طلعت الصفدي
بقلم: طلعت الصفدي
أعيد قراءة كتب التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر ، أقلب صفحاتها الممزوجة بدم التضحية والصراع ، وأخرى متخمة بالتزوير والتضليل .. وأتفحص تجاربنا القصيرة الطويلة منذ حزيران 1967..أبحث عن مسببات التراجع المستمر للحركة الوطنية الفلسطينية منذ قرن ، ولماذا لم تحقق الحركة الوطنية الفلسطينية من قرن أهدافها على الرغم من التضحيات الهائلة من الشهداء والجرحى والمعتقلين؟؟ سؤال يتطلب البحث عن جواب وربما أجوبة ..أحاول أن اهتدى إلى جواب مقنع بعيدا عن الشعارات والفذلكة الكلامية ، وحديث النخب السياسية الذين يتكلمون ولا يفعلون كلمتين بالعربي وعشرة بالاجنبى، وما أكثرهم الآن ، يثرثرون ويمشون كأنهم يتفرجون على مسرحية ، وبعيدا عن النصائح والوصفات الفوقية كلما طرحت نقاشا حول موضوع الساعة تسابقوا للإعلان عن صحة وجهة نظرهم قبل الحدث وبعده . أبحث عن مسببات الهزائم في الذاتي والموضوعي في المحلي والعربي والدولي . وأبدأ بسؤال نفسي ،هل حركة فتح التي اعتبرت العمود الفقري للثورة الفلسطينية المعاصرة تعمل خارج قوانين التطور في الطبيعة والمجتمع والتفكير البشرى ؟؟ وهل عظمتها ودورها التاريخي في الحركة الوطنية الفلسطينية يمكن أن يخرجها من المكان والزمان؟؟ وهل هي خارج نطاق النقد والمراجعة من داخلها ، ومن حلفائها الحريصين على وحدتها وتعافيها من سموم التخاذل والتراجع وخصوصا أن الأهداف لم تتحقق بعد؟؟ إن مصلحة الشعب الفلسطيني في أن تتعافى حركة فتح وتعود للساحة الفلسطينية والعربية بأسرع وقت ، وتنجز مؤتمرها السادس الذي طال انتظاره منذ عشرين عاما مضت لتعيد صياغة دورها ومسؤوليتها الوطنية ، فقوتها قوة للحركة الوطنية الفلسطينية ، وحصانة لمنظمة التحرير الفلسطينية من التطاول عليها ، أو حرفها عن مسارها الوطني والاجتماعي والديمقراطي.
لماذا أصاب الشلل والضعف حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وتراجعت عن دورها الحقيقي ، على الرغم من تاريخها الطويل وتضحياتها الهائلة ، ونجاعتها وريادتها في نقل الفعل المقاوم في الداخل والخارج ، وفى الساحات المختلفة على المستويات الدبلوماسية والعسكرية جنبا إلى جنب مع فصائل العمل الوطني الفلسطيني ، وقادت أخطر المراحل في تاريخ القضية الفلسطينية ، وإذا كان أحد لا يستطيع أن يزايد عليها وعلى نضالاتها الوطنية وشهدائها ومعتقليها ، فهل بقيت أناشيدها وتراثها في السجون الإسرائيلية تحمل نفس المعنى ، حيث كنا في السجون الإسرائيلية نستمع للمناضلين المعتقلين من حركة فتح وهم يرددون " وإحنا إلا تهنا في البحر وعلى فتح ارسينا" ؟؟!!
اليوم تتعرض حركة فتح وفي هذه المرحلة بالذات لهجمة شرسة من داخل حصنها وقلاعها ،من المتسلقين، والخارجين والمنافسين ، ولم يعفها أحيانا تساوقها برفع شعارات لا تفرقها عن شعارات حركة حماس ، فهل لان أصولهما واحدة تنبع من حركة الإخوان المسلمين ؟؟ أم أنها تحاول أن تتسابق مع حركة حماس على الجمهور من المنطق الديني ؟؟ وهل تستطيع حركة فتح مجاراة حركة حماس ،وخصوصا أن المال الذي كانت تعتمد عليه حركة فتح قد نضب نسبيا ولا يقارن بحجم الأموال والدعم الخارجي ، وبيع صكوك الغفران ، ومساعدات محرقة غزة في السوق ، وعبر تجارة الأنفاق الطائلة التي تحصل عليها حركة حماس.
لا أحد من المتتبعين لمسيرة حركة فتح منذ أكثر من أربعين عاما ، إلا ويؤكد أن حركة فتح تمسكت دائما بالاستراتيجي ، وأعطت في كل تحركاتها أهمية كبيرة للبعد العربي والاسلامى والدولي ، وربما وصلت لقناعة بأن القضية الفلسطينية لا يمكن حلها إلا بتوافق دولي وبضغط عربي وبتطبيق قرارات الشرعية الدولية ، خصوصا بعد جملة الهزائم والحروب الخاسرة التي خاضتها الأنظمة العربية . ولكن في نفس الوقت كانت يدها رخوة بالتكتيك .
وإذا كانت حركة فتح وفصائل العمل الوطني المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية قد حققت انتصارا دوليا باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني عام 1974، وحازت على عضوية مراقب فيها ، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ، فإنها قد حققت نصرا آخرا باعتبار الحركة الصهيونية حركة عنصرية ، لكن بعد عودتها إلى الاراضى الفلسطينية المحتلة خسرت في امتحان التحول من ميدان الثورة إلى مواقع الدولة ، رغم التأكيد على وقوع الاراضى الفلسطينية بالكامل تحت الاحتلال الاسرائيلى ، وفشلت في مهمتها الوطنية والاجتماعية والديمقراطية ، وفى بناء مجتمع المؤسسات ،وتفردت وهيمنت على كافة ميادين السلطة الوطنية ، وأهملت الشراكة السياسية الحقيقية لحلفائها .
لقد شكلت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح جبهة وطنية ضمت كل ألوان الطيف الفلسطيني ، وتحولت في نفس الوقت إلى ساحة تلعب فيها يد الأنظمة العربية عبر مندوبيها وفصائلها ذات التأثير على القضية الفلسطينية ، وبهذه التركيبة عكست المنظمة التناقضات بين هذه الأنظمة ، وبرزت اجتهادات مختلفة ، ودفعت ثمنا باهظا في الحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل ولكن دائما يتم حل كافة الإشكالات مرة بالتوافق ، وأخرى عن طريق الرشوة ، وأحيانا بتوافق ديمقراطي ، لكن دون المساس بوحدانية منظمة التحرير الفلسطينية ، وبجوهر القضية الوطنية كقضية تحرر وطني ، والتأكيد دائما على اعتبار أن هذه التناقضات ثانوية لا يمكن أن تحل مكان التناقضات الرئيس مع الاحتلال الاسرائيلى.
لقد نجحت حركات التحرر العربية ، وقيادتها الوطنية في الحصول على استقلال بلدانها السياسي من المحتلين الفرنسيين أو البريطانيين ،أو الايطاليين، ورفعت في حينه شعارات الحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاقتصادي واستقطبت الجماهير حول شعاراتها ، ولكن بعد حصولها على الاستقلال الوطني سرعان ما نكصت عن شعاراتها التقدمية لحظة استلامها السلطة ، ووقعت في مستنقع الحكم والمال والمراكز والامتيازات ، وتحولت لتابع وملحق لسياسة النظام الرأسمالي العالمي، وخذلت جماهيريها التي منحتها الثقة مستخدمة المخابرات والجيش ووسائل الإعلام السلطوية وكل ألأدوات البغيضة للحفاظ على وجودها ومكتسباتها ، وتحولت بالتدريج إلى سلطة قمعية ووقفت ضد الحريات العامة في بلدانها ولا زال بعضها يحكم شعبه بالدم والحديد ، فهل ينطبق ما جرى في أنظمة العالم الثالث تحت تأثير الحكم والسلطة والامتيازات على حركة فتح ؟؟ وهل لا زالت حركة فتح هي حركة تحرر وطني على الرغم من تراجعها وفقدانها بوصلتها الجماهيرية ، وتمسكها بخيار السلام الذي تعتبره خيارا استراتيجيا؟ وهل شاخت واستنفدت مبررات وجودها ؟؟ ولماذا يجرى تهميش قياداتها المخلصة ، ويتم التجاهل عن عمد لحلفائها التاريخيين في منظمة التحرير الفلسطينية ؟؟
حركة فتح اليوم تتعرض لهجوم شرس وخطير يمس وجودها وتاريخها النضالي الطويل وقداسة دم شهدائها الإبرار وأرثها الكبير أولا من الاحتلال الاسرائيلى الذي يلاحق مناضليها ويعطل دورها وجماهيريتها ، ويعمل على إضعافها ، ويتهرب من تنفيذ كافة الاستحقاقات لعملية السلام ، ويمارس على الأرض الاستيطان وتهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري ، والعدوان والحصار والاغتيال ... الخ مما أثر على جماهير الأرض المحتلة ، فتحول جزء هام من الجماهير وتعززت القناعة لديها بأن عملية السلام مع الإسرائيليين شبه مستحيلة . ثانيا من داخلها من أهل البيت من مجموعات المصالح التي تضخم رصيدها في البنوك عبر السنوات السابقة دون حسيب ورقيب ،دون مسائلة ومتابعة ،ونهبت خيرات الجماهير الفلسطينية ،وتلاعبت بالمال العام ، وقادت منظومة الفساد السياسي والمالي والادارى والأمني ، تلك المجموعات والشرائح المالية التي حولت سلطة فتح إلى مشروع استثماري ، تلك التي تكرشت وملكت الملايين ، وهى تتعامل مع غزة ككيان متمرد ، وتسعى للتخلص وتهميش قيادات حركة فتح التي ترفع صوتها عاليا ضد هذه المجموعات التي ربط بعضها اسمه بالاحتكارات الإسرائيلية وببيع الاراضى للمستوطنين وبتقديم الدعم لبناء المستوطنات ، واللهاث وراء التنسيق الأمني مع الاحتلال الاسرائيلى ، هذه المجموعات فقدت صفتها الوطنية ، وتتجه نيتها وأفعالها للمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني ،وحتى على وجود حركة فتح الوطني والكفاحي . ثالثا من حركة حماس التي تحاول أن تشكل البديل لها ، وتحاول اجتثاث حركة فتح أولا من قطاع غزة وإضعافها لأنها تدرك جيدا إن إضعاف حركة فتح وتراجع دورها في الحركة الوطنية ومحاولة الانتقاص من دورها التاريخي هو لإضعاف حلفائها ، وإضعاف لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتحاول بكل الوسائل الاستفراد بحركة فتح ، والتساوق مع بعض رموزها ، على طريق شطب منظمة التحرير الفلسطينية وخلق بدائل مصطنعة وروابط قرى جديدة تتولى فتح الخيوط للمساومة والحصول على شرعية انقلابها .
من المسئول في حركة فتح عن سلسلة التراجعات الخطيرة ، والنكوص عن ما جرى الاتفاق عليه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،وفى اللقاءات المتعددة والحوارات في القاهرة التي طالت كافة الملفات التي جرى نقاشها بعمق حفاظا على القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني بهدف إنهاء حالة الانقسام المقيتة واستعادة الوحدة الوطنية ؟؟ وهل المتنفذين في حركة فتح لا يدركون مخاطر توجهاتها ، والتنكر لحلفائها ، أم يبحثون على إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر المساومات على القضايا المصيرية التي تم التوافق عليها في حوارات القاهرة ؟؟؟؟
1- ما معنى التوافق بين حركة فتح وحركة حماس على تشكيل لجنة لإدارة شؤون غزة من الفصائل والشخصيات الوطنية تقوم بدور التنسيق بين الحكومتين في الضفة الغربية وغزة ؟؟ أليس هذا يشكل إقرارا بوجود حكومتين تدير كل منهما جزء من ارض الوطن ؟؟ ولا ينهى حالة الانقسام ، ويعزز المحاصصة ، ويعمق التفرد والتقاسم الوظيفي بين القطبين ، ويغلق الحوار الوطني الشامل ، ويستبعد دور القوى الوطنية والشخصيات المستقلة في مشاركتها الفاعلة في صنع القرار ، ويتناقض مع التفاهمات التي تمت في الحوارات المكثفة في القاهرة على تشكيل حكومة توافق وطني .
2- لماذا حركة فتح تخالف قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها ، التمسك بقانون الانتخابات على قاعدة التمثيل النسبي الكامل ، والتراجع في أول اجتماع لها مع حركة حماس بطرحها تعيل القانون الانتخابي ليكون 80% على القانون النسبي ، 20% على قانون الدوائر ، مما دفع حركة حماس لطرح 60% نسبى ، 40% دوائر ، اضطر الجانب المصري لإيجاد صيغة توافقية وسطية بينهما ليصبح 75% نسبى ، 25% دوائر التي لم توافق عليه حركة حماس حتى ألان ، ومعها يتم رفع نسبة الحسم إلى 4% التي تتناقض مع الإجماع الوطني بما لا يزيد عن 1.5% ، وهذا يعنى أن نتائج الانتخابات القادمة سيتقاسمها قطبي الصراع حماس وفتح ، وبهذا تسلبان حق القوى الوطنية والشخصيات المستقلة لوزنها ودورها في الساحة الفلسطينية ، وتعيد الشلل مرة أخرى لعمل المجلس التشريعي ، وتجرد حركة فتح من حلفائها ،وتعطل إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية يقوم على المشاركة والتعددية السياسية .
3- لم يعد الحديث منصبا على إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية ، بل يجرى الحديث عن نسب محددة يجرى التوافق عليها بين الطرفين ، وتشكيل قوة مشتركة من الطرفين ، مع بقاء واستمرار الوضع الأمني على حاله في الضفة وغزة بوجود قوتين أمنيتين لا مرجعية سياسية لهما ، واستمرار حركة حماس الإمساك بخناق الشعب الفلسطيني في غزة ، ومواصلة استيلائها على المؤسسات الرسمية والأهلية ،وتغيير كادراتها بما يتوافق مع رؤيتها الخاصة ، ومنح جائزة لمن انقلب على الوطن ،ومارس اشد الموبقات بحق المواطنين.
4- وعلى الرغم من موافقة حركة حماس على إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة التمثيل النسبي الكامل ، فإنها ترفض تطبيق نفس القاعدة على الانتخابات التشريعية فهي بهذا الموقف تمتلك موقفين متناقضين .وعلى الرغم من التفاهم في الحوارات الشاملة على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني قبل تاريخ 25/1/2010 ، فان النية تتجه لدى حركة حماس للهروب من استحقاقات الانتخابات نتيجة رخاوة حركة فتح ، وبهذا ربما تفتح الطريق لحركة حماس بضرورة التمسك بإجراء الانتخابات للمجلس الوطني أولا ، وهى تدرك أن إمكانية إجراء انتخابات المجلس الوطني مرهون بموافقة العديد من الدول العربية ،وهى تحتاج لفترة طويلة حتى يجرى التوافق مع هذه الدول لإجرائها ، وبهذا فان حركة حماس تضمن عدم إجراء الانتخابات التشريعية وتصبح النية متوفرة لتمديد فترة عمل المجلس التشريعي ربما لسنة أو اثنتين ، ومحاولة تمديد نفس الفترة للرئيس ،وبهذا تتهيىء الفرصة للهروب من استحقاقات الانتخابات الرئاسية والتشريعية تتناقض مع قانونية إنهاء ولاية رئيس السلطة الوطنية وأعضاء المجلس التشريعي بعد تاريخ 25/1/2010 ، وتصبح كافة الشرعيات غير قانونية عدا شرعية منظمة التحرير الفلسطينية التي من الممكن أن يدعو رئيسها لاجتماع المجلس المركزي لمناقشة كافة القضايا ، واتخاذ القرارات المصيرية والهامة ،والبحث عن إجراءات، وآليات إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ، ومواجهة استحقاقات أخطر مرحلة في تاريخ الشعب الفلسطيني بعد خطابي اوباما ونتينياهو .
طلعت الصفدى
غزة –فلسطين
talat_alsafadi@hotmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4617&I=125