عماد خليل
كتب: عماد خليل - خاص الأقباط متحدون
أصدر مركز الأرض لحقوق الإنسان تقريرًا خاصًا بظاهرة الهجرة غير الشرعية ورصد من خلال الأول والمعنون بـ ظاهرة الهجرة غير المنظمة (التعريف والحجم ـ المواثيق الدولية ـ الدوافع والأسباب) حيث أشار إلى دوافع الشباب لهذه الهجرة وازدياد أعدادهم خاصة من دول العالم الثالث، موضحا أن تناقص وتدهور فرص وأوضاع العمل، وزيادة حدة الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة، وارتفاع الوعي بهذه الفوارق، وكون السفر أصبح متاحا للجميع بسبب التقدم الذي حدث في الاتصالات الدولية ووسائل السفر، وفي الوقت الذي تقلصت فيه منافذ الهجرة المنظمة، كلها دوافع ساعدت وبشكل كبير على زيادة معدلات الهجرة غير المنظمة.
ثم تعرض التقرير لتعريف الهجرة في علم السكان (الديموغرافيا) بأنها الانتقال -فرديًا كان أم جماعيًا- من موقع إلى آخر بحثًا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا أم سياسيا. أما في علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها.
وبيّن التقرير أنه يصعب تحديد حجم الهجرة غير المنظمة نظرًا لطبيعتها، ولكون وضع المهاجر غير النظامي يشمل أصنافًا متباينة من المهاجرين فمنهم: الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية دول الاستقبال ولا يسوون وضعهم القانوني. والأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية. والأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
وكشف التقرير عن تضارب التقديرات بشأن الهجرة غير المنظمة، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص. وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل لنحو 1.5 مليون شخص.
وتقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص.
وأظهر التقرير توقعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير أصدرته مؤخرًا ازدياد الهجرة غير المنظمة جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم الآن والتي لا يمكن تقدير حجم هذه الزيادة نظرًا لطبيعتها، لكنها أكدت أن حوالي 15% من المهاجرين في العالم غير نظامين.
كما تعرض التقرير في إطار هذا المحور إلى الهجرة غير المنظمة في المواثيق الدولية حيث أشارت ديباجة دستور منظمة العمل الدولية التي تأسست عام 1919 إلى حماية مصالح العمال المستخدمين في بلدان غير بلدانهم. وهناك جملة من الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي تجعل من أهدافها حماية حقوق العمال المهاجرين ومنها الاتفاقية الدولية رقم (97) لسنة 1949 بشأن الهجرة للعمل، وتعتبر من أهم الاتفاقيات التي عالجت موضوع الهجرة، حيث دخلت حيز التنفيذ في مايو 1952م وبلغ عدد الدول التي صادقت عليها (43) دولة من بينها دولة عربية واحد فقط هي الجزائر.
والاتفاقية الدولية رقم (143) لسنة 1975 بشان العمال المهاجرين (أحكام تكميلية) والتي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 1978 ولم تصدق أي من الدول العربية عليها، وتركز هذه الاتفاقية على الهجرة غير المنظمة والجهود الدولية المطلوبة لمقاومة هذا النوع من الهجرة، كما تركز أيضا على تحقيق المساواة في الفرص والمعاملة بين العمال الموطنين وغيرهم. والاتفاقية الدولية رقم (111) لسنة 1958 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 1960 وهي من الاتفاقيات العامة التي تدعو إلى تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام والمهنة والقضاء على أي تمييز.
وأوضح التقرير أهم بنود وأحكام الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم والتي من بينها التأكيد على أن يتمتع العمال المهاجرون بمعاملة لا تقل مراعاة عن المعاملة التي تنطبق على رعايا الدولة من حيث الأجر وشروط العمل والاستخدام الآخر وفق المادة 25، وتؤكد الفقرة (3) من المادة 25 إلى أن ضمان حقوق العمال المهاجرين يجب أن تصان حتى وإن خالف العامل المهاجر شروط الإقامة أو الاستخدام، وكذلك الحق في الضمان والتأمين الاجتماعي المادة 27 حيث نصت على تمتع العمال المهاجرون وأفراد أسرهم بنفس المعاملة لرعايا الدولة.
وعن أهم الدوافع والأسباب لهذه الظاهرة كشف التقرير عن وجود ارتباط وثيق سوف تظهر آثاره تباعًا في الأيام القادمة بين الأزمة المالية العالمية وقضية الهجرة الدولية سواء كانت نظامية أو غير نظامية، فالأزمة سوف تدفع بالملايين من الشباب إلى قوائم العاطلين ليزداد العدد العالمي لهم خاصة من الدول النامية ولا شك أن هؤلاء سوف يبحثون عن أي مخرج لهم، ومن ثم تأتي الهجرة كأحد الحلول أمام اليائسين الذين يبحثون عن فرصة عمل في أي مكان وبأي ثمن يدفعونه حتى ولو كلفهم الأمر حياتهم.
وأكد تقرير الأرض أن ملف الهجرة الدولية سوف يشهد تطورات مثيرة في الفترة المقبلة، حيث قدر الخبراء أن حجم الهجرة الدولية يقدر بنحو200 مليون شخص نصفهم مهاجرون من أجل العمل، فيما يشكل الباحثون عن اللجوء السياسي7% والنسبة المتبقية تشمل عائلات المهاجرين، وبالنسبة لاتجاهات الهجرة نجد أن33% من إجمالي المهاجرين الدوليين ينتقلون من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال و32% ينتقلون من بلدان الجنوب إلى بلدان الجنوب.
وعن عوامل الطرد والجذب أكد التقرير على: أنه توجد عدة عوامل أساسية تسمى عوامل الطرد والجذب تقف وراء ظاهرة الهجرة الدولية بشكل كبير، حيث تشمل عوامل الطرد البطالة والتشغيل المنقوص والفقر في البلدان المرسلة وكذلك نمو السكان وما يرافقه من نمو القوة العاملة.
أما عوامل الجذب -خاصة في بلدان الشمال الغني- فتشمل زيادة الطلب علي العمل في بعض القطاعات والمهن، فأسواق العمل تستورد مهاجرين في ظل عدم قدرة العرض فيها علي تلبية الطلب على نوعية معينة من العمال، وهناك أيضًا عوامل الشيخوخة التي تزحف على دول الشمال وبالذات في أوروبا الغربية واليابان، كذلك ارتفاع مطرد في معدل الأعمار مما يؤدي لانكماش قوة العمل وزيادة أعداد الخارجين من سوق العمل.
ويستعرض التقرير في محوره الثاني أوروبا العنصرية والهجرة غير المنظمة عدة إشكاليات تؤكد جميعها على عنصرية القارة الأوربية في التعامل مع هذه القضية التي تمس دول الجنوب ومن بينها مصر رغم استفادة القارة الأوربية وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على اختلاف أنواعها، وتتمثل هذه النقاط المطروحة للعرض وفق هذا المحور، ازدواجية الخطاب الأوروبي، والإشكالية الديمغرافية، والورقة الخضراء، والميثاق الأوروبي، والهاجس الأمني، ومفارقة تتعلق بالتأكيد على وضعية وحقوق المهاجرين في بلدان المهجر الذين أصبحوا يمثلون لها قيمة مضافة وليس عبئًا عليها كما تدعي.
ويوضح التقرير من خلال محوره الثالث الهجرة غير المنظمة حلم شباب مصر وحتفهم على تنامي ظاهرة الهجرة غير المنظمة خلال السنوات الأخيرة رغم مشقة هذه الهجرة وآثارها الوخيمة، سواء الموت غرقًا أو السجن، إلا أن هناك إقبالاً كبيرًا من الشباب المصري على الفرار من أرض الوطن إلى حيث المجهول وهو فرار من واقع بائس ظنه الشباب خلاص طالما ضاقت بلادهم عليهم ولم يجدوا قوت يومهم.
ومن هنا بات مشهد القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبي الهجرة مشهد يتكرر في مصر، حيث يستقل هؤلاء الشباب بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلى ليبيا ومن هناك إلى أوروبا أو للسفر بها إلى قبرص أو اليونان أو ايطاليا مباشرة.
وأوضح التقرير أن الإحصائيات الدولية تقدر عدد الشبان المصريين الذين نجحوا في دخول العديد من دول الإتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية بنحو 460 ألف شاب من بينهم نحو 90 ألفًا يقيمون في إيطاليا بشكل غير رسمي.
وقد سجّلت إحصائيات الأمن الإيطالية وحدها في الربع الأول من العام الحالي استقبال سواحل كالابريا 14 زورقًا محملة بأكثر من 1500 مهاجر غير نظامي معظمهم من المصريين، وبلغ إجمالي عدد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا ايطاليا عام 2007 وحده عن طريق البحر نحو 1419 مهاجرًا لقي 500 مهاجر مصرعهم في البحر المتوسط، مقابل 302 مهاجر فقط خلال عام 2006 بأكمله.
ويشير التقرير إلى أن عدد الشباب المصريين الذين تم ترحيلهم من دول جنوب إفريقيا خلال عام 2006 بلغ 6748 شابًا وهناك حوالي 8 آلاف شاب من إحدى قرى محافظات مصر يقيمون في ميلانو الإيطالية وحدها.
هذا وقد بلغت حوادث الهجرة غير المنظمة خلال عام 2008 في مصر وفق إحصائية لمركز الأرض 76 حادثة أسفرت عن غرق 503 مواطن، وفقد 527 آخرين، وتعرض 2941 شخص للنصب من قبل عصابات تسفير الشباب.
وعن مراحل ظاهرة الهجرة في مصر أظهر التقرير أن العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي شكلت مرحلة حاسمة في رسم معالم جديدة للهجرة المصرية إلى الخارج وخاصة إلى حوض المتوسط، حيث تميزت بتسجيل تدفق واسع لأنواع الهجرة من الجنوب وهو ما يمكن تقسيمه إلى ثلاث محطات زمنية مترابطة ومتداخلة وهي:
المرحلة الأولى (قبل 1985) حيث كانت الدول الأوروبية لا تزال بحاجة ماسة إلى مزيد من العمالة القادمة من الجنوب، كما أن الدول الأوروبية نفسها كانت متحكمة في حركة تدفق المهاجرين من الجنوب عبر قنوات التجمع العائلي، وحسب تقديرات البنك الدولي فإن عدد الشباب المصريين الذين هاجروا عام 1975 بلغ353300 مهاجرًا، أما في عام 1980 تشير التقديرات أن معدل الهجرة بلغ 803 ألف ليشمل زيادة عدد المهاجرين إلى العراق، أما مسح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 1987 فقدر أعداد المهاجرين المصريين بنحو 1.964 مليون فرد. والمرحلة الثانية (1985-1995) تميزت ببداية ظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين النظاميين ومزاحمتهم أبناء البلد الأصليين.
وقد تزامن هذا الفعل مع إغلاق مناجم الفحم في كل من فرنسا وبلجيكا التي كانت تستوعب آنذاك أكبر عدد من المهاجرين النظاميين.
وفي مقابل هذا الوضع الاحترازي تزايدت رغبة أبناء الجنوب في الهجرة تجاه دول الشمال وخاصة في ظل انتهاء مرحلة الرواج النفطي الهائل وبروز مرحلة الانكماش الاقتصادي المتمثل في انخفاض مستويات الدخل القومي في الدول النفطية.
والمرحلة الثالثة (1995- إلى الآن) حيث أخذت طابعًا أمنيًا صارمًا لجأت من خلاله الدول الأوروبية إلى نهج سياسة أمنية صارمة عبر تنفيذ قرارات "القانون الجديد للهجرة" والذي يستند إلى تبني إجراءات صارمة بخصوص مسألة التجمع العائلي، وإبرام اتفاقيات مع دول الجنوب حول ترحيل المهاجرين غير النظاميين. وكرد فعل تجاه هذه السياسة بدأ ما يعرف الآن بالهجرة غير المنظمة.
ثم استعرض التقرير الأسباب والدوافع في ضوء ازدياد عوامل الدفع لهجرة الشباب المصري سواء فيما يتعلق بكون هذه العوامل محلية الصنع أو إقليمية وحتى دولية وكانت أهمها:
- ارتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
- تفشي ظاهرة البطالة والمتمثلة في عدم توافر فرص عمل، فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية، حيث وصلت إلى 10% عام 2002 ، وفي عام 2003 زادت النسبة إلى 10.7% ، وزادت عام 2007 إلى أكثر من 11%.
تفاقمت ظاهرة الهجرة بعد تطبيق قانون المالك والمستأجر حيث كانت الأرض في الماضي تتسع لاستيعاب عمالة كثيفة، وكانت زراعة الأرض تدر دخلاً وفيرًا للفلاح يستطيع سد المتطلبات الأساسية له ولأسرته خاصة، أن الدولة كانت تقدم دعم لقطاع الزراعة وصغار الفلاحين بأشكال مختلفة.
ازدادت هجرة الريفيين بسبب تآكل الرقعة الزراعية والتوسع العمراني حيث تآكل حوالي مليون ونصف فدان من الأرض الزراعية خلال العقود الثلاثة الماضية، كما أدى ذلك لارتفاع أسعار الأراضي الزراعية والإيجارات والتي وصلت إلى أكثر من عشرين ضعف مما كانت عليه قبل تطبيق قانون تحرير العلاقة الإيجارية، بالإضافة إلى تفاقم مشكلات المياه والري والسماد والتقاوي والتي ساهمت بشكل كبير في هجر الفلاحين وأسرهم لعملية الزراعة.
وحمل تقرير مركز الأرض الحكومة المسئولية إزاء تفشى هذه الظاهرة معربا أن استمرار الحكومة في سياسة الاعتماد على القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل للشباب يؤدي إلى تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلى الانتحار الجماعي في البحر المتوسط، فقد تم إلغاء تعيين الخريجين منذ عام 1984 سواء الحاصلين على المؤهلات المتوسطة أو خريجي الجامعات الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المهاجرين المصريين إلى أوروبا.
http://www.copts-united.com/article.php?A=4589&I=124