نبيل شرف الدين
بقلم: نبيل شرف الدين
نشرت مؤخراً صحيفة «الواشنطن بوست» تقريراً لمراسلها فى القاهرة حول مزاج الشارع المصرى المعادى للغرب عامة، وأمريكا على نحو خاص، وأجرى التقرير ما يشبه «تحليل المضمون» لمقالات رأى من شتى المشارب، وأفلام سينمائية ومسلسلات درامية، وبالطبع تطرق لسيمفونيات «شعبولا» الشهيرة.
دفعنى هذا التقرير لرصد المزاج الشعبى حيال أمريكا، لأكتشف ببساطة أنه بالفعل مثقل بمشاعر سلبية ومعادية لها، بل يكاد يحملها المسؤولية عما يعانيه الملايين من أزمات، ومع ذلك تتكبد النخبة المصرية أموالاً طائلة لتعليم الأبناء فى الجامعة الأمريكية، كما تمتد طوابير طويلة للمشتاقين أمام السفارة الأمريكية للفوز بتأشيرة دخول بلاد العم سام، ناهيك عن رحلات الصيف والشتاء للطواف حول البيت الأبيض.
ولا تقتصر طلاسم العلاقات المصرية ـ الأمريكية على ذلك التناقض الصارخ بين خطاب النخبة المناوئ لأمريكا وسلوكها الذى يتمسح بها، لكن يمتد المشهد لسلوك النظام الحاكم، فيدلى مسؤولون بتصريحات نارية ضد واشنطن، ويطلق «كتبة البلاط» حناجرهم مدندنة بعبارات عدائية ومانشيتات زاعقة يتخيل معها البسطاء أن أمريكا هى العدو الأول للمصريين.
ورغم ذلك الخطاب التحريضى الذى تتبناه آلة الإعلام المصرية فى مواسم بعينها ضد أعدقائنا فى الغرب الأمريكى، فلا يجد النظام غضاضة فى قبول المعونات الأمريكية، ثم يطلق أبواقه مجدداً لتسويق مبررات متبجحة عن ضآلة جدوى تلك المعونات، وكيف يستعيدها الأمريكيون فى صورة عقود خبراء ومستشارين، وإذا كان الأمر حقاً هكذا، فلماذا نقبل ما نعتبره «مجرد خديعة»؟، ولماذا لا نحفظ ماء وجوهنا ونرفض المعونات مادمنا لا نستفيد منها؟.
يتحدث محللونا الإستراتيجيون بمنطق عدمى سوداوى عن انعدام الفرق بين بوش وأوباما، وكل من يصل للبيت الأبيض، باعتبارهم مجرد أدوات أو ديكور ليس بوسعه سوى تنفيذ أجندة خفية لصالح «الصهيونية العالمية»، ومع ذلك يجد نفس المحللين «تخريجات» عبقرية حين يتحدثون عن «شهادة الأيزو» التى حصلت عليها القاهرة، لأن أوباما اختارها لتكون منصته التى يقول من خلالها كلمته المرتقبة للعالم الإسلامى.
فالمصريون ـ وفق استطلاعات أجرتها مراكز قياس رأى رصينة ـ يعتبرون أمريكا أكبر خطر ضدهم، وبنسبة قدرتها دراسة لمؤسسة «فريدوم هاوس»، المعنية بمتابعة الحريات العامة حول العالم، بنحو ٨٨٪ من العينة التى أجرت عليها الدراسة تعتبر الولايات المتحدة «دولة معادية» للمصريين.
السؤال الذى لا تحتمل إجابته تقعراً والتفافات لفظية هو: هل حقاً أمريكا دولة معادية لمصر؟، وهل نحن مضطرون لدفع فاتورة هذه العداوة أساساً؟، وهل يتعامل ساستنا ونخبنا مع الأمريكيين باعتبارها «اشتغالة» بلغة الجيل الجديد، أى لمجرد الاحتيال عليها للاستفادة من عطاياها وتحاشى سطوتها الدولية؟
سيقول بعض المتثاقفين، إن أحداً لا يحمل أى ضغينة للشعب الأمريكى بل للإدارات المتعاقبة، وهذه «تخريجة» أخرى تنطوى على الخداع والمغالطة، فالهوة بين الناس وحكامهم فى بلد مثل أمريكا، ليست على النحو الحاصل فى بلادنا، لأن الشعب هناك يختار حكامه، ويطيح بهم بمنتهى السلاسة، ودون انقلابات عسكرية ولا تنظيمات سرية ولا استعانة بصديق، وبالتالى فإن هذه الإدارات ومعها الكونجرس هى تمثيل صادق لما تريده غالبية الأمريكيين.
«ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى.. عدواً له ما من صداقته بُدّ»، ومن نكد الدنيا أيضاً أن يضطر المرء لتعريف المعروف، وإعادة اختراع البديهيات، ففى السياسة لا معنى للحديث عن مشاعر شخصية كالحب والعداوة والمعتقدات والمنّ والأذى، بل هناك لغة وحيدة تحكم علاقات الدول، هى المصالح فقط، ونحن أصحاب مصلحة فى علاقة متكافئة متبادلة مع دولة عظمى كأمريكا،
وهى أيضاً صاحبة مصالح فى المنطقة بعلاقتها بدولة مستقرة نسبياً، قياساً بمحيطها الإقليمى، الذى يعج بكال النماذج السياسية البدائية، وأنماط الحكم الفاشلة، بدءاً من انعدام الدولة كما يحدث فى الصومال، وصولاً للكيانات القبائلية والعشائرية، كما هو حال معظم دول المشرق العربى، مروراً بأنظمة العسكريتاريا الفاشية، وعلينا أن نختار لأبنائنا بوضوح بين الانخراط فى منظومة العالم المتحضر، أو التعلق بقاطرة المأزومين والمستبدين.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3540&I=95