الشرق الاوسط-القاهرة-أحمد الجزار
حذرت مصادر مصرية مطلعة أمس من تعرض السودان لـ«عزلة عربية»، بعد عزلته الدولية، جراء صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، مؤكدة أن رفض السودان لاقتراح مصري بإقامة حوار دولي حول المشكلة السودانية لا يصب في طريق الحل ولا يخدم إلا التصعيد غير المبرر ضد المجتمع الدولي، فيما أعربت مصادر أخرى عن مخاوفها من تكرار سيناريو صدام حسين، الذي اعتقلته القوات الأميركية في حفرة بعد غزو العراق عام 2003. وقالت المصادر إن المؤتمر الذي اقترحته مصر كان يهدف إلى وضح خطوط عريضة لحل المشكلة السودانية برمتها، بمساعدة من المجتمع الدولي، دون تدخل في شؤون السودان، فيما أفادت مصادر قريبة من الملف السوداني في جامعة الدول العربية بوجود مخاوف لدى عدد من الدول العربية من أن «توضع في حرج دولي» بسبب قضية البشير وملابساتها، خصوصا في حال إصراره على التنقل بين العواصم العربية، في وقت تستعد فيه بعض هذه العواصم لعقد مؤتمرات تشارك فيها السودان، في إشارة إلى القمة العربية في الدوحة نهاية هذا الشهر. وبينما أعلنت الجماعة الإسلامية المصرية أنها تلتمس الأعذار للبشير «في قمع المتمردين» داعية إلى مساندته، قائلة إنه كان من المتوقع الوصول إلى هذه النتيجة منذ البداية، وتوقعت هي الأخرى سيناريو باعتقاله ومحاكمته مثلما حدث مع الرئيس العراقي الراحل، اعتبر السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، أن الرؤية المصرية بعقد مؤتمر دولي لحل المشكلة السودانية، تهدف إلى كسر الجمود تجاه وحدة القرار الذي تقف وراءه أميركا وفرنسا، وأشار الأشعل إلى الرفض السوداني للمؤتمر الدولي بقوله إنهم (السودانيين) يتخوفون من تدويل القضية، «لكن المشكلة أن القضية مدوَّلة بالفعل». وأضاف الأشعل أن الولايات المتحدة تدرس فرض منطقة حظر للطيران فوق دارفور، قائلا إن ما يحدث في السودان سيناريو مختلف لنتيجة واحدة مثل ما حدث مع العراق، «العراق احتلوه عشان يقسموه، والسودان حيقسموه عشان يسيطروا عليه». وتابع قائلا: «نحن أمام سيناريو سيستغرق نحو 3 أو 4 سنوات يبدأ تنفيذه الفعلي بقرار حظر الطيران فوق دارفور، وسيترك الأميركان الباقي للثوار السودانيين، لكي يطيحوا بالبشير». وقال عمرو الشوبكي الباحث والمحلل السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ما يحدث الآن «نهاية لعهد البشير، تأكدت بعد خطابه المتشدد، وموقفه من عمل المنظمات الدولية داخل السودان». وأضاف أن البشير يتعامل الآن بتشدد وتعالٍ مع الإرادة الدولية، على غرار ما كان يفعله صدام، كما أنه يستخدم نفس مفردات فترات التحرر الوطني في هذا الوقت. وتوقع الشوبكي مزيدا من الضغوط التي ستمارس على السودان، لكنه أشار إلى أنها (القوى العظمى) لن تلجأ إلى استخدام القوة مع السودان، بل ستشجع الانقلاب من الداخل. وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري عضو البرلمان الإفريقي النائب مصطفى الجندي، إن ما يحدث في السودان الآن عبارة عن سيناريو جديد، يؤدي إلى ما أدى إليه سيناريو صدام حسين، مشيرا إلى أن الرفض السوداني للمؤتمر الدولي لم يأت ردا على الدعوة المصرية وإنما جاء ردا على الموقف من المحكمة الدولية. وحذر الجندي من سعي القوى العظمى إلى تفتيت المنطقة العربية وفق سيناريو ممنهج، مشيرا إلى أن مصر يجب أن تتحرك سريعا لأن أمن السودان من أمن مصر القومي. ومن جانبها، التمست الجماعة الإسلامية في مصر الأعذار للرئيس البشير «في قمع المتمردين في السودان»، ودعت إلى مساندته، قائلة إنها تتوقع سيناريو مشابها لما حدث مع العراق، والذي انتهى باعتقال ومحاكمة رئيسه الراحل، وأضافت في بيان لها أن «المؤسف والمحزن في الأمر أن جميعنا قد قرأ السيناريو قبل تمثيله على أرض الواقع»، و«للأسف لا يزيدنا ذلك إلا غفلة وذهولا وصمتا واستسلاما مهينا».
وأضافت الجماعة أنه من الخطأ الظن أن المطلوب هو رأس البشير فقط، فـ«الدوائر الغربية بقيادة أميركا تدرك أن السودان سيرفض القرار، والنظام العربي سيرفض القرار، وليس وراء ذلك سوى التصعيد المحسوب كما حدث مع العراق من ذهاب إلى مجلس الأمن واستصدار قرار معتمد على الفصل السابع، وهلم جرا».
وأضافت أن مذكرة الاعتقال التي صدرت في حق الرئيس البشير «جاءت لتضع النظام العربي الرسمي في ورطة حقيقية، بعد أن عجز عن بناء سياسة موحدة في مواجهة التحديات التي تحدق بالأمة العربية، و(بعد أن) سمح لنفسه بالتفريط في مرتكزات الأمن القومي العربي»، في ما يتعلق بعدة قضايا شهدتها المنطقة العربية في العراق وفلسطين وليبيا. وتساءل البيان: «هل سيسمح (النظام العربي الرسمي) لنفسه أن يفعلها من جديد مع السودان ويتركه ينفرط من العقد العربي؟».
وتابع البيان قائلا إن «السودان هو صمام أمان الجنوب المصري والمتحكم في المياه الواردة إلى مصر، فضرب السودان هو ضرب في صميم الأمن القومي المصري وتهديد لمصر في منابع النيل، والعدو الصهيوني يضع عينيه على منابع النيل منذ أمد بعيد، والجميع يعرف ذلك».
وقال بيان الجماعة إن الإجراء الذي اتخذه العرب تجاه قرار المحكمة الجنائية الدولية «كان أضعف مما كنا نتوقع، فقد توجهوا مرة أخرى إلى مجلس الأمن مطالبين بتأجيل مذكرة الاعتقال لمدة عام»، وتابع بيانها قائلا: «كنا ننتظر هبّة عربية إسلامية في وجه هذا القرار الإجرامي باعتقال رئيس عربي مسلم لواحدة من أكبر الدول العربية والإسلامية، كنا ننتظر قرارا عربيا عمليا موحدا يعلنون من خلاله رفضهم ومساندتهم وتضامنهم مع السودان ورئيسه». وتساءلت الجماعة في بيانها قائلة: «ما موقف أي رئيس دولة أقسم بأن يحميها ويدافع عنها أمام الله وأمام شعبه، إذا تمردت فئة مسلحة من الشعب، وقامت بمهاجمة وحدات الجيش ومراكز الشرطة، وحطمت الطائرات، ودمرت وخربت من أجل الحصول على الاستقلال أو الانفصال؟ ما موقف أي رئيس دولة في حالة كهذه، حتى لو كانت دولة أوربية تطبق النظام الديمقراطي؟».
وقالت الجماعة إنه «إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وإذا استمر موقف العرب والمسلمين بهذه السلبية وهذا البطء وهذا الاستسلام المهين للأمر الواقع، فلا تنتظروا أن يبقى البشير كثيرا في السودان، بل انتظروا - يا عرب - خروج مذيع قناة الجزيرة علينا وهو يخبرنا بنبأ مثول البشير أمام أوكامبو في لاهاي، انتظروا ذلك قريبا جدا، بل انتظروا أكثر من ذلك، والأكثر من ذلك والأوجع من ذلك والأذلّ من ذلك والأخطر من ذلك، هو أن يشارك في حكم السودان - ذلك البلد الإسلامي الكبير - قائد حركات التمرد في الجنوب أو دارفور».
http://www.copts-united.com/article.php?A=362&I=9