محبة مترى
إعداد: محبة مترى
أخوتى الأحباء كثيرا ماينتابنا الحزن والألم لرحيل أنسانا عزيزا علينا وانتقاله للسماء , حقا هى ارادة الله ولكننا نتالم لفراقه ونتسائل عن حكمة الله من هذه التجربة , وقد فقدنا منذ ايام أخ عزيز علينا جميعا وحزننا لفراقه وهو الاستاذ جورج توما, هذا الانسان المحب المحبوب الوديع الذى امتعنا باشعاره وكلماته التي كانت سيلا من المشاعر المتدفقة ,لكن عزاءنا أنه فى احضان الرب يسوع.
فى يدى الآن كتاب " طريق السماء " للأب منسى يوحنا وهو من كتب التراث الكنسى ,وقد قرأت هذا الكتاب القيم عدة مرات وأدعوكم لقراءته لما به من معانى روحية رائعة وحكم عن ضرورة الاستعداد للموت و الحذر من خداع الدنيا وغرور الحياة فهي بخار يظهر قليلا ثم يضمحل, وقد ولد هذا القديس فى قرية هور بمدينة ملوى وعاش فى الفترة من 1899 الى 1930 وكرس حياته لخدمة المسيح وكنيسته منذ سن السادسة عشر, ورسم كاهنا لكنيسة ملوى سنة 1925 وكانت حياته سلسلة من الجهاد والخدمة المتواصلة وكانت له مكانة سامية فى نفوس الشعب بسعة علمه وتواضعه الجم, ومن العجيب أن معظم مؤلفاته العظيمة تتحدث عن السماء وان الحياة على الارض مهما طالت قصيرة وفانية, واننا غرباء عليها ويجب علينا الاستعداد لمقابلة الهنا فى اى وقت, كأنه كان يعلم أن حياته على الارض قصيرة جدا, فقد مات فى ريعان شبابه فى يوم 16 مايو 1930 بعد ان تحدث الى اسرته واحبائه بانه سيموت الليلة شأنه شأن القديسين والابرار وبالفعل انتقل فى الموعد الذى ذكره وسط دموع الاف من محبيه وشعب كنيسته من كل الطوائف والديانات.
سأكتفى بذكر بضع فقرات من كتابه طريق السماء وادعوكم لقراءته وقراءة باقي مؤلفاته مثل شمس البر, وقارورة طيب كثير الثمن.
يقول الأب منسى يوحنا:
*- أن كثيرين يميلون الى الخلود والبقاء فى هذه الدنيا ولكنهم لايدركون حقيقة حالهم فان نظرة واحدة الى قبور الذين سلفوا, ولفتة صغيرة الى توابيت الموتى النى تمر بنا فى كل ساعة تكفى لان تقنع قلوب الجميع بأنهم على هذه الآرض سائحون ولابد يوما يرتحلون منها لأنهم " بنسمة الله يبيدون وبريح أنفه يفنون" (أي 4: 9).
*- قال الرسول بولس" لاننا نعلم انه ان نقض باب خيمتنا الارضى فلنا في السموات بناء من الله غير مصنوع بيد أبدى" (2كو5: 1 )
وباب خيمتنا الارضي الذى يشير اليه بولس يقصد به ثلاثة منازل نسكنها مادمنا فى هذه الحياة, وهى تحقق لنا الفناء وتؤكد لنا الزوال:
الأول: هذا العالم السفلى العنصرى الذى يشهد عنه الكتاب الآلهى بانه لابد ان يبيد ويزول بقوله" ولكن سيأتى كلص فى الليل يوم الرب الذى فيه تنزل السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الارض والمصنوعات التي فيها فيها" (2 بط 3: 10) ومن ذلك ينبغي حيث ان ارواحنا غير قابلة للفناء ان نهتف" ليس لنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة"
الثاني: منازلنا المادية التي نسكنها ومهما بذلنا بها جهدا لابد ان نتركها كما يقول القديس اوغسطينوس " لاتقل ان بيتك هو ملكك لأنك ورثته من أبيك لأن ذلك يدل على ان اباك قد جاز فيه وتركه ومضى وهكذا أنت تجوز فيه وتتركه لأبنك وهو أيضا يعبر فيه جائزا ويتركه لغيره.
الثالث: جسدنا هذا المائت القال الفساد. ليس هو مسكن ارواحنا على حصر الكلام بل هو بمنزلة المظلة كقول بولس الرسول " عالما أن خلع مسكنى قريب كما أعلن لى ربنا يسوع المسيح"( 2 بط 1 : 14 ).
فأذن أين هو منزلك الحقيقي؟ ليس هو الا اللحد لجسدك والمسكن الابدى لروحك.
*- فلا تغتر ايها الغريب بما يقدم لك من الاكرام فى ارض الغربة لأن الغرباء حين وصولهم الى دار غربتهم يقبلون فيها بفرح ولكن حين ارتحالهم منها يحاسبون حسابا عسيرا. هكذا انت اعتبر نفسك غريبا مهما كان لك من المجد والغنى وثق انك منطلق الى أب والى ديار مخصبة ذات منظر بهى.
*- أن المسافر الفطن اذا جاز فى بلدة اخذ معه منها مايتمكن من أخذه , أو ارسل أمامه الى وطنه كل ما استطاع ارساله مما يجده ثمينا, كذلك يجب علي كل انسان باجتيازه في هذا العالم ان ياخذ معه ما استطاع من ثمين الاعمال الصالحة. حقا ان الانسان سيخرج من الدنيا فارغ اليدين من كل شئ فى العالم ولكن يمكنه ان يخرج وقلبه مملوء من الايمان ويداه تحملان ثمر ايمانه.
*- ومما يدهش أن كثيرين من الذين غاب اسم الموت من امام عيونهم أذا قلت لهم أن فلانا مات يبدون استغرابا كأنك اخبرتهم بان ليس من العادة وقوعه ولذلك يبادرونك بقولهم وكيف مات؟ لايستفهمون بذلك عن سبب الموت بل عن الموت نفسه. ولو قلت لهم أن فلانا طار فى الجو لما وقعوا فى الاستغراب وقوعهم فيه عند ابلاغهم خبر موته, ويبدون استغرابهم بان يقول أحدهم لقد رايته بالامس, ويقول آخر لقد شاهدته اليوم, فهم يظنون بان الموت عاجز عن ان يهد قوى الانسان فى لحظة ويرديه فى برهة من الزمان وذلك دليل على املنا الباطل يتغلب فينا على علمنا الحقيقى بان نموت . قال القديس اوغسطينوس : الاغصان تسقط من الاشجار والاحجار من الابنية فلماذا نسغرب موت البشر أهل الفناء؟
*- اِ علم وان كانت الطبيعة تجود عليك بالنعم بالرغم من شرك قتعطيك الشمس نورها وحرارتها, والارض اثمارها وغلاتها , والهواء نسيمه والمياه قوتها فذلك لان الله مازال يشفق عليك ويمهلك راجيا أن ترجع عن اثمك تائبا .
*- فى مستقبل العمر ونضارة الشباب يقول الانسان لنفسه لا اتقيد من الآن بالدين واضيق الخناق علي نفسي فحينما تأتينى الشيخوخة حينئذ اتوب . ولكن هل الحياة مضمونة للشبان؟ كم من الشبان ماتوا في فجر حياتهم؟ اذهبوا الى القبور واسالوها عمن ضمتهم بين جوانحها فتجيبكم اني اضم اناس من كل طبقة؟, من كل سن فلا فرق عندي بين شيوخ وشبان واطفال ورجال ونساء, الكل عندي علي حد سواء.
*- اما طريق المجد السماوى فهو السيد المسيح لانه الطريق والحق والحياة ( يو 14 : 6) فعلى من يرغب الوصول الى المجد أن يترك السير وراء العالم ويتبع المسيح مقتفيا آثاره وسالكا سبله, ولايهتم بمجد العالم ولا يعبأ بزخارفه الفانية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4185&I=113