جوزيف ستيجلتز: التحولات التي تشهدها مصر ستكون طويلة وصعبة

عماد توماس

الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل:
• المؤسسات الاقتصادية الدولية ساعدت على تشجيع الفساد في مصر من خلال دعم الخصخصة
• حل المشاكل الاقتصادية لا يمكن تأجيله إلى حين استقرار النظام السياسي وإصلاحه
• النموذج الاقتصادي الأمثل لمصريجب أن يوازن بين آليات السوق والتدخل الحكومي.


كتب: عماد توماس
قال الخبير الاقتصادي الأمريكي "جوزيف ستيجلتز"؛ الحائز على جائزة نوبل، إن التحولات التي تشهدها مصر وغيرها من البلدان العربية في إطار الربيع العربي ستكون طويلة وصعبة، مشبها ذلك بما عايشته الصين خلال الانتقال من نموذج الاقتصاد الاشتراكي إلى الرأسمالية، والذي اتسم بالتدرج على مدى 30 عامًا وحقق في النهاية نسب نمو عالية ومستقرة. جاء هذا في مستهل المحاضرة التي ألقاها بمكتبة الإسكندرية مساء الخميس تحت عنوان "مصر في عالم متغير".

 


وأكد "ستيجلتز"، على الدور الهام الذي تلعبه مختلف الآراء والاتجاهات في مساعدة الدول على التحول والانتقال الآمن، وهو ما يجب أن تأخذه مصر في الاعتبار، خاصة أن المشهد الاقتصادي العالمي بأسره يشهد تحولات كبرى، كما تواجهه تحديات، فهناك حركة احتجاجات واسعة في أوروبا والولايات المتحدة على إثر الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي تفجرت عام 2008، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم الأزمة العقارية في الولايات المتحدة وخسارة أكثر من 7 مليون أمريكي مساكنهم.
وأضاف ستيجلتز أن حل مثل هذه الأزمات التي تتشابه مع ما تمر به مصر يكمن في الاستخدام الأمثل والمتوازن للموارد، خاصة غير المستغلة، وهو ما يتطلب دورًا أفضل من الحكومات خاصة فيما يتعلق بتفعيل المزايا التنافسية للسلع والموارد.

 

وأشار إلى أن الإيديولوجيات تلعب دورًا في صياغة الخيارات الاقتصادية، فقبل أزمة 2008 كان هناك اعتقاد سائد في الولايات المتحدة وأوروبا بأن اقتصاد السوق ذو كفاءة عالية ويصحح نفسه بنفسه دون أي تدخل، وهو ما ينفيه تمامًا الاقتصاد كعلم. ومن ناحية أخرى، هناك أفكار متعلقة بالتشجيع على النمو الاقتصادي وتحقيق أكبر معدلات في هذا الإطار، في حين أن النمو لا يعكس بالضرورة ما يحدث في المجتمع، كما أنه لا يبين ما يحدث من تعارض بين مصالح الشركات والحكومات؛ حيث إن جزءًا كبيرًا من معدلات الناتج القومي الإجمالي كان يتمثل في الرواتب المرتفعة لبعض الأفراد الذين يديرون هذه الشركات.

وشدد ستيجلتز على أن حل المشاكل الاقتصادية في مصر في مرحلة ما بعد الثورة لا يمكن تأجيله إلى حين استقرار النظام السياسي وإصلاحه؛ إذ إنه إذا جار الجانب السياسي على الاقتصادي فإن هذا سيفاقم من أزمة البطالة ويجعل الأمور أسوء مما كانت.

 

وفيما يتعلق بالنموذج الذي يجب أن تتبناه مصر كسبيل لتنظيم اقتصادها، أكد ستيجلتز أنه لا توجد نماذج جاهزة أو إجابات سهلة، منوّها إلى أنه إذا ثبت لدى العالم أن النموذج الاشتراكي الذي تتحكم فيه الدولة في الاقتصاد قد فشل، فقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الأخيرة أن الاقتصاد النيوليبرالي قد فشل هو الآخر في إدارة الأمور.
وأوضح أن الديمقراطية في مصر ما بعد الثورة يمكن أن تتيح الفرصة لإثارة نقاش عام حول النموذج الاقتصادي الأمثل لتبنيه، وهو نموذج يجب أن يوازن بين آليات السوق والتدخل الحكومي. وضرب مثالاً ناجحًا بإندونيسيا بعد الثورة التي أطاحت بسوهارتو عام 1998، وكيف قامت الحكومة بتعديل سياسات الدعم التي اتضح أن الطبقات الغنية تنتفع بها على حساب الفقيرة، فقامت بقلب هذه السياسات من خلال إعمال آليات الديمقراطية والاستغلال الأمثل للموارد لحماية الفقراء.

 


واقترح ستيجلتز أن تدرس مصر نموذج الديمقراطية الاجتماعية السائد في أوروبا، وهو نموذج أثبت نجاحه خاصة في أوقات الأزمات وبدأ يلقى رواجًا فيالولايات المتحدة. ويتم في هذا النموذج تقاسم المخاطر والخسائر بين المجتمع والحكومة حتى في حال انخفاض معدلات الناتج القومي الإجمالي، ويتم إيلاء اهتمام كبير برأس المال البشري وهو ما تمتلكه أي دولة، كما أنه يركز على جوانب المساواة التي يؤدي غيابها إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

 


ونوّه إلى أن المساعدات الخارجية سواء في شكل أموال أو أفكار يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في دعم الاقتصاد المصري، إلا أنه نادى بعدم قبول كل ما يوجه لهم من مقترحات، بل يجب طرح الأمور للنقاش المجتمعي العام للحيلولة دون فرض الخارج أجندته الخاصة.
وقال إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدءا يشهدان تغيرات فكرية عميقة، أهمها التركيز على ضرورة استهداف العدالة الاجتماعية ومراعاتها في صياغة السياسات الاقتصادية بما يضمن الاستقرار، وكذلك اتجاههما نحو تقبل فكرة فرض بعض القيود على حركة رأس المال عبر الحدود.