بقلم: اسامه انور عكاشة
لم تكن الفرحة التي زغردت في قلوب المصريين وطارت بهم جميعًا علي أجنحة من النشوة واستعادة الثقة بالنفس مجرد فرحة تأخذ مداها ثم تنداح علي أرض تتلمس قطرة الماء في هجير صيف مشتعل. فرحنا حتي ضجت ضلوعنا بفرحة انفجارية أشبه بالهيستريا.. لم لا؟ وقد انتصرنا في معركة هي المجال الوحيد الذي يمكننا فيه أن نحقق انتصارًا من أي نوع وليس أقرب من ملاعب كرة القدم إلي تحقيق المراد بعد أن فقدنا الأمل في باقي ميادين النضال سواء في العلم أو الفكر أو البحث التجريبي في أي مجال من مجالات العلوم.
مازلنا نستطيع أن نقيم سورًا بأربع زوايا فيه مرميان متقابلان ومازلنا نستطيع أن نجمع الجماهير »من خلال الباصة الشعبية أو الدعوة الحقيقية لمباراة »ماتش« بحق وحقيقي ومازلنا قادرين علي اللعب بالأمبوبة وركلها بحرفنة وترقيصها بالاصبع والكعب لننتزع الآهات من الأفواه والحناجر التي صامت دهرًا عن الصراخ إلا هتافًا للحاكم وتحت ضغوط الإدارة وقبضتها الحديدية« وحين انتصر الفريق القومي في بداية منافسات بطولة القارات التي اقيمت في بريتوريا انتصارًا معنويًا حين تحدي الفريق البرازيلي حتي كاد يتعادل معه واقترابه إلي هذا الحد من سادة الكرة في العالم يعد في حد ذاته انجازًا مبهرًا لأولاد الغلابة من شعب يجيد صنع الكور الشراب فما بالك وقد دخل بعدها للفهد الايطالي البطل الرسمي للعالم في عرينه ليوقع به الهزيمة »المفاجأة«!! حينها جن جنون الفرح وركع المصريون جميعًا شكرًا لله الذي كافأهم ولملم جراحهم ومن عليهم بفرحة ظنوا أنها بداية عصر كامل من الانتصارات الكروية »وهو تعويض منه سبحانه وتعالي عن خيبات متكررة وصدمات متوالية ويكفينا أن نحتفظ بها حتي تصبح ساحتها إرثًا لنا ولأولادنا وقلنا جميعًا ونحن نتبادل التهاني »اللهم ديمها نعمة واحفظها من الزوال« لكن لم نكد نكمل العبارة حتي فجعنا بمن ينادي في الحي: أن أدركوا الخيبة ليس فقط لأن فريق الكرة الأمريكي قد أوسعنا في اللقاء الأول بعدها ضربًا في علقة ساخنة لم ينلها ولا مؤاخذة »حمار في مطلع« ولا »حرامي في مولد« ولا »نشال في أتوبيس«.
بل لأن الخيبة الكروية قد صحبتها فضيحة مخجلة من الوزن الثقيل إذ خرج إلي الناس عبر شاشة الأوربت الإعلامي ذائع الصيت عمرو أديب ليعلن في غضب رأيناه يرتجف في ارتعادة شفاهه واشتعال النار في نظراته واختناقة الدمع في صوته المتهدج وألقي في وجوهنا جميعًا ضغثًا علي إبالة فالمأساة ليست كروية فقط وعمرو يقول إن فريقنا الذي يمثلنا في ربوع الجنوب الافريقي هناك حيث قدم رئيس الوزراء السابق »تامو أمبيكي« احترامه بالنيابة عن شعبه لكفاح الرئيس المصري جمال عبدالناصر من أجل افريقيا وثوار افريقيا وأصحاب قضايا الاستقلال والحرية هناك حيث رفع الستار من شهور عن تمثال جمال عبدالناصر تكريمًا للشعب المصري كله ولم يكن يدور في أذهانهم أنهم بعد أشهر قليلة سيوجهون الاتهام إلي هذا الشعب بانغماس أفراد فريقه القومي للكرة في مجموعة من الرذائل والدنايا الاخلاقية المشينة وقد قال عمرو ما هو أكثر تحديدًا ولم يتورع عن رمي الفريق كله بالنجاسة وقال نصًا ما معناه أن السادة اللاعبين لعبوا مباراتهم ضد الولايات المتحدة الأمريكية وهم انجاس والنجس لا يفوز.
لن أصدق أن ما أسمعه صحيح لولا انني أعرف أن عمرو صحفي عتيق يدرك أبعاد ومسئوليات مهمته جيدًا وأنه لم يتعود أن يلقي القول علي عواهنه وأنه لا يمكن أن يفتح ملفا علي هذا القدر من السخونة والحساسية دون أن يكون هناك مرجعية تحمل جزءًا من الحقيقة إن لم يكن كل الحقيقة. الاتهام مفجع والكلمات ثقيلة وقاسية ويصعب علي نفس أي مصري أن يتخيلها بله أن يصدقها عمومًا لم يكد عمرو ينتهي من أطروحته النارية والناس مازالت صامتة واجمة كأن علي رؤوسها الطير إذ خرج علينا أطراف القضية الآخرون بدورهم كان غضبهم مشتعلا وبدورهم ردوا بقسوة وهدد بعضهم بسلوك كل مسلك يرد لهم (كرامتهم المسلوبة) وقرروا بداية أن يرفعوا قضية قذف ومعاداة أصول وتقاليد المهنة والموقف القانوني هو آخر ما يفكر فيه المصريون الآن لا أعتقد أنه يشغلنا الآن موضوع هل فعلوا أم لم يفعلوا وهل كان عمرو أديب صادقًا مؤمنًا بأنه علي حق أم أنه سقط في كمين أعده له البعض من أصحاب النوايا الخبيثة. المشكلة التي تشغل كل منا اليوم هي إذا كنا نبرع إلي هذه الدرجة في تلويث وجوهنا بأيدينا وخمش وجوهنا بأظافرنا فلماذا لا نركز علي هذا الفن لنكون أسياده ورواده ـ أقصد فن الانغماس العلني في الفضائح ولنسمه مثلاً التابلويد الفضائي؟ وسيؤدي هذا بالطبع إلي رواج قضايا القذف ورد الاعتبار والتعويضات المتبادلة.. مش بالذمة أحسن وبدلاً من الشرشحة وارتكاب أفعال تسفيه الذات و»اللغوصة« في كل ما تصل إليه أيدينا بعد العبث داخل صناديق المهملات؟ فيا نار داومي اشتعالك فبعض النيران تحرق لتطهر أليس هذا التطهر أهم وأنفع من البحث وراء كلمات أديب الثائرة وردود زاهر ورفاقه الساخطة؟
*نقلاً عن جريدة الوفد
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4492&I=121