جرجس بشرى
بقلم: جرجس بشرى
يشهد التاريخ على أن الأقباط هم أصل مصر وعبق تاريخها.. وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أنهم مواطنون وليسو بمستوطنين أو هابطين على البلد من كواكب أخرى، فحقوق المواطنين شيء وحقوق المستوطنين شيئًا آخر، فحقوق المواطنين الأصليين في أي بلد من بلدان العالم يجب أن تـُحتَرَم احترامًا ويكون لها الأولوية والسبق وِفقًا لمبادئ العدالة ومواثيق حقوق الإنسان والشرعية الدولية واجبة النفاذ.
والمُتأمِل في ما يحدُث للمسيحيين المصريين في وطنهم تـُصيبه الدهشة، بل والإشمئزاز، لما آل إليه حالهم من سيئ إلى أسوأ في ظل حكومات مُتعاقبة بيتت النية على تهميشهم وإقصاءهم، وكذلك في ظل برلمان ديني يستند في كل قراراته وتشريعاته إلى المادة الثانية من الدستور، وهي المادة الخاصة بالشريعة الإسلامية.. هذه المادة التي كان لها بالغ الأثر في تهميش وتغييب المسيحيين المصريين عن السُلطة ومراكز صناعة القرار في بلدهم، وكذلك في حرمانهم من حقوقهم المشروعة في حُرية العبادة ومُمارسة الشعائر الدينية وحرمانهم حتى من ترميم كنيسة !!
فالدستور الذي يقول أن الإسلام دين الدولة، لا يمكن أن يعترف بأديان أخرى عمليًا، مستحيل أن يعترف بحقوق المواطنين من أتباع الديانات، لقد حولت هذه المادة الحكومة إلى حكومة دينية تستند في كل قراراتها إلى آلية الفتوى، وجعلت البرلمان برلمانًا دينيًا بحتًا يستند هو الآخر في كل قوانينه وتشريعاته إلى آلية الفتوى، وهو الأمر الذي يُفرغ مادة المواطنة التي تم إقرارها مؤخرًا في الدستور من مضمونها وأهدافها، ليجعلها (في ظل وجود المادة الثانية) إلى مواطنة ولكن بمرجعية إسلامية بحتة، وبالتالي لا حقوق كاملة للمسيحيين المصريين والأقليات الدينية المصرية الأخرى في وجودها.
إنها مهزلة بكل المقاييس وجريمة إنسانية وفضيحة كبرى أن يوجد مسيحيون بمصر يصل تعدادهم إلى ما يقارب الـ 15 مليون نسمة ولكنهم لا يجدون من يمثلهم أو ينوب عنهم في البرلمان، وهو الأمر الذي يعكس عدم الاعتراف بهم وبحقوقهم وبديانتهم في الأساس، فغياب الأقباط عن البرلمان والمناصب ومراكز صناعة القرار ما هو إلا ترجمة فعلية لغياب الإرادة السياسية التي تحاول ثبت لنا أنها تحاول جاهدة للمُضي قـُدماً في تمرير مخطط جهنمي آثم يتم تطبيقه منذ السبعينات على الأرض لعزل وتهميش وإقصاء الأقباط في وطنهم.
ولقد أثبت القانون الذي أقره مؤخرًا مجلس الشعب والذي طالب به رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك (رئيس الحزب الوطني الحاكم) بتخصيص كوتة للمرأة (64 مقعدًا للمرأة بالبرلمان)، أن الإرادة السياسية يمكن أن تفعل الكثير للأقباط دون أن تخرج علينا من وقت لآخر بحجة أن الثقافة العامة غير مُهيأة لذلك، وهي حجة واهية وغير مقبولة لأن الحكومة أو البرلمان يمكن أن يخرجا علينا بقوانين وقرارات حتى ولو كانت دون إرادة الشعب وثقافته.
وما أريد أن أقوله أن تغييب الأقباط في وإقصائهم عن حقوقهم المشروعة في وطنهم جريمة ستُلاحق الحكومة وبرلمانها وقيادتها السياسية إن عاجلاً أم عاجلاً.
http://www.copts-united.com/article.php?A=4115&I=111