«المتحف».. حلم يهود مصر يثير جدلًا بين الأثريين

المصري اليوم

رئيسة الطائفة تقترح المكان.. «الزهار»: تراث.. و«حواس»: بعد إحلال السلام
حالة من الجدل أثارتها ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية فى مصر، بعد أن اقترحت إقامة متحف مصرى يجمع الآثار والمقتنيات اليهودية المصرية، لتسجل فى التاريخ المصرى أن يهود مصر كانوا جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمعى المصرى، على حد قولها.

المعبد اليهودى بالقاهرة

ورغم اتفاق سامح الزهار، أحد أبرز علماء الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى مصر، مع الفكرة، مؤكدا أنه يجب الاهتمام بالآثار اليهودية، لأنها جزء من التراث الإنسانى والوطنى، إلا أن الدكتور زاهى حواس، عالم المصريات، وزير الآثار الأسبق، رفضها تماما، موضحا أن الآثار اليهودية الموجودة فى مصر لا تكفى لبناء متحف، وحال وجودها لا يجب إنشاء متحف يهودى على الأراضى المصرية إلا بعد أن يحل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فيما رأى الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، ألا يبدأ أى وزير آثار فى المستقبل القريب ببناء أى متحف جديد، نظرا لوجود عدد كبير من المتاحف التى تحتاج إلى رعاية واهتمام فى مصر.

المعبد اليهودى بالقاهرة

داخل معبد «شعار هاشامايم»، أو معبد «عدلى» الذى يحمل رقم «17» والكائن بشارع عدلى بوسط البلد، والمحاط بحراسة أمنية مشددة، التقينا ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية فى مصر، التى حرصت على اصطحاب «المصرى اليوم» فى جولة داخل المعبد الذى بنى عام 1905 برعاية عدة عائلات يهودية أرستقراطية، كواحد من أفخم المعابد اليهودية فى القاهرة، ويحتوى على مكتبة ضخمة إلا أنها تحتاج إلى ترميم.

«أحلم بإنشاء متحف لعرض الآثار والمقتنيات اليهودية المصرية، وبدروم معبد عدلى غير مستغل، ومن الممكن استغلاله كمتحف أو كمعرض دائم للآثار اليهودية المصرية»، هكذا بدأت «ماجدة» حديثها، مضيفة: «تراودنى فكرة بناء متحف للآثار اليهودية منذ توليت رئاسة الطائفة اليهودية فى مصر عام 2013، لأن مصر بها متحف يعرض الفن الإسلامى وآخر يعرض الفن القبطى».

المعبد اليهودى بالقاهرة

وتابعت: «فكرتى ببساطة أن حياة اليهود هنا فى مصر قصة جميلة، لأن يهود مصر كانوا متفاعلين فى كل مناحى الحياة المصرية، سواء فى الفن أو فى السياسة أو فى الاقتصاد أو حتى الأدب، لذا إذا تم إنشاء متحف للآثار اليهودية فى مصر فلن يجد الزوار شبها فى المعروضات، وسيكون المتحف مختلفا تماما عن كل معابد اليهود فى العالم، وسيكون المحتوى رائعا، مثل أشياء كانت تستخدم فى الصلاة، بمعبد عدلى، قبل بناء العقارات حوله، إذ كان يعد صرحا ضخما، حتى إنه فى صور أبيض وأسود وجدت صورة يظهر فيها المعبد كمبنى ضخم فى وسط القاهرة، مما يدل على أن اليهود كانوا يعيشون فى منتهى الطمأنينة والأمان، وأرى أن مساحة بدروم معبد عدلى من الممكن أن تكون جيدة جدا لإنشاء متحف يهودى، ومن يعتنى بالمعبد ونظافته وحراسته سيعتنى بالمتحف أيضا».

سامح الزهار، أحد أبرز علماء الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى مصر، اتفق مع مقترح «هارون» قائلا: «لا يمكن القبول بفكرة تقسيم التراث المصرى عبر حلقاته التاريخية المتصلة إلى جنس أو دين أو عرق، وإن كانت المسميات أحياناً تتسم بطابع دينى إلا أنها تشير إلى الفترة الزمنية التى صنعت التحف فيها وليس لدورها الدينى».

المعبد اليهودى بالقاهرة

وأضاف لـ«المصرى اليوم»: «لذلك فالآثار اليهودية المصرية هى جزء أصيل من التراث الإنسانى والوطنى، ويجب الاهتمام بها، وأتعجب من محاولات إيقاف فكرة مشروع متحفاً للآثار اليهودية فى مصر، ففى السبعينيات كان لمصر دور كبير فى حفظ التراث المادى اليهودى- المصرى، وفى عام 1970 وبأوامر من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تم التصدى لمحاولة إسكاكى، زعيم الطائفة اليهودية وقتها، ببيع المعابد اليهودية الموجودة فى المحافظات، تمهيداً للاستيلاء على أموالها، ومن ثم اتهام الحكومة المصرية بتبديد الآثار اليهودية، وادعاء التعرض للاضطهاد، وقد تمت عملية حصر وتوثيق محتويات جميع المعابد اليهودية، وتمكنت اللجان المكلفة بإنجاز هذا العمل لحماية الآثار اليهودية المصرية من ناحية، وسد الطريق أمام المحاولات الخبيثة لزعيم الطائفة اليهودية فى الوقت ذاته، ومن وقتها صارت للدولة سلطة حقيقية على تلك المعابد بما يسمح بحمايتها وعدم المساس بأمن الوطن».

وتابع «الزهار»: «ليست الآثار المسجلة فقط، فمنذ سنوات طالبت رئيسة الطائفة اليهودية فى مصر، بوجود لجنة تتسلم من الطائفة اليهودية عدداً هائلاً من القطع الأثرية القيمة وأوراق الجنيزا، وهى وثائق مهمة تخص مجمل حياة اليهود الذين عاشوا فى مصر وغيرها من البلاد العربية، منذ أواخر القرن العاشر وأوائل الحادى عشر حتى القرن التاسع عشر، وغيرها من القطع الفريدة لتسجيلها فى عداد الآثار، لكن دون جدوى حقيقية».

وحول عدد الآثار اليهودية قال «الزهار» إن هناك عددا ليس بالقليل من الآثار اليهودية فى مصر، وغير المسجل يفوق القطع المسجلة بعشرات الأضعاف، وفى الـ5 سنوات الأخيرة، نجحت منافذ ميناء دمياط الأثرية فى ضبط عدد من قضايا تهريب الآثار اليهودية.

وفيما يتعلق بوجود جزء مخصص للآثار اليهودية داخل المتحف القبطى، لفت إلى أن هذا الجزء الموجود داخل المتحف القبطى لا يكفى، وأنه يفقد مفهوم المتحف، وأن المتحفين القبطى والإسلامى هما بفلسفة ومفهوم خاص، ولا يمكن القبول بفكرة قاعة خاصة فقط، وإذا كانت الدولة غير جادة فى بناء متحف للآثار المصرية اليهودية، فلماذا لا يتم تحويل أحد المعابد إلى متحف، وليكن لفترة ما، ولإجراء تجربة بتنفيذ هذا المقترح على معبد «شعار هاشامايم» (عدلى) على سبيل المثال.

وعلق الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، قائلا: «أتمنى ألا يبدأ أى وزير آثار فى المستقبل القريب ببناء أى متحف جديد، نظرا لوجود عدد كبير من المتاحف تحتاج إلى رعاية واهتمام فى مصر».

وأضاف العنانى لـ«المصرى اليوم»: «أحب أن أثمن جهود وزارة الآثار، آخر عامين فى ملف الآثار اليهودية، فما تم فى الآثار اليهودية آخر سنتين من شهر يونيو 2016 وحتى الآن، غير مسبوق فى تاريخ الآثار، سواء تسجيل المعابد، أو فتح معابد للزيارة، أو تسجيل منقولات داخل المعابد اليهودية، كما أن الحكومة المصرية فى الأزمة الاقتصادية الحالية، خصصت 104 ملايين جنيه لترميم معبد يهودى، لأنه على قدر المساواة بكافة الحضارات الموجودة فى مصر».

وتابع: «أول فاترينة بالمتحف القومى للحضارة بالفسطاط للآثار اليهودية، وحرصنا على وضعها لأن الحضارة المصرية تحتوى كل الديانات التى كانت موجودة على أرض مصر وكل الحقب التاريخية، ولن يتم استبعاد أى قطعة آثار مصرية من العرض لأى سبب».

من جانبه، قال الدكتور زاهى حواس، عالم المصريات، وزير الآثار الأسبق، إن عدد الآثار اليهودية فى مصر لا يكفى لبناء متحف يهودى، وأوقف جميع المفاوضات حين كان يتولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، لافتا إلى أن الآثار اليهودية الموجودة فى مصر يخصص لها مكان داخل المتحف القبطى.

وأضاف لـ«المصرى اليوم» أنه حتى فى حال وجود آثار يهودية فى مصر تكفى لبناء متحف، فلا يجب أن يتم إنشاؤه إلا بعدما يحل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع