اليمين الإجباري حيث تقع مدينة البعوث‏,‏ هناك تقف سيارة ملغمة بـ‏100‏ كيلو من المواد الناسفة‏,‏ متصلة بسلك يمتد مائة متر إلي المدينة وينتهي بجهاز التفجير‏.‏
‏2-‏وإذا كان عائدا من الاتجاه العكسي إلي مصر الجديدة‏,‏ ينحرف إلي المقابر التي تقع يمين الطريق وتنتظره سيارة ثانية محملة أيضا بـ‏100‏ كيلو من المواد الناسفة وتنفجر بنفس الطريقة من داخل المقابر‏.‏
الثالثة‏:‏ محاولة كوبري أكتوبر في ميدان رمسيس وأيضا بسيارة ملغومة‏,‏ ولم يقبل المنفذ أن يقوم بها في اللحظات الأخيرة‏,‏ لأن الميدان واسع والسيارة كانت ستوضع في مكان ينتج عنها سقوط ضحايا أكثر من اللازم‏,‏ فسلم نفسه واعترف بالعملية‏.‏ وطبعا المحاولة الرابعة هي التي حدثت في إديس أبابا‏,‏ وأحمد العادلي هو الذي أصر علي سفر سيارة الرئيس المصفحة والحرس الخاص بالسلاح الشخصي‏..‏وكانت معلومة قد وصلت إلي مباحث أمن الدولة من السودان‏,‏ أن الجماعات تتدرب في السودان علي عملية كبيرة في أديس أبابا‏..‏ولكن الرئاسة تشككت‏,‏ واتصل رئيس الحرس الجمهوري بأحمد العادلي وقال له‏:‏ المصادر الأخري لا ترجح هذا الرأي‏..‏أنت ليه متأكد قوي
فرد العادلي‏:‏ المعلومات صحيحة‏.‏
فرد رئيس الحرس‏:‏ محضر التنسيق مع الجانب الأثيوبي لا يسمح لنا بحمل سلاح‏..‏
رد العادلي‏:‏ مسألة يمكن حلها عند وصول الرئيس إلي هناك‏!‏
‏******‏
أخرجت الصراعات أحمد العادلي من مباحث أمن الدولة‏,‏ وقرر الألفي أو شلته إهانته‏,‏ فاصطنعت سيارة فيات بها مجموعة من الرجال الأشداء صداما مع سيارة أبن احمد العادلي في مدنية نصر بعد ثلاثة أيام فقط من خروجه‏,‏ ونزلوا في الأبن ضربا عنيفا وقاسيا أقرب إلي علقة موت‏..‏وهمسوا في أذنه قبل أن يغادروا المكان‏:‏ قول لابوك ما تتكلمش عن أسيادك‏.‏
وعندما وصلت الرسالة إلي أحمد العادلي‏,‏ سحب مسدسه من مكمنه‏,‏ وحشاه بست طلقات‏,‏ وقرر النزول إلي حسن الألفي وزير الداخلية في مكتبه‏,‏ لكن بعض ضباط أمن الدولة المقربين منه منعوه بالقوة وكانوا عنده في البيت‏..‏فرفع سماعة التليفون وضرب رقم مكتب الرئيس الخاص وابلغه بالواقعة‏,‏ فاتصل الرئيس بحسن الألفي وقال له‏:‏ أمن أحمد وعائلته مسئوليتك الشخصية‏.‏
‏***‏ لم تتوقف الصراعات بين رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية أبدا‏,‏ لكن أكثر الصراعات تأثيرا علي جهاز أمن الدولة كان بين حبيب العادلي وصلاح سلامة‏..‏ في فترة حبيب العادلي الأولي وثق علاقته بالسيد عمر سليمان فكان يسانده ويعضده‏,‏ ثم انقلب حبيب العادلي علي السيد عمر سليمان ليقف في صف جمال مبارك الوريث والسيدة والدته‏,‏ فوفروا له الحماية ليعيش في الداخلية أطول فترة في تاريخها‏..‏
كان الرئيس مبارك قد أصدر قرارا لم ير النور قبل عشر سنوات‏,‏ بتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس‏,‏ لكن السيدة سوزان تدخلت ومنعت إعلانه‏.‏
وكان صلاح سلامة مدعوما من الرئيس والسيد عمر سليمان‏,‏ ودار صراع شرس إلي درجة أن كلا منهما سجل للأخر وأخضع حياته وتليفوناته تحت المراقبة‏..‏
وكان العادلي يتعقب ضباط جهاز أمن الدولة لو شم او سمع أو وشي بهم أي واش أنهم يقفون في صف سلامة‏,‏ فيخرجهم من الجهاز ويبعدهم إلي أماكن لا تحتاج إلي مثل هذه المهارات‏.‏
وهو أيضا ما كان يفعله صلاح سلامة مع الضباط الذين يتورطون في اتصالات مع الوزير دون أن يبلغوه بها وبأسبابها وبما قيل فيها‏.‏
فحدث نوع من التحلل والتفكك في الجهاز بخروج قيادات ذات كفاءة وحرفية‏..‏ مع عمليات التجريف التي مارسها حبيب العادلي مع قيادات الأمن العام الأكفاء‏..‏لم تعد وزارة الداخلية تؤدي دورها لا في الأمن العام ولا في أمن الدولة‏..‏
لقد كسب ضباط البيزنس‏,‏ خاصة أن الكبار جدا كان لا يعتمدون إلا علي الضباط الذين يعملون عندهم لحسابهم الخاص‏:‏ عقارات‏,‏ أراض شركات مقاولات‏,‏ شركات سياحة‏,‏ فصار لمصر ضباط داخلية لديهم ثروات بالملايين وربما بالمليارات‏,‏ فكان طبيعيا أن يحدث ما حدث مع ليلة الجمعة‏28‏ يناير وهو الانفلات الأمني‏..‏فالبوادر كانت تعلن عن نفسها منذ وقت طويل

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع