أوضاع البنوك المصرية أسوء بعد 25 يناير

إيلاف

أثار إعلان بنك التسليف الزراعي عجزه عن توفير قيمة واردات القمح التي تبلغ 1.2 مليار جنيه حفيظة المتعاملين مع البنوك المصرية، ومما زاد الأمر سوءاً خفض التصنيف الإئتماني للبنوك المصرية من "مستقر" إلى "سلبي".

إعلان بنك التسليف وخفض التصنيف الإئتماني للمصارف المصرية سيكون له أثر سلبي على المصارف المصرية خاصة وأنه سيؤدي إلى صعوبة إصدار البنوك المصرية لأي نوع من السندات بالعملة الأجنبية وطرحها في الأسواق العالمية حيث ستضطر إلى رفع نسب الفائدة لتغطية أي طرح، كما يتسبب التصنيف في عزوف المراسلين الأجانب عن التعامل مع البنوك المصرية ويرفع تكلفة الإعتمادات المستندية. وفي ظل توقعات للخبراء بأن البنوك الأجنبية العالمية ستحجم عن إقراض مصر فإن بعض البنوك التي تعتمد في عملها على المخاطرة ستقوم بعملية الإقراض ولكنها بالطبع سترفع نسبة الفائدة بنسبة كبيرة.

ميدان التحرير في القاهرةويعاني الإقتصاد المصري من ضعف تدفق العملات الأجنبية كما خسر البنك المركزي قرابة 8 مليار دولار من إحتياطي النقد الأجنبي التي كانت بحوزته عند إندلاع الثورة، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار من 5.5 جنيه قبل 25 يناير إلى 5.95 جنيه في الوقت الراهن وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة فاتورة الإستيراد وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الأولية كذلك قيام رجال الأعمال الأجانب المستثمرين في البورصة بتحويل أموالهم للخارج في أيام قليلة بعدما إستئناف عملها.

ويرى بعض الخبراء أن هناك الكثير من المصريين زادوا أيضاً من معاناة البنوك قاموا بسحب أموالهم من البنوك (خاصة الخاصة والأجنبة) تحسباً لأي موقف في البلاد وهي عادة مصرية قديمة توارثها المصريون كما قام الكثيرون منهم بتحويل جزء منها بالدولار أو العملات الأخرى خاصة الريال السعودي والذي ارتفع سعره أكثر من 10 قروش منذ إندلاع الأزمة ليصل إلى 1.59 جنيه.

في الوقت ذاته عمل بنك مصر (الحكومي) على إصدار شهادات إدخار طويلة الأمد مدتها 10 سنوات وتصدر بالعمله المحلية وقيمة الشهادة 1000 جنيه ومضاعفاتها وهي أول إصدار من نوعه في مصر ذو فائدة متصاعدة وليست ثابتة تبدأ من 9.75% وحتى 12% ويصرف عائدها كل 6 أشهر. وعمد البنك إلى إغراء المصريين بالإدخار بإدخال ميزة جديدة لأول مرة في سوق شهادات الإدخار تمثلت في رد قيمة الشهادة كاملة إلى صاحبها بعد مرور 3 سنوات على إصدارها وهو مالم يكن متاحاً من قبل حيث يتم خصم نسب متباينة من قيمة أي شهادة تتناقص مع مرور المدة الخاصة بها لتصل إلى 0% عند نهاية المدة وليس قبل ذلك. وهو ما يراهن عليه رئيس قطاع الإئتمان بالبنك أنه سيلقى إقبالاً من المصريين خلال الفترة المقبلة.

المشاكل البنكية تزايدت مع توقف البنوك الأجنبية العاملة في مصر (مثل سيتي بنك، وأتش أس بي سي) بإيقاف برامج تمويل السيارات للمصريين وهو البرنامج الذي كان يحرك سوق مصانع السيارات في بلد لا يستطيع فيه أكثر من 0.25% من شراء السيارة نقداً وهو الأمر الذي أوقف تلك السوق وأصابها بالركود الحاد وأوجد سوقاً أخرى للتمويل من غير البنوك والذي يعود لأفراد عن طريق قيام المقترض بكتابة شيك بقيمة القسط مصحوب بشيك بإجمالي القيمة مع رفع الفائدة من 12.5% (مثل البنوك) إلى أكثر من 16% في ظل غياب تام للرقابة على مثل هذا النوع من الإقراض والذي يصفه خبراء مصرفيون بأنه أكثر أنواع الإقتراض فتكاً بالسوق والمواطنين.

من جهة أخرى أوقفت البنوك الرئيسة في مصر برنامج إقراض الموظفين الذي كانت تديره قبل 25 يناير وذلك تخوفاً من نقص للسيولة لديها وصعوبة تحصيلها حيث أشار الخبير المصرفي خميس منطاوي في تصريحات صحفية أن هذا التجميد هدفه إعادة النظر فيها من جديد، وفقاً للمستجدات التي شهدتها مصر مؤخراً في أسلوب عمل وتمويل المصريين وكيفية إعادة تلك الأموال نظراً لكون السوق المصرية تعيش حالة من الترقب والانتظار لحين اتضاح الرؤية، لافتاً إلى أن معظم المصانع تعمل بـ 30% أو 40% من طاقتها فقط.
وعلى الرغم من أن البنوك لديها سيولة كبيرة وتريد استثمارها في مشروعات كبرنامج إقراض الموظفلين المضمون من وزارة المالية، (الجهة التي ستحول الأقساط إلى البنوك) إلا أن الوزارة نفسها تنتظر عودة الإنتاج لسابق عهده واستقرار الأمور للبت في البرنامج خاصة في ظل تسريحات كثيرة للعمالة وتوقف كثير من الحوافز.

كما تعاني بعض البنوك المصرية من ضعف في تحصيل الأموال الخاصة بمديونيات الشركات العقارية الكبيرة والتي قامت بإقراضها لتنفيذ مشاريع ضخمة في مقابل تحصيل تلك الديون من أقساط العملاء مثلما حدث لمشاريع "مدينتي" و "بالم هيلز" و"السادس من أكتوبر ـ سوديك" حيث صدر بحق تلك الشركات أحكاماً ببطلان العقود الخاصة بأراض منحت لها من قبل الحكومة المصرية في عهد الرئيس السابق، مما حدا بحاجزي الوحدات السكنية التوقف عن سداد الأقساط لحين وضوح الموقف الأمر الذي أثر كثيراً على السيولة لدى تلك البنوك، خاصة وأن أصحاب بعض تلك الشركات صهرا الرئيس السابق وعدد من الوزراء المحبوسين حالياً أو الهاربين وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة البنوك في تحصيل مديونيتها.

ويشير تقرير بنك "دوتشيه" الألماني أن موقف السيولة النقدية لدى شركة طلعت مصطفى (مدينتي) ربما يكون أفضل حالاً مقارنة مع شركتي بالم هيلز وسوديك، لكنه نوه إلى أن وضع بالم هيلز أكثر ضعفا بسبب الاراضي الشاسعة التى سحبت منها وتوقف مشروعاتها بشكل تام عن العمل إلا أن البنوك الممولة لمشروعات تلك الشركات ستكون أول المتضررين من الأزمة خاصة إذا توقفت كلياً عن سداد القروض حيث لا تسمح اصولها التي ستكون تحت أيديها بسداد القروض وفوائدها.

الخبراء يؤكدون أنه لن ينقذ الإقتصاد المصري والبنوك سوى إستقرار الأوضاع وإنتهاء التظاهرات وحالة الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد وترك الأمر للقضاء المصري.. ولكن البعض في مصر له رأي آخر فالمهم ليس إلا الإنتقام من كل رموز النظام السابق بكل السبل حتى وإن كان توقف حركة الإنتاج في البلاد هو الثمن!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع