رئيس جهاز السينما في مصر: أسلوب الإنتاج والتصوير تغير.. ولا وقت للميزانيات الضخمة

الشرق الأوسط - عالية قاسم

يوسف شريف رزق الله لـ«الشرق الأوسط»: أفلام الثورة قادمة.. وعلى النجوم إعادة النظر في أجورهم


يرتبط الناقد الفني يوسف شريف رزق الله بمحبة خاصة لدى عشاق السينما في مصر، كما يحظى بتقدير من القائمين على صناعتها، وذلك نظرا لثقافته الموسوعية وسعة اطلاعه على تطور تاريخ صناعة السينما وجمالياتها في العالم، كما أنه يتمتع بشخصية ديناميكية دمثة، تؤمن بقدرة الإنسان على العمل والإبداع، ما دام توافر له مناخ من الحرية والأمان.
ورغم تأثر جهاز السينما بروح التغيير الذي فجرته ثورة 25 يناير، حيث شهد الجهاز مظاهرات واعتصامات تطالب بفتح ملفات الفساد والمالي والإداري، فإن الكثيرين استبشروا خيرا بقرار تعيين يوسف شريف رزق الله رئيسا لجهاز واعتبروه خطوة مهمة للنهوض بصناعة السينما في مصر.

بمكتبه بمقر جهاز السينما بضاحية الهرم بالجيزة التقت «الشرق الأوسط» يوسف شريف رزق الله، وحاورته حول مشكلات السينما المصرية، ورؤيته للنهوض بها كمّا وكيفا، وكيفية تحررها من مقص الرقيب، والموقف النهائي من انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام، وغيرها من القضايا.. وهنا نص الحوار:

* كيف ترى واقع السينما المصرية بعد أحداث ثورة 25 يناير؟
- توجد حاليا أزمة في الإنتاج السينمائي بسبب ضعف إقبال الجمهور على دور العرض، وهو ما جعل منتجي الأفلام (الجاهزة للعرض) متخوفين من عرضها في الوقت الحالي. ولكني أتصور أن إقبال الجمهور على دور العرض سيعود إلى معدلاته الطبيعية بعد شهر رمضان.

* كلماتك تعني أن الموسم الصيفي هذا العام لن يكتب له النجاح.
- الموسم الصيفي هذا العام سيكون قصيرا جدا، فعلى سبيل المثال امتحانات الثانوية العامة ستنتهي في منتصف شهر يوليو (تموز)، أي قبل شهر رمضان بأسبوعين فقط. وتلك الفترة القصيرة ستجعل من المستحيل المغامرة بعرض أفلام جديدة. في الوقت نفسه، شركات الإنتاج السينمائي الكبرى متوقفة بسبب عدم الدراية بشكل وذوق الجمهور بعد أحداث الثورة، لذلك يجب أن تحدث اختبارات بالأفلام التي تم إنتاجها، والتي ستعرض في السينما لتجس النبض، فقد أنتج قبل الثورة أفلام لم تعرض سواء كانت كوميدية أو رومانسية أو اجتماعية، هذه الأفلام يجب أن تعرض، وبذلك يحدث اختبار لذوق الجمهور وبالتالي يمكن تحديد الخطوة التالية.

* في رأيك، هل ترى أنه سيحدث تغير في شكل السينما المصرية؟
- في تصوري الشخصي، إن الإنتاج السينمائي سيشهد تطورات جذرية في الفترة القادمة، بصرف النظر عن الموضوعات، فالمنتجون سيفضلون إنتاج الأفلام ذات الميزانيات المعقولة وسيتجنبون الأفلام التي تتطلب ميزانيات ضخمة.

* هل يعني هذا اختفاء النجوم الكبار من الشاشة؟
- الأمر سيتوقف عليهم، إذا لم يخفض النجوم الكبار من أجورهم فلن يستطيعوا مواكبة التغيير، فعلى سبيل المثال في الخارج، عندما يعجب أحد النجوم بموضوع أو قصة معينة تتطلب ميزانية كبيرة، فعليه إما أن يخفض أجره وإما أن يدخل كشريك في الإنتاج.

* هل ترى أنها فرصة ذهبية لجيل الشباب السينمائيين لينتشر أكثر؟
- بالطبع، ستصبح الفرصة متاحة بشكل أكبر أمام جيل الشباب الذين يمارسون المهنة منذ عام أو أثنين، حيث إن أجورهم معقولة ويمكن تلبيتها بسهولة. كما سيؤدي ذلك إلى إعادة تقديم بعض الوجوه القديمة ذات الأجور المنخفضة. الأمر سيطال أيضا أسلوب الإنتاج والتصوير، حيث توجد تقنيات جديدة في التصوير ذات كفاءة عالية وتكلفة أقل، وستنتشر الأفلام التي يتراوح إنتاجها ما بين 3 أو 4 ملايين جنيه، والتي يمكن جني ثمارها بشكل شبه مضمون.

* جاءت بعض القرارات بعد الثورة مثيرة للجدل مثل منع الفنانين العرب من العمل في مصر. كيف ترى ذلك؟
- هذا بالنسبة لقطاع المسلسلات التلفزيونية. وهذا القرار تم اتخاذه منذ مدة، وهو ما تزامن مع دعوات من أجل إتاحة فرصة أكبر للممثلين المصريين، إذ إن عدد المسلسلات محدود، كما أنه لا يوجد مبرر للجوء إلى ممثلين غير مصريين في تجسيد الشخصيات المصرية في المسلسلات. ولكن بالطبع لا يوجد مانع إذا استلزم العمل وجود شخصيات من أي دولة عربية أخرى.

* ماذا بشأن قرار إلغاء مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لهذا العام؟
- الحقيقة أن القرار لم يتخذ بعد، والقرار في يد وزير الثقافة، ومن المقرر أن يجتمع الوزير خلال أيام مع المكتب الفني لمهرجان القاهرة لنظر تأجيل دورة المهرجان الحالية للعام المقبل. فبعض الآراء تنادي بإلغائه بسبب عدم استقرار الحالة الأمنية في البلاد، بالإضافة إلى أن إقبال الجمهور على دور العرض ما زال ضعيفا.

* ولكن البعض يقول إن هناك أسبابا اقتصادية وراء قرار الإلغاء.
- بالطبع توجد أسباب اقتصادية، فمهرجان القاهرة السينمائي يعتمد في جزء من ميزانيته على تمويل وزارة الثقافة، والجزء الآخر من خلال تمويل الرعاة، وكما تعرفين فبسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد توجد شكوك بأن نجد رعاة يساهمون في تمويل المهرجان، إلى جانب أن وزارة الثقافة هذا العام لن تستطيع أن تساهم بنفس القدر الذي كانت تساهم به من قبل.

* هل هذه أسباب كافية لإلغاء المهرجان السينمائي المصري الأهم؟
- كل ذلك بالإضافة إلى أن الأفلام التي يتم الاتفاق على عرضها يتم التأمين عليها في حال تعرضها لأي ضرر، وفي هذه الظروف يوجد تخوف من أن يتم مهاجمة دور العرض إذا كانت الأفلام المعروضة تتضمن مشاهد جريئة أو ما شابه، كما أن هناك شكوكا حول موافقة نجوم وأعضاء لجان التحكيم على الحضور لمصر في تلك الظروف.

* كثيرون يقولون إن سمعة المهرجان ستتأثر في حالة تم تأجيل دورته للعام المقبل.
- اعتقادي الشخصي أن الاتحاد الدولي للمنتجين والذي تتمتع مصر فيه بعضوية سوف يتفهم الموقف الدقيق التي تمر به البلاد في حالة طلبت مصر تأجيل دورة المهرجان لهذا العام، فنحن بصدد ثورة نالت احترام وتقدير الجميع ولسنا أمام حادثة محلية لم يسمع عنها أحد، وبذلك لا أظن أنه سيكون هناك مشكلة إذا تم تأجيل دورة المهرجان لهذا العام، على أن يقام المهرجان في العام التالي بنفس الشروط كواحد من 12 مهرجانا دوليا معترفا به من قبل الاتحاد الدولي للمنتجين. ويكفي أن إدارة مهرجان «كان» في دورته الـ64 قد قررت تحية الثورة المصرية واختيار مصر كضيفة شرف المهرجان.

* برأيك، ماذا يمثل هذا الاختيار بالنسبة لمصر؟
- هذا يعطي انطباعا إيجابيا عن رد الفعل العالمي عن الثورة المصرية، فعندما تقوم لجنة مهرجان «كان»، وهو واحد من أهم المهرجانات السينمائية على مستوى العالم، باختيار مصر كضيفة شرف للمهرجان فهذا يعد بمثابة التكريم للثورة المصرية، وهو إجراء يتبع لأول مرة في مهرجان «كان»، وسيتم اتباعه بشكل سنوي بعد هذا. ولعلمك فإن مهرجان القاهرة كان سباقا في هذا المضمار باستضافته لدول كضيوف شرف في المهرجان منذ بضع سنوات.

* وكيف سيتم الاحتفاء بالسينما المصرية في مهرجان «كان»؟
- خصصت إدارة مهرجان «كان» يوما للسينما المصرية، وهو يوم 18 مايو (أيار) من الشهر الحالي، حيث سيتم عرض فيلم «البوسطجي» للمخرج حسين كمال في إطار قسم «كلاسيكيات (كان)»، وبعده سيعرض فيلم «18 يوما» لعشرة مخرجين مختلفين، وهو يتناول عشر قصص مختلفة تجسد أحداث الثورة، ثم يتبع بحفل عشاء يقيمه المهرجان على شرف مصر، وبعده سيكون هناك حفل موسيقي تحييه فرقة «وسط البلد» المصرية، وفي مساء 19 مايو سيعرض فيلم «صرخة نملة» للمخرج سامح عبد العزيز، وقد صور قبل الثورة وتم تطعيمه بمشاهد لها علاقة بالثورة، وسيعرض في إطار تقليد متبع منذ عدة سنوات في المهرجان يسمى «Cinema la plage»، حيث تنصب شاشات عرض وتجهيزات صوتية على الشاطئ لعرض الأفلام.

* بصفتك رئيس قطاع التعاون الدولي بمدينة الإنتاج الإعلامي، ألا توجد بوادر تعاون سينمائي دولي؟
- أتصور أن أحداث الثورة المصرية يمكن تناولها من عدة زوايا، وهي مادة خصبة وثرية لموضوعات أفلام مصرية أو دولية، ولكن المشكلة تكمن في أن شركات الإنتاج الدولية تؤمن على الفنانين وعلى العاملين في التصوير، خصوصا عندما يكون التصوير خارج البلاد، وشركات التأمين ترفض التأمين في الوقت الحالي بسبب ارتفاع قيمة التأمين في ظل الظروف الراهنة في مصر، وبالتالي ستكون شركات الإنتاج مطالبة بدفع مبالغ طائلة، وهو ما سيؤدي إلى إلغاء فكرة التصوير في مصر، وستبحث عن أماكن أخرى للتصوير. وهو نفس السبب الذي أدى إلى تأجيل مشروعين للتعاون الدولي في مدينة الإنتاج الإعلامي تم تقديمهما قبل الثورة، وطلب تأجيلهما في الوقت الحاضر.

* ماذا عن مشكلة التمويل؟
- السينما المصرية تواجه مشكلة معقدة منذ فترة، وهي معضلة اعتمادها لسنوات طويلة على تمويل قنوات الأفلام، وتسببت الأزمة المالية العالمية في عدم قدرة هذه القنوات على استمرار التمويل فتوقف عدد كبير من المنتجين عن الإنتاج لعدم قدرتهم على تمويل مشروعاتهم الفنية بشكل كامل.

* كرئيس جهاز السينما، كيف تخرج السينما المصرية من تلك الأزمة؟
- أرى أنه في إطار الظروف التي تمر بها السينما المصرية يجب أن يكون للدولة دور أكبر، فالدول الرأسمالية مثل فرنسا يوجد بها جهات مختلفة في الدولة تقوم بدعم الأفلام، ويكون إكمال التمويل من القنوات التلفزيونية، وبالتالي تكون عملية إنتاج الأفلام يسيرة، وهو ما جرى تطبيقه هنا بشكل مصغر، فمنذ ثلاث سنوات حصلت وزارة الثقافة على 20 مليون جنيه من وزارة المالية لإنتاج أفلام، وقامت الوزارة بمسابقة للسيناريو وفازت خمسة سيناريوهات وحصل كل فيلم على ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه، وبدأت تبحث عن جهات إنتاجية لتكمل إنتاج الفيلم وظهرت أفلام مثل «رسائل البحر» وغيره، ولم يتبقَّ سوى فيلم واحد لم يعرض بعد. وفي الدول الأوروبية لا يوجد أفلام تنتج من قبل منتج واحد، فالمنتج يقوم بالاتفاق مع منتجين آخرين ومع عدة قنوات تلفزيونية ويظل عنصر المخاطرة موجودا بسبب التكلفة العالية، ولا أحد يعلم مقومات نجاح أي فيلم، ففي بعض الأحيان يتم إنتاج أفلام متوقع لها نجاح معقول وتحقق نجاحا باهرا، والعكس بالعكس.

* هل هناك تجارب في العالم العربي يمكن الاستفادة منها في هذا الشأن؟
- المغرب لها تجربة رائدة في دعم الدولة للإنتاج السينمائي، فبعد أن كانت الدولة تنتج فيلمين في السنة أصبحت تنتج نحو 15 فيلما، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على السينما المغربية ومستوى أفلامها.

* هل سينال قطاع السينما نصيبا من الحريات التي أطلقتها الثورة؟
- لا شك في أن الثورة ستمتد إلى السينما، حيث سيكون هناك حرية كبيرة في تناول بعض الموضوعات التي كان يحظر تناولها من قبل مثل الموضوعات السياسية، حتى الكلمات المتداولة في الأفلام ستصيبها رياح الثورة، فمثلا كلمة «معتقلات» كانت تستبدل أوتوماتيكيا بكلمة «سجون»، ولكن الآن الوضع اختلف.

* وماذا عن الرقابة؟
- هناك نداءات تطالب بإلغاء الرقابة، ولكن في ظل الظروف الحالية من انتشار للأمية وتزايد دور التيارات المتشددة فإنه من العسير إلغاء الرقابة، واعتبار المشاهد هو الرقيب، ولكني أؤيد تطبيق الرقابة التصنيفية كما في الولايات المتحدة، بمعنى تصنيف الأفلام بحسب الأعمار.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع