محبة مترى
بقلم: محبة متري
بعد أن أنهىَ أعماله عائدًا إلى بلدته يسير مطمئنًا لم يكن يتخيل مدى الشر الذي يختبئ في الطريق والتجربة القاسية التي سيتعرض لها لم تخطر بباله, فجأة هجم عليه جماعة من اللصوص ضربوه, سرقوا ملابسه ونقوده, قاومهم ضربوه, عروه وجرحوه تفجرت الدماء من جروحه بشدة وصرخ من الألم (أرحموني, اتركوني) ولكنهم كانوا قد تجردوا من كل المشاعر الإنسانية والقسوة كانت قد أصمّت آذانهم.
فأكملوا جريمتهم وأخذوا ملابسه وكل ما يمتلك وتركوه بين الحياة والموت وفي تلك اللحظات الخاطفة مر شريط حياته أمام عينيه وتأهب للموت وندم على نزوله إلى المدينة, ولكن ما زاد من آلامه أنه اكتشف من بين اللصوص أقربائه وأبناء عمومته الذين كان يعيش وسطهم وطالما أكل وشرب معهم وشاركهم أفراحهم وأطراحهم, ولم يتوقع يوما منهم غدرًا ولم تمنعهم قرابتهم له أن يتحولوا إلى وحوش كاسرة فيفتكوا به.
وبعد أن ذهبوا وتركوه ظل على هذه الحالة يئن وينزف فترة من الوقت ثم دخل في غيبوبة وبعد ساعات مر أحد الكهنة أمامه، رآه, سمع صوت حشرجته, لمسه, فكر أن ينقذه ولكنه خشيَّ أن تكون مؤامرة مدبرة ويخرج عليه اللصوص فيقتلوه وتذكر أبنائه وزوجته الذين ينتظرونه, فحسم أمره وتركه ومضى، ربما توقع أن يأتي شخصًا آخر بعده وينقذه.
وبعد فترة مر عليه أحد اللاويين تأثر لمنظره وربما شعر بالأسى وتساءل في داخله عن الإنسان عديم الرحمة الذي فعل به ذلك, ولكن المساء كان قد أقبل وحل الظلام وربما فكر أن الأمل في إنقاذه ضعيف وقد أشرف على الموت, فليتركه لمصيره ومضى وتركه متأسفًا عليه، إلى أن مر في الطريق سامري ورآه وبالرغم من أن هناك عداوة بين اليهود والسامريين حتى أن اليهود يكرهونهم ولا يتعاملون معهم ويحتقرونهم ويصفونهم بالغباء إلا أن كل ذلك لم يخطر على باله لحظة بل نزل من دابته وتحنن عليه، أسرع إليه وضمد جراحه, صب عليها زيتًا وخمرًا, أركبه دابته, وأخذه إلى فندق, سهر يعتني به طوال الليل وفي الصباح أعطى صاحب الفندق دينارين وطلب منه أن يعتني به إلى أن يتمالك نفسه ووعده أن يدفع له عند عودته أي مصروفات أخري.
هنا نجد أن قرابة الدم لم تنقذه, فأقرباؤه بالجسد تركوه يصارع الموت بينما قريبه هنا هو ذلك السامري الذي تحنن عليه وطيب جراحه وأنقذه بغض النظر عن أي اختلاف أو عداء, هو لم يجد فيه إلا إنسان مسكين ضعيف يتألم يحتاج ليد حنونة تساعده، لا تنفعه كلمات رثاء أو نظرة أسى, إنسان يصرخ معبرًا عن بشاعة الخطية.. عن قسوة وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
"ولكن سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنن" (لوقا 10 : 23 )
أن مثل السامري الصالح من أروع الأمثلة التي تعلمنا معنى الرحمة والإنسانية نحو كل البشر وقد ذكره الرب يسوع عندما سأله ناموسي عن مَن هو قريبي ليجربه.
وإذا نظرنا إلى الناحية الروحية فقد اتفقت التفاسير على أن السامري الصالح يرمز إلى الرب يسوع الذي جاء إلى الإنسان مخلصًا إياه من الخطية وبشاعتها، والشخص المجروح هو الإنسان الخاطي الذي فعل الخطية بإرادته فقد (نزل) من أورشليم إلى أريحا -أي من المدينة المقدسة إلى العالم بشروره- والجروح هي تأثير الخطية المدمر, والكاهن واللاوي يرمزان إلى عجز الناموس عن مساعدة الخاطي, أما صاحب الفندق فهو الكنيسة التي ترعانا, ووعد السامري بالرجوع لصاحب الفندق كناية عن المجيء الثاني للسيد المسيح.
هل الشخص المختلف عني في الفكر يعتبر قريبي؟
نعم
والمسيحي المختلف عني في الطائفة قريبي؟
واليهودي قريبي؟
نعم
وجاري المسلم قريبي؟
نعم
وزميلي البهائي قريبي؟
نعم
وكل مَن يختلف معي في اللون أو الجنس أو المعتقد قريبي أيضًا؟
نعم...... نعم........ نعم
قريبي هو مَن ارتبط معه برباط المحبة, قريبي الذي يصنع معي رحمة ولا يجرحني ويؤلمني، قريبي كل إنسان على وجه الأرض, قريبي هو أخي في البشرية الذي أتعامل معه بمبادئ الرحمة والإنسانية...... السيد المسيح قال أريد رحمة لا ذبيحة, طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون.
"فأي هؤلاء الثلاثة تُرىَ صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟ فقال الذي صنع معه الرحمة" (لوقا 10: 37).
كيف تكون قريبي وأنت تقسو عليَّ وتمزقني؟؟ كيف تكون قريبي وأنت تهاجمني وتحجر على حريتي وتهدر دمي وتريد أن تقتلني؟؟ الرحمة, المحبة بلا رياء, أين ذهبا؟
هل الرحمة أصبحت في نظرك ضعف؟
والمحبة أصبحت خاطئة؟ وزانية؟
تذكر قبل أن تمزقني أنك تمزق جسد المسيح.
أعزائي اكتب إليكم هذه الكلمات من وحي ترنيمة رائعة استمع إليها الآن تقول كلماتها:
طرق الإنسان الملتوية أدت بيه لدمار ولموت
أعماله اللي بتشهد ضده إن الله مبقاش موجود
جرح قلب الله بأيديه
قلب الكون كله حواليه
بحروب ومجاعات وثورات
ضاع الحب من أراضيه
يا إنسان ارحم إنسان
أنقذ.. أسند كل كيان
امشي بخوف... انظر بحنان
شايفك رب إله ديان
المح حب في عيون طفل
شوف العطف في لمسة أم
حتى الخاطي بكل قساوته
ليه رب بيرعاه ويضم
راح فين قلبك وأنت بتقتل
في نفوس غالية عشان أوهام
فاكر أنك راح تتخلد
تحيي جروح تهدم أحلام
كل الأعمال دي بحساب
يوم الرب على الأبواب
قسوة وخوف ودموع في عيون
وقلوب مليانة أتعاب
يا إنسان ارحم إنسان
أنقذ اسند كل كيان
امشي بخوف انظر بحنان
شايفك رب إله ديان
حتى الأرض ترابها بيبكي
من اللي زرعته حسك ومرار
الخير قل وناس بتصرخ
أحشاء خالية قيود وحصار
ازرع حب تحصد حب
افهم وأحفظ كلمة رب
مات عشان في أمان يحييك
يفدي بدمه شعوب الرب
هو معانا كل الأيام
إلى انقضاء الدهر أمين
وعدك يا إلهنا بيرفعنا
فوق أحزاننا أيام وسنين
في أيديك منقوشة أسماءنا
في عينيك مستورة أيامنا
وكل ألم أكاليله مُعدّة
وبنور حبك فيك ثابتين.
وأتمنى أن تشاركوني الاستماع اليها ايضا فيمكنكم تحميلها بسهولة من أي موقع للبحث (ترنيمة طرق الإنسان الملتوية) واحيي كاتبها ومرنمها بصوته العذب الوديع الذين للأسف لا اعرف اسميهما, الرب يباركهما, ويبارككم أخوتي الأحباء.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3437&I=93