د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: صبري فوزي جوهرة
صدر أخيرًا حُكم المحكمة الإدارية المصرية في قضية الأستاذ "بيتر أثناسيوس" الذي طالب فيه الجهات الإدارية المختصة بإصدار وثائق تبين أنه مسيحي الديانة، وكان الحكم كما توقع العبد لله في غير صالح المدعي. جاء ذلك بعد مناورات عديدة وسفيهة من جانب المحكمة مثل الإصرار على تقديم شهادة من الكنيسة القبطية بقبولها الأستاذ بيتر كعضو فيها ذلك بالرغم من أن هذا الشرط الغريب لا يقابله طلب مماثل من المتحولين من المسيحية إلى الإسلام بضرورة قبول الأزهر أو حتى فقي ترب بأن المهدي الجديد إلى الإسلام قد قُبل بين جماعة المؤمنين. كانت هذه المبادرة الغريبة من المحكمة هي أخر الحيل التي لجأت إليها لتعجيز الأستاذ بيتر وممثليه، وعندما أحضر بيتر للمحكمة لبن العصفور المطلوب لم تجد أمامها مفرًا سوى أن تصدر الحُكم المجحف وغير المنطقي وخلاص.
وبالطبع لم تخجل المحكمة الموقرة من حكمها البذيء حيث أنه من المتعارف عليه في مصر إن اللي اختشوا ماتوا وربنا يطول في عمر المحكمة وينفخ في صورتها لتبقى حامية للنظام العام.
جاء الحُكم بناءًا على مبدأ غريب وهو تعارض طلب المدعي مع "النظام العام"، وبالتالي أصبح من المتوقع أن يلتزم جميع سكان البلاد الذين يحترمون القانونألا يسلكون بما يخالف هذا النظام العام وإن كان ليس في سلوكهم هذا ما يؤثر بالسلب على حرية الآخرين أو سلامة الدولة.
يعني لو كان النظام العام أن ينتعل الجميع "زنوبة" فإن تجاسر أحدهم وسار بحذاء في الشارع فليس له إلا أن يلوم نفسه على هذه الفعلة الشاذة وهو بذلك يعرض ذاته للمقاضاة من أهل الحسبة الأفاضل أمثال الشيخ يوسف البدري أو الربع متر نبيه الوحشمجبرين إياه أن يعود للبس الزنوبه وهو وقدميه صاغرين مع الالتزام بمصاريف المحكمة كمان!
يغضب المسلمون عند سماع لفظة الـ islamo-fascism هذا بينما الفاشية في تعريفها ليست سوى إخضاع الفرد تمامًا في كافة سلوكياته لدكتاتورية مركزية، فهل من مثال لهذا التعريف للفاشية أكثر موائمة مما حكمت به المحكمة الموقرة؟
يجيء بعد ذلك سؤال آخر وهو: ما هو أصل هذا "النظام العام" الفاشي؟ هل هي الشريعة الإسلامية التي فُرضت على كل المصريين كمصدر رئيسي لدستور بلادهم كما تنص عليه مادته الثانية؟أم أن الأمر مجرد تقليد اجتماعي غير ملزم بطبيعة مصدره غير الإلهي؟ وتعارف عليه المجتمع المصري من جانب واحد في مجتمع متعدد المعتقدات مقتضاه أن التحول إلى الإسلام هو "العام" وما جاء عكس ذلك فهو مُخل وغير مُصرّح به؟
ماذا سيكون رد فعل السُلطات الملزمة بتطبيق أحكام القانون -وأنا عارف أنه يطبق على البعض ويستثنىَ منه القادرون وأنه يطبق منه سطر ويتساب صفحات، مثل انتخاب المليونيرات في مجلس الشعب على أنهم من العمال أو الفلاحين-!! وكيف ستتعامل الدولة السُنيّة مع بيتر أثناسيوس وهو داخل خارج من الكنائس؟ هل سيُقبَض عليه أم ستغلق الكنائس أو الاتنين مع بعض؟ أم أن السلطات هتطنش وستتغاضى عن اعتباره مسلمًا بيدخل كنيسة رغم حكم القانون العادل فتفسد هذا الحكم وتبيح الاستخفاف به والتجاوز والتغاضي عنه وتبهدل هيبة العدالة أكثر ما هي متبهدلة يا ولداه؟
كيف ستفرض الدولة على بيتر أن يغير ما تأصل في ضميره وما سكن داخل قلبه؟
ماذا سيقول الرئيس مبارك للرئيس أوباما الذي أوصى في خطابه بالقاهرة باحترام حرية العقيدة؟ طبعًا هيقول له إن فخامته لا يتدخل في القضاء... وطبعًا عايز أوباما اللي عارف دبة النملة في مصر يصدقه!
ثم إن كان القضاء أعرج والرئيس مبارك هو بتاع كلهقضاء وتشريع وسلطة تنفيذية وأتوبيسات أبو رجيلة بتاع زمانألم يحن الوقت أن يمارس الرئيس صلاحياته في إصلاح الحال المايل؟
لمن يلجأ بيتر أثناسيوس الآن بعد أن خذله المنطق المعوج وانقلب عليه القضاء الفاسد؟ هل سيتهمه الإخوة عمرو وعماد دياب بالخيانة والعمالة وغيرها من الصفات الحميدة لو كان في لندن أو باريس أو واشنطن وراح كنيسة قبطية يصلي يوم الأحد وسأله أحد الخبثاء؟؟، وما أكثرهم بين الكفرة.
كيف تصلي في كنيسة قبطية وقد حَكَمَ عليك قضاء مصر أنك مسلم وموحد بالله؟؟ فإذا أفصح لهم بيتر بما في صدره وروىَ لهم قصته مع القضاء المصري فهل يدخل ذلك في نطاق "الاستقواء" بهم فيستوجب الردح البولاقي من جهابذة الإعلام المصري ونجومه اللامعة؟ (طبعًا اللمعان مش من المخأنتم شوفتوه جاي منين).
وإن كان الدستور المصري القائم هو مصدر بلبلة وتعارض وتخبط في الأحكام بسبب مادته الثانية وغيرها من النصوص الفصامية الأخرى -وهو كذلك بلا أدنى شك- فلماذا لا يعدل بما لا يغضب المسلمين ويحقق العدالة والمساواة لغيرهم في البلاد كما هو شأن الشعوب المتحضرة.
المهمزيادة احتياط ومنعًا للخبطة أبقى يا بيتر صلي الأجبية في الجامع اللي جنب بيتكم.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4174&I=112