ما ينتظره أوباما من العرب

إسحاق إبراهيم

بقلم: إسحق إبراهيم
ما زالت أصداء خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما مستمرة، فالأغلبية تشيد بما جاء فيه وترى أنه يمثل صفحة جديدة للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، والأقلية -التيار الناصري والإسلام السياسي- تحاول أن تستهين بالخطاب ومضمونه وتشكك في نوايا أوباما تارة بأنه يريد الضحك على العرب والمسلمين وأنه باع "الهواء" لهم وتارة أخرى بأن المؤسسات الأمريكية ستقف عائقًا أمام تحقيق وعود أوباما. ولم يتناول المرحبون والمعارضون الواجب المفروض على العرب والمسلمين، ماذا نفعل لمساعدة أوباما حتى يستطيع أن ينجز مهمته؟ وهل نملك خطابًا موحدًا نقدمه للعالم الغربي نحدد فيه مطالبنا بموضوعية وواقعية؟، أوباما لا يملك عصا سحرية ولا يستطيع بمفرده أن يغير سياسات مطبقة منذ عقود، ونجاحه مرهون بقدرة المعتدلين في جميع الديانات السماوية والوضعية ومناصري السلام على تشكيل تكتل من أجل العدالة والسلام والحوار ونبذ الكراهية.

قبل التعرض لما ينتظره أوباما من العرب، نعرض لأهم القضايا التي تعرض لها خطاب أوباما والتي تعامل معها بشكل مختلف عن سابقيه:
- التأكيد على أن الحرب على المتطرفين لا تعني الحرب على الإسلام، فالغرب وأمريكا تحديدًا ليس في خصومة مع الإسلام لكن الحرب مع من يتخذون الدين ذريعة للقتل والتدمير، وأن الحرب وحدها غير كافية للقضاء على التطرف لكن يلزمها تنمية.
- يعد أوباما أول رئيس أمريكي يتحدث عن حل عادل للقضية الفلسطينية ويصطدم بالقيادة الإسرائيلية في بداية ولايته، ودون حسابات وتوازنات مع لوبى المصالح الإسرائيلية، فأوباما أكد حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية ‏كما‏ ‏كرر‏ ‏مطالبته‏ ‏لإسرائيل‏ ‏بالكف‏ ‏عن‏ ‏بناء‏ ‏المستوطنات‏ إضافة إلى تناوله لمعاناة الفلسطينيين، وشبهها بمعاناة الإسرائيليين إبّان الحكم النازي، وهذا الكلام جديد ومهم ويغضب اليهود.
- ‏تحدث أوباما عن الديموقراطية باعتبارها ‏ ‏قيمة ‏عالمية‏ ‏نابعة‏ ‏من‏ ‏تجارب‏ ‏شتى ‏من‏ ‏العالم‏ ‏وليست‏ ‏ثقافة‏ ‏أمريكية‏ ‏فقط، وأن أمريكا تدعم الإصلاحات الديموقراطية لكنها في نفس لن تفرضها على الشعوب كما حاول سلفه الرئيس بوش، فكل دولة لها تقاليدها وعاداتها التي تجعل للديموقراطية أشكالاً مختلفة كما ندد ببعض التيارات التى تتخذ من الديموقراطية طريقًا للوصول للحكم ثم تنقلب عليها في اشارة واضحة -وإن لم يحدد ذلك صراحة- إلى بعض التيارات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين.
- تناول أوباما أيضًا حرية‏ ‏العقيدة‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏الإسلام‏، فالتنوع والتعدد لا يجب أن يخفي من المنطقة، فهو يضفي مزيدًا من التمييز لشعوبها، ولذلك يجب ان تتمتع الأقليات (ذكر الموارنة والأقباط) بحقوقها الكاملة. وبالمثل المرأة التى يجب أن تملك قرارها وأن تنال حظها من التعليم والعمل دون تمييز.

‏أوباما قدم‏ ‏رؤية‏ ‏جديدة‏ ‏للعلاقات‏ ‏على‏ ‏أرضية‏ ‏التكافؤ‏ ‏والمساواة‏ ‏والحرية‏ ‏والمبادئ ‏الإنسانية‏ ‏السامية‏ ‏التي‏ ‏أقرتها‏ ‏الأديان‏ ‏والحضارات‏ ‏مفادها‏ ‏أن‏ ‏تعامل‏ ‏الناس‏ ‏كما‏ ‏تحب‏ ‏أن‏ ‏يعاملوك.

ماذا يجب أن يفعل العرب؟
* أن يتبنى العرب خطابًا موحدًا يحدد مطالب شعوب المنطقة ‏والأهداف المطلوب تحقيقها بشكل واضح‏، ‏وأن‏ ‏يتم‏ ‏التمسك‏ ‏بقرارات‏ ‏الشرعية‏ ‏الدولية‏ ‏ومناقشة‏ ‏القضايا‏ ‏المؤجلة‏ ‏مثل‏ ‏القدس‏ ‏وحق‏ ‏العودة‏ ‏وتفكيك‏ ‏المستوطنات، وأن يتعامل‏ ‏الحكام‏ ‏ ‏بشفافية‏ ‏ووضوح‏ ‏وأن يعلن ما‏ ‏يحدث‏ ‏داخل‏ ‏الغرف‏ ‏المغلقة‏  ‏للجمهور‏.
* قهر ثقافة الكراهية، فقد عملت نظم الحكم في الدول العربية على إرضاء الشارع وتعبئته ضد أمريكا كجزء من القاء الفشل العربى في تحقيق الدولة الفلسطينية سواء بالحرب أو السلام على كاهل أمريكا مستغلة انحياز أمريكا لإسرائيل. وهو ما رسخ رفض كل ما هو غربي واعتباره مخالف للدين والتقاليد والعادات، فلا بد من ‏سيادة ‏ ‏نمط‏ ‏من‏ ‏الثقافة‏ ‏قائم‏ ‏علي‏ ‏التعددية‏ ‏واحترام‏ ‏الآخر‏ ‏واحترام‏ ‏حرية‏ ‏الإعتقاد‏ ‏والانفتاح‏ ‏على العالم‏، ‏وهنا‏ ‏يقع‏ ‏دور‏ ‏كبير‏ ‏على ‏مصر‏ ‏الدولة‏ ‏والمجتمع‏ ‏المدني‏ ‏لرفع‏ ‏الوعي ‏بالقيم‏ ‏الإنسانية‏ ‏السامية‏ ‏والبحث‏ ‏عن‏ ‏مشتركات‏ ‏والتركيز‏ ‏عليها‏ ‏والإعلاء‏ ‏من‏ ‏قيم‏ ‏المواطنة.
* دول العالم تنظر إلى المنطقة باعتبارها دول مستبدة تنتهك حقوق مواطنيها مما يفقدها المصداقية والتأثير، لذلك لا بد أن تسرع الدول بتطبيق إصلاحات ديموقراطية تتوافق مع ظروفها وعاداتها، فعلى سبيل المثال تملك مصر فرصة كبيرة لتحقيق إصلاحات ديموقراطية تدريجية خاصة أنها تملك ميراثًا ديموقراطيًا حقيقيًا. وفي هذا السياق من المأمول أن تتاح الفرصة للفئات المهمشة (الأقباط والمرأة) بالمشاركة الفعالة في اتخاذ القرار وصنع مستقبل مصر.
* أن يتم فتح قنوات اتصال مباشرة بين شعوب المنطقة والشعب الأمريكي، فجزء كبير من غياب التأثير العربي في السياسات الأمريكية يتمثل في عدم وجود روابط شعبية ثقافية واجتماعية، وعلى العكس إسرائيل التي تقيم علاقات بين مواطنيها وبين الشعب الأمريكي مما يعد عامل ضغط في اتجاه اتخاذ سياسات منحازة تجاه إسرائيل.
Ishak_assaad@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع