إعتقال البشير بداية وليست نهاية!

هاني دانيال

بقلم: هاني دانيال
رغم مرور حوالي اسبوع على صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، إلا أن ردود الفعل الرسمية والشعبية في المنطقة العربية لا تزال بنفس الأسلوب العشوائي الذي تتميز به، من خلال الشعارات الجوفاء ودغدغة المشاعر تحت مصطلحات العمالة والخيانة وتفتيت الدول والبحث عن البترول وخيرات الأمم دون إستخدام حقيقي للقانون الذي إعتمدت عليه المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يؤكد أننا سنظل نعاني لسنوات أخرى من مشكلة الظاهرة الصوتية!

كنت أنتظر من البشير أن يكون مستعداً عبر ترسانة من المحامين لتبرئة نفسه من التهم المنسوبة إليه، خاصة وأن المجتمع الدولي متفق على وجود مشكلة في دارفور، وهناك من يرى جريمة إبادة جماعية قد حدثت، وهناك من يرى مشكلة كبيرة لم تصل لهذا الحد، وهناك محاولات عربية وأفريقية للدفاع عن البشير في ظل الضغط الغربي على ملاحقة البشير، إلا انني فوجئت بزيارته إلى اقليم دارفور ليس من أجل التصالح والتأكيد على أنه إستفاد من الدرس القاسي الذي تعرض له مؤخراً ولكنه ذهب لهناك لكي يرسل رسالة للمحكمة الجنائية الدولية والرأي العام الغربي ليقول أن قرار المحكمة المذكور"على الجزمة"!

ربما ما فعله البشير لا يختلف كثيراً عما فعله الكثيرون في منطقتنا، معتبرين أن "الجزمة" هي رد الفعل الطبيعي لكل من يختلف معنا، ورغم إننا في القرن الحادي والعشرين، ورغم تطور منظومة القوانين الدولية، وفي ظل مواثيق حقوق الإنسان يرد رئيس دولة على قرار محكمة دولية "بالجزمة"!

ورغم أن قرار لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بضرورة إعتقال البشير صدر في يوليو ٢٠٠٨ أي قبل ٨ أشهر من صدور المحكمة الجنائية، إلا أن البشير لم يستطيع مواجهة القرار بحجج قانونية ولكنه واجهها بثقافة الفهلوة، وبأسلوب مستفز!

حسب ما نص عليه قرار أوكامبو "بعد مرور ثلاث سنوات على طلب مجلس الأمن بالتحقيق في دارفور، وإستناداًَ إلى الأدّلة ا‪لمجمعة، يرى المدعي ‫العام أن هناك مبررات معقولة للإعتقاد بأن عمر حسن أحمد البشير يتحمل المسئولية الجنائية فيما يخص التهم الموجهة بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.

وتبنى الأدلّة التي قدمها ‫المدعي العام أن البشير قد د‪بر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات الفور، والمساليت والزغاوة، لأسباب ‫إثنية، إحتج بعض أعضاء هذه ا‪لمجموعات الثلاث، وهم من ذوي النفوذ في دارفور منذ زمان، على تهميش ‫الولاية، وشرعوا في التمرد، لم يتمكن البشير من هزم الحركات المسلحة. فصار يهاجم الشعب، وان دوافعه سياسية في معظمها وهو يتذرع بحجة "مكافحة التمرد أما نيته فهي الإبادة الجماعية".

‫إستطرد بقوله أنه "بأمر من البشير، ولأكثر من خمس سنوات، هاجمت ميليشيا الجنجويد القرى ودمرتها، وتابعت الأشخاص الذين ‫نجوا إلى الصحاري.

وأخضع من تمكن من الوصول إلى مخيمات المشردين داخلياًَ للعيش في ظروف مدروسة ‫ليكون مصيره هو التدمير، إن البشير يعرقل تقديم المعونة الدولية والقوات التابعة له تحيط بالمخيمات".

ومن يقرأ آليات عمل المحكمة وكيفية تأسيسها ودورها التي تقوم به، نجد أن مذكرة اوكامبو جاءت وفقاً لنص الفقرة ج من المادة ١٣، والتي تنص على "إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة ١٥"، كما تنص المادة ١٥ على "للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في إختصاص المحكمة، ويقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاة ويجوز له, لهذا الغرض, إلتماس معلومات إضافية من الدول أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة, ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.

إذا إستنتج المدعي العام أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق, يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلباً للإذن بإجراء تحقيق, مشفوعاً بأية مواد مؤيدة يجمعها ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، وإذا رأت الدائرة التمهيدية, بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة, أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار إختصاص المحكمة, كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق, وذلك دون المساس بما تقرره المحكمة فيما بعد بشأن الإختصاص ومقبولية الدعوى، ورفض الدائرة التمهيدية الإذن بإجراء التحقيق لا يحول دون قيام المدعى العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها.

إذا إستنتج المدعي العام بعد الدراسة الأولية المشار إليها في الفقرتين ١ و٢,  أن المعلومات المقدمة لا تشكل أساساً معقولاً لإجراء تحقيق, كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك, وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر في معلومات أخرى تقدم إليه عن الحالة ذاتها في ضوء وقائع أو أدلة جديدة.

ومن ثم يبدو أن كل ما جدث جاء بشكل قانوني ومتوالي، بينما البشير تارة يصف القرار قبل صدوره "يبلوه ويشربوا ميته"، وتارة أخرى بعد صدوره يقول "على الجزمة"!!!

يبدو أن الأنظمة العربية إعتادت على التحرك في اللحظات الأخيرة وبعد فوات الأوان، فلم يعد هناك أي قدرة على مواجهة أي مشكلة من منابعها أو حتى إقتلاع المشكلة قبل تفاقمها، ومن ثم لا أمل في الإصلاح، طالما إستمرت هذه الطريقة في التعامل مع المجتمع الدولي!

أذكر أنني حضرت لقاءات كثيرة ناقشت مشكلة دارفور منذ عام ٢٠٠٣ ونظمتها جهات عديدة في مصر، مثل مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، منظمات المجتمع المدني في مصر وخاصة المركز العربي لإستقلال القضاء والمحاماة، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات التي شاركت في تأسيس تحالف من أجل دارفور، وتم تشخيص المشكلة بشكل جاد، وتم تقديم الحلول، وطالبت معظم هذه اللقاءات بقيام الخارجية المصرية بشكل اكثر إيجابية حرصاًَ على مصلحة السودان من منظور الأمن القومي المصري قبل أن يكون من أجل عيون البشير، ومع ذلك لا الخارجية المصرية تحركت، ولا البشير إهتم، وكانت النتيجة الطبيعية هي صدور قرار الإعتقال!

المهم أن البشير أصبح مطلوباًَ، سواء اليوم أو غداً، والبشير لن يعيش آمناً بعد اليوم، ربما ينقلب عليه حزبه، ربما يرذله شعبه، ربما يغدر به جيرانه، ربما يتم ملاحقته جواً أو براً أو حتى بحراً، المهم أنه لم يعد آمناً لأنه تكاسل ولم يفعل شيئاً طوال السنوات الماضية ليعوض أهل دارفور عما تسبب فيه من أضرار جسيمة، لذلك القرار جاء على حسب الفعل، والبشير فعل الكثير، ليستحق جزاءه، والمهم أن ما هو قادم هو المهم، لأن ملاحقة البشير بداية وليست نهاية، وهو ما ستؤكده الأيام المقبلة، وعلى الأنظمة العربية أن تستعد!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع