ميرفت عياد
إلغاء التعددية وسيادة الرأي الواحد أدَّى إلى ضيق أفق الفرد
كتبت: ميرفت عياد
ما كان ظني أن تكون نهايتي
في آخر المشوار دمع عتاب!
ويضيع عمري في دروب مدينتي
ما بين نار القهر.. والإرهاب
ويكون آخر ما يطل على المدى
شعب يهرول في سواد نقاب
هذه الكلمات للشاعر الكبير "فاروق جويدة" تصدَّرت كتاب "الحالة السلفية المعاصرة في مصر"، والذي صدر حديثًا عن مكتبة "مدبولي" للمؤلف "أحمد زغلول شلاطة". وهو يقع في (370) صفحة وينقسم إلى ثلاثة أبواب رئيسية هي:
السلفية والوهابية، وملامح الوضع الديني، وسلفيو مصر.
المجال الخصب للجماعات المتطرِّفة
وطرح الكتاب سؤالًا هامًا هو: أين الحركة السلفية كجزء من الحركات الإسلامية؟ واجاب المؤلف أن السلفية حالة فكرية أساسًا حتى وإن إتخذت أشكالًا تنظيمية، سواء كانت جماعات حركية أو جمعيات اجتماعية. معرفًا السلفية بأنها: "أسلوب تفكير يميل إلى إتخاذ آراء السلف والركون إليها كما هي، وإتخاذها مرجعية إلى الحياة المعاصرة في كل جوانبها". مشيرًا إلى أن أن هناك تيارات جهادية عنيفة تتخذ من السلفية أساسًا لها، وتستمد منها الشرعية لتصرفاتها من وجهة نظرها. وإنه رغم أن بعض هذه الجماعات جماعات سلمية إلا أنها تكون الوسط المناسب لاختيار بعض العناصر لضمها لحركات العنف، حيث أن اختياراتها الفكرية التي تُؤخذ عليها؛ طابع التشدد والتضيق في الكثير من الأحيان، ومبدأ السمع والطاعة. وهذا المناخ مجال خصب للجماعات المتطرفة.
اختفاء هويتنا الثقافية
وأوضح المؤلف أن مظاهر التدين انتشرت في كل مظاهر الحياة في المجتمع المصري المعاصر، بدءًا من أسماء المحلات التي أخذت أسماء دينية من معاني التقوي والإيمان، مرورًا بهوجة الأغاني الدينية التي أصبحت صيحة العصر الحالي، إلى جانب هجرة الآلاف من المواطنين إلى دول الخليج عمومًا وإلى "المملكة العربية السعودية" خصوصًا، وتأثرهم بالفكر الوهابي هناك، ونقلهم هذه الأفكار لأسرهم ووسطهم المحيط بهم، مما أدَّى إلى وجود جيل كامل نشأ تحت هيمنة الفكر السعودي، وأثّر كثيرًا في اختفاء هويتنا الثقافية لصالح هوية سعودية وهابية بدوية تهتم بالشكل بديلًا عن الجوهر، وتراعي التدين المظهري، ولا تكترث بالتدين السلوكي أو حتى أعمال القلوب.
الدين كقناع للأفعال القاسية
وأكَّد الكاتب أن مكمن الخطورة ليس في الدين، وإنما في سوء الفهم. مشيرًا إلى أن الدين قد يكون مصدرًا لظهور التعصب نحو بعض الشعوب أو الطوائف، وأن الشخص المتدين غالبًا ما يتخذ الدين قناعًا لكل أنواع الأفعال القاسية التي يرتكبها، وقد يصوِّر تعبيرات جميلة لكنه في قرارة نفسه يخفي دوافع آثمة. مضيفًا أن التشدُّد هو الطريق الأقصر إلى التعصب لدين ما أو فكرة ما، وهذا من شأنه أن يباعد بين الناس ويؤدي إلى التشاحن والصراع والجمود الخلقي، وما يصاحبه من جمود في المعايير العامة.
سيادة الرأي والفكر الواحد
وأشار الكتاب إلى أن صفحات الحوادث مليئة بأحداث عنف شرسة بلا مبرِّر، وجرائم أخلاقية لم تكن معهودة من قبل. وأن لهذه السلوكيات أبعاد سياسية واجتماعية ونفسية. موضحًا أن أهم وأخطر أسباب هذه التصرفات، تنامي الفكر الديني الاستقطابي الذي يكفِّر الآخر أو يلغيه أو يستبعده. حيث أن إلغاء التعددية التي هي حكمة ربانية، وسيادة الرأي والفكر الواحد، أدَّى إلى ضيق أفق الفرد، فقلت أمامه الخيارات المتاحة، وعجز عن إحداث تغير في الوسط المحيط به، ولم يبق أمامه سوى حل واحد هو "العنف"!!
http://www.copts-united.com/article.php?A=35222&I=784