إيلاف
استغل الخارجون عن القانون في مصر فترة الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 25 يناير لإنعاش تجارة المخدرات لاسيما بعد الإستيلاء على الآلاف من قطع الأسلحة من أقسام الشرطة التي جرى اقتحامها أثناء الثورة. وكان من شأن ذلك اشعال معارك نارية بين التجار وتنشيط تجارة الأسلحة.
منذ إندلاع الثورة المصرية في 25 يناير الماضي، وأصوات إطلاق الرصاص لا تنقطع من سماء القاهرة والمدن الكبرى. فلا أحد ينام في تلك المدينة المليونية إلا على طلقات النار من أسلحة محلية الصنع، ولاسيما سكان المناطق الشعبية والعشوائية حيث إنتشرت حمى إقتناء الأسحلة النارية بين المصريين، بسبب الإنفلات الأمني، وتقاعس غالبية المنتمين لجهاز الشرطة عن القيام بواجبهم في حفظ الأمن وكأنهم يعاقبون الشعب على القيام بثورته.
المخدرات والسلاح
وبسبب الإنفلات الأمني أيضاً، إنتعشت تجارة المخدرات، بعد أن كانت مصر تعاني من شح في مخدر الحشيش قبل إندلاع الثورة بعدة أشهر، وغالباً ما تنطلق المعارك بالأسلحة النارية بين تجار السموم، ولعل أحدثها ما وقع في قرية كوم أشفين مركز قليوب القريبة من القاهرة، حيث وقعت خلافات بين مجموعتين من تجار المخدرات، ونشبت معركة بينهما بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين بإصابات خطرة. وأقدمت إحداهما على إختطاف رجل وإبنه من الطرف الآخر، وعاش أهل القرية في حالة من الذعر، وعندما لجأوا إلى قسم الشرطة، لم تكن إستجابة الضباط على مستوى الحدث، فهاجم الأهالي القسم وأحرقوا سبعة سيارات تابعة للشرطة، وقطعوا طريق القاهرة -الإسكندرية الزراعي، ولم تنته الأزمة إلا بعد تدخل قوات من الجيش، لإعادة الهدوء للقرية.
لم يكن حادث قرية كوم أشفين إلا الأقرب زمنياً، ولكن سبقه العديد من الحوادث، كان أكبرها، ما وقع في منطقة مصر القديمة، وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية، حيث هاجم نحو 200 من البلطجية قسم الشرطة بالأسلحة النارية، محاولين تهريب قرابة 84 مجرماً كانوا هاربين من السجون أثناء الثورة، وآخرين قبض عليهم في أعمال بلطجة وتجارة مخدرات، وأسفرت محاولة إقتحام القسم عن مقتل شخص وإصابة نحو 13 آخرين.
وجهان لعملة واحدة
تجارة السموم والأسلحة وجهان لعملة واحدة، ينتعش كلاهما بإنتعاش الآخر، هكذا يقول مصدر أمني ل"إيلاف"، وأضاف أن البلطجية والخارجون عن القانون استغلوا فترة الإنفلات الأمني التي أعقبت يوم 28 يناير في إنعاش تجارتهم، لاسيما بعد الإستيلاء على الآلاف من قطع الأسلحة من أقسام الشرطة التي جرى اقتحامها أثناء الثورة، وأوضح أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات إستطاعت القضاء على 95% من تجارة الحشيش في مصر خلال النصف الأول من العام 2010، وصارت هناك أزمة في هذا المخدر بمصر خلال النصف الثاني من العام نفسه، ولكن بعد إندلاع الثورة نشطت تلك التجارة المحرمة مرة أخرى، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وجهت العديد من الضربات القاصمة لتجار المخدرات في سيناء ومنقطة القناة، حيث يتم توريد المخدرات القادمة من دول أسيا ولاسيما أفغانستان إلى مصر من خلال الحدود الشرقية للبلاد.
إستجابة ضعيفة لمبادرة تسليم السلاح
وحول إنتعاش تجارة السلاح، قال المصدر إن البلطجية والخارجين عن القانون إستولوا على كميات كبيرة من أسلحة أقسام الشرطة خلال إقتحامها أثناء الثورة، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية والمجلس العسكري أطلقا مبادرة لتسليم الأسلحة للدولة دون أن يتعرض الشخص إلى المساءلة القانونية خلال شهر يونيو الماضي، ولكن الإستجابة كانت ضعيفة، حيث تم الإستيلاء على 16500 قطعة سلاح من أقسام الشرطة، ولم يتم تسليم سوى نحو ثلاثة آلاف قطعة فقط.
وأكد أن القانون يطبق بحزم على من يضبط ومعه سلاح ميري أو غير مرخض، حيث يقضي القانون بالسجن 25 سنة لمن يضبط بسلاح آلي، و15 سنة لمن يضبط بسلاح غير آلي. ولفت إلى أن إنتشار الأسلحة النارية بأيدي الخارجين عن القانون يمثل خطورة شديدة على أراوح المواطنين ويساعد على إنتشار الجريمة، لاسيما في مناطق الصعيد التي تعاني من الثأر، المناطق العشوائية والشعبية التي تشتهر بتجارة المخدرات.
وزارة المخدرات وشؤون الدماغ العالية
لم يكن هناك دليلاً على توحش تجارة المخدرات في مصر بعد الثورة أفضل من تدشين صفحة على الفايسبوك تحت إسم "وزارة المخدرات وشؤون الدماغ العالية"، في تحدٍ واضح لوزارة الداخلية، وفضح لتقاعس الأمن عن مكافحة تجارة السموم، حيث يقول مؤسسوها "الشغل من غير مطاردة الشرطة ممل"، وتعلن الصفحة عن "تخفيض أسعار المخدرات نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر"، وتدعو المصريين إلى تعاطي الحشيش بدلاً من سجائر الملبورو قائلة "لا تشرب مارلبوروو وتنصر الأميركان، إشرب حشيش و إنصر الأفغان"، وتخاطب غير متعاطي المخدرات بالقول "هيجي عليك يوم وكل أصحابك اللي بيدخنو هيموتو، وهتبقي قاعد لوحدك ..اشرب أحسنلك.. بدل ما تعيش وحيد". وتضم الصفحة 294 عضواً، وتتخذ من سجارة حشيش مشتعلة تتوسط غصني زيتون شعاراً لها.
المخدرات متداولة
"المخدرات وخاصة الحشيش والبانحو وحتى الهيروين على قفا من يشيل"، هكذا تحدث ماهر "ن"، مصري كان يتعاطي المخدرات لكنه تعافي منها، وقال ل"إيلاف": إنه كان من الصعب قبل عام من الآن الحصول على قرش حشيش، وكان الإنسان يخيفه في الحذاء أو تحت لسانه، ولكن الآن هناك متعاطين وتجار يسيرون بالمخدرات في الشارع في عز الضهر بدون خوف أو حياء، خلاص الشرطة اتهدت وعينها اتكسرت، والبلطجية والمسلجين إتجرأوا عليها، والضباط اشتروا دماغهم، يعني الواحد فيهم هيجري وراء المسجل علشان إيه، ويعرض نفسه للخطر ليه؟
ماهر الذي رفض ذكر إسمه كاملاً قال: "الحمد لله تبت عن الهباب ده، لكن للأسف أعداد المتعاطين زاد بشكل كبير، لأن سعر المخدرات رخص، بعكس جميع السلع، صار المدمنون يشربون ليل نهار، والحل أن تعود الشرطة بكل قوتها، الشباب هيضيع.
و"السلاح والمخدرات مغرقين البلد"، إنه رأي تامر "ع"، شاب من منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، وقال ل"إيلاف": "أرخص شيء في مصر اليوم هو السلاح الميري الذي سرق من أقسام الشرطة أثناء الثورة، أي "الطبنجة" التسعة ملم ، لا يزيد سعرها عن 50 جنيه، رغم أن سعرها الحقيقي يصل إلى تسعة آلاف جنيه. لكن الأغلى هو السلاح المحلي الصنع، لأنه بدون رقم مسلسل، ومن الصعب الوصول إليه، وومن معه سلاح لن يفرط فيها، لأن مصر لم تعد آمنة، والشارع غدار، وكل إنسان بيحمي يحمي وبيته الآن، لأن الشرطة لا تعرف كيف تحمي نفسها. ونحن نرى كل يوم يتم إقتحام قسم من أقسام الشرطة، وتهريب مساجين، وقتل ضباط أو أمناء شرطة، لذلك الإستجابة لمبادرة "سلم سلاحك وإمشي"، لم كانت ضعيفة، كما أن الناس لا تثق في الحكومة، أي يذهب الشخص ويسلم السلاح وبعدها بشهر يتم إعتقاله بتهمة حيازة سلاح.
ظواهر طبيعية
ويرى اللواء حسن رفاعي الخبير الأمني أن إنتعاش تجارة السلاح والمخدرات من سمات المرحلة الإنتقالية في أعقاب الثورات أو الإنقلابات أو التغيرات السياسية الكبرى والمفاجئة، وأوضح ل"إيلاف" أنه عادة ما يحدث نوع من الفراغ الأمني في تلك المرحلة من تاريخ أي شعب، وتصبح قبضة الدولة على أجهزتها رخوة، ويكون هناك إهتمام بالأمن السياسي بالدرجة الأولى، مما يخلق نوعاً من التراخي فيما يخص الأمن الجنائي. وغالباً ما تحاول المجموعات الخارجة عن القانون وتجار المخدرات وتجار الدعارة الإستفادة من هذه الأجواء في إنعاش تجارتهم. وأشار رفاعي إلى أن هذه الفترة قد تطول وقد تقصر حسب الظروف السياسية التي تمر بها الدولة، فإذا كان إنقلاباً عسكرياً يتم السيطرة على الأوضاع سريعاً، ولكن في حالة الثورات الشعبية تستغرق المرحلة وقتاً أطول، حيث تستغرق الثورة وقتاً في الإنتشار في شتى مؤسسات الدولة، وإستبدال الرموز القديمة بشخصيات ثورية. ولفت إلى أن مصر من أقل الدول في إنتشار معدلات الجريمة حتى بعد الثورة، غير أنه حذر من أن طول الفترة الإنتقالية وعدم دوران عجلة الإنتاج وإنعاش الإقتصاد وتوفير فرص عمل قد يؤدي إلى تأصيل الجريمة في مصر.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=40015&I=868