أنطونى ولسن
بقلم: انطوني ولسن - استراليا
القضية القبطية هي قضية الحق المسلوب من شعب صاحب أرض وله حضارة وثقافة ضاربة في اعماق التاريخ أرادوا له الذمية اسلوب حياة، بمعنى أن الغازي أراد أن يعطي هذا الشعب الأصيل صفة الأقل والدونية عن الغازي. وكان حظ الغازي (في رجليه) كما يقول المثل، فقد انهارت أو اوشكت على الإنهيار في ذلك الوقت كل الإمبراطوريات الموجودة في تلك الحقبة من التاريخ وهي منتصف القرن السابع الميلادي، وكانت مصر في ذلك الزمان قد أنهكتها المواجهة مع المستعمر الروماني، فكانت متعطشة إلى هدنة روحية وجسدية حتى يستطيع الشعب القبطي أن يقف على قدميه ويواصل مواجهة الحياة.
لكن لحظه العاثر وحظ بقية الشعوب التي كانت تخضع لتلك الإمبراطوريات المنهارة أن ظهرت قوة جديدة اتخذت من فكر عقيدة دين جديد شعارًا منحها الحماس الدافع للغزو والإحتلال والإذلال.
لا يوجد في التاريخ قديمه وحديثه ومعاصره شيء يسمى احتلالاً متسامحًا، لأنه إن كان كذلك فلن يستطيع الغلبة والهيمنة وما كان حال البلاد آل إلى ما هي عليه الآن، وخاصة ان الغازين يباهي بهم رسولهم الأمم.. وانهم خير أمة.. وأن ما يحملونه من فكر ديني (إن الدين عند الله الإسلام) يجعلهم يقاتلون لنشر هذا الفكر. وقد زاد هذا التعالي والتكبر على الغير حتى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان واضحًا في أوامره التي أصدرها إلى قائده عند فتح دمشق بما عرف بالشروط العُمرية المبنية على الدخول في الإسلام -أي اعتناق الإسلام دينًا- أو دفع الجزية وأنتم صاغرون أو القتال حتى الموت.
إذًا الأفضل أن لا يكرر المسلمون أنه كان فتحًا لا غزوًا وأنه كان متسامحًا بدليل تعاليم دينهم تؤكد ذلك.. لكم دينكم ولي ديني.. إنك لا تهدي من أحببت لكن الله يهدى من يشاء.. والكثير من الأقوال لا الأفعال.
وقد استمر هذا الحال حتى يومنا هذا وسيستمر إلى ما يشاء الله ويحدث التغير في المفهوم الديني عند المسلمين والذي يمكنهم من التعايش مع التطورات المتسارعة في جميع مجالات الحياة، حتى لا يجدون أنفسهم منعزلين ومحاطين بسياج من صنعهم لا تصلح لقبول الغير لهم أو لانتشار دينهم.
هذه حقائق تتعايشها الأقليات في أي بلد عربي إسلامي أو بلد غير عربي ولكنه إسلامي.
قبل العالم الإسلام والمسلمين وحصلوا على حقوق لا يحصلون عليها في أوطانهم، لكن مع الأسف كثيرون منهم لا يقتنعون بما حصلوا عليه ويريدون تغيير المجتمعات التي يعيشون معها إلى ما يتناسب مع عقائدهم ويخططون إلى الوصول للحكم في جميع مراكز الحكم المبني عليها نظام البلاد التي يعيشون بها.
ولا مانع لدى شعوب العالم وحكوماتهم من أن يصلوا إلى الحكم أو السلطة، وإنما بالمفهوم الوطني الليبرالي المبني على القانون لا على الدين.. أي دين، وأعتقد أن هذا مفهوم لدى من يعملون ويخططون للتغير ويستخدمون لذلك سياسة النفس الطويل وكثرة الإنجاب للوصول إلى أهدافهم عن طريق الغلبة بعدد الأصوات مع تمييز أنفسهم عن غيرهم بطرق عدة يعرفها الجميع.
لكن لا أظن أن من يصل منهم للحكم ويذوق طعم الحرية والمساواة سيسير في طريقهم ويلبي رغباتهم، لأن الحرية التي حصلت عليها شعوب هذه الدول من الصعب التخلي عنها نظير مال أو أي عقيدة أخرى، وإن كانت نفس هذه الحرية التي كانت سببًا للنهوض والخروج من ظلمة التخلف والرجعية والسيطرة والتحكم من رجال الدين الذين كانوا يحركون شعوبهم بحسب أهوائهم وطموحاتهم وأهدافهم والتي كانت دائمًا بعيدة كل البعد عن تعاليم الكتاب المقدس. أقول أن نفس هذه الحرية تكون مرة أخرى سبب انهيار هذه الدول لأنها تحولت إلى حرية غير ملتزمة، ومثل هذه الحرية الغير ملتزمة تؤدي إلى فوضى وتفكك في الأسرة وبالتالي في المجتمع مع الأسف الشديد. ويعرف المسلمون هذا جيدًا، ومع ذلك فبوادر حرب عالمية بدأ سحابها يظهر في الأفق، وعلى الرغم من أن الحروب عامة هي دمار وخراب وزيادة في التفكك الإجتماعي وانهيار إقتصادي يصحبه انهيار أخلاقي، ولكن ربّ ضارة نافعة.
كل هذا الكلام ليس ببعيد عن القضية القبطية التي هي محور حياتنا نحن أقباط مصر سواء كنا خارج مصر او داخلها، لقد أجلنا الاهتمام بها لعقود وعهود كثيرة لا لضعف منا ولكن من أجل مصر، والآن وأيضًا من أجل مصر لا بد وأن نُقيَم ما قمنا به كل حسب الوزنة التي وهبها الله له للعمل من أجل استعادة الحق المسلوب لكل مصري يؤمن إيمانًا يصل إلى حد العبادة بأن له حق مسلوب.
ومن اطلاعاتي المتعددة على المواقع الإلكترونية التي تهتم بشرح وعرض ما يتعرض له كل مصري مسلوب حقه عامة والأقباط خاصة، استهواني تحديدًا اسم موقع الأقباط متحدون وشعاره "موقع لكل المصريين"، وموقع الهيئة القبطية الكندية استهواني شعاره "بالكلمة ننتصر"، ولا شك أنني لا أعني بخس أي مجهود من أي موقع آخر أو الهيئات القبطية، لكن كما قلت اسم الموقع الأول استهواني وشد انتباهي وخاصة أنه يضيف إلى شعاره موقع لكل المصريين شعارًا آخر يؤمن به كل مصري محب لمصر ويردد ما قاله قداسة البابا شنوده الثالث "إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا".
أما موقع الهيئة القبطية الكندية الشعار الذي اتخذه "بالكلمة ننتصر" لا شك عندي أن من اختار الشعار يعي تمامًا معنى الكلمة.. على العموم سأتكلم عنهما في سياق ما أنا بصدده الآن.
لا شك أننا قطعنا شوطًا ما في عرض أبعاد القضية القبطية، وقد نشطت هيئات قبطية كثيرة ولها بصمات إيجابية وفعالة ومؤثرة في طرح القضية القبطية على الأوساط الحقوقية والخاصة بحقوق الإنسان على مستوى العالم، ولا يمكن لإنسان أن يغفل تأثير ما يكتبه كل حامل قلم إن كان أو كانت من المحترفين أو الكتابة عندهم هواية إن كان ذلك في مصر أو خارج مصر، وأيضًا من كتب ويكتب عن ما يعانيه المصريون من غير الأقباط -أي من أخوة وأخوات لنا في الوطن مصر-، كل هذا يحتم علينا جميعًا في إعادة النظر فيما تم عمله وما وصلنا إليه وفي ما يجب علينا عمله لتصعيد مطالبنا وحقوقنا، ولا نعتمد لا على الكوتة ولا على الكوسة المنتشرة والتي هي سمة الحياة في مصر.
الهيئات القبطية كتنظيمات قبطية تعمل على عرض القضية القبطية.. هل نجحت في استقطاب غير الأقباط من جنسيات أخرى غير مصرية؟، وهل استقطبت أجيال أخرى من أولادنا وبناتنا الذين هاجروا صغارًا أو وُلدوا في بلاد خارج مصر؟، وهل قامت هذه الهيئات بعقد ندوات بلغات الدول التي يعيشون فيها أيضًا للتعريف بما يعانيه الأقباط من اضطهادات في مصر؟
ليست عندي إجابات.. ولكن دون شك مهما كانت الإيجابيات فقد حان الوقت لمضاعفة الجهود.
في الأسبوع الماضي كان الحديث عن ضرورة وجود قيادة، وقد اقترحت في مقالي الأسبوع الماضي أن القيادة يجب ان تكون في مصر وبينت الأسباب. واليوم أعتقد أنه قد حان الوقت للحديث عن تكوين هيئة تنظيمية مقرها أيضًا في مصر، وأعرف أن الحكومة لن توافق على تكوين أي هيئة تنظيمية للمسيحيين وخاصة إذا كانت أهدافها المطالبة بحقوق من حرم من حقوقه المشروعة، وهذا شيء معروف ومفهوم ومتوقع.. لأننا نعرف أن الحكومة لا تعترف بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين والتي يطلقون عليها المحظورة، وهذه الجماعة المحظورة أصبحت تهيمن على جميع مناحي الحياة في المحروسة بما فيها الحكومة والبرلمان والشارع المصري الذي أصبح «خاتم في إصبعها». أعرف مقدمًا أنها جماعة إسلامية ومصر دولة إسلامية، ولكن سبب الحظر خوف الحكام على كراسيهم لأن أهدافهم ليست المطالبة بحقوق من حُرم من حقوقه لأنهم لا يؤمنون بما يسمى حقوق الإنسان لأنها كلها بدع الكفار، وإنما هدفهم الحكم ليس فقط حكم مصر بل كل الدول العربية أولاً وإعادة الخلافة الإسلامية ثم بقية العالم الذي أصبح لهم خلايا حية نشطة في كل مدينة في كل بلد متواجدون فيه، وكما قال مرشدهم «طز في مصر».
يعني انت عايز يكون للمسيحيين في مصر هيئة تعمل على المطالبة بحقوق من حرم من حقوقه!!.. أكيد انت في غير وعيك.
الحقيقة أنه لازم يكون فيه طريقة لإسماع الحكومة والشعب في مصر أنه يوجد مصريون لا يتمتعون بكامل حرياتهم ومضطهدون سواء بسبب ديانتهم أو جنسيتهم (المسيحيون والبهائيون والنوبيون والشيعة) وغيرهم..
انت بتثبت انك فعلاً لا تعيش في مصر.. الإخوان استطاعوا أن يصلوا داخل عصب ونخاع الشعب المصري سواء في غفلة من الحكومة أو بموافقتها على أساس أنها جماعة محظورة وأيضًا الحكومة صاحبة اليد العليا باحتفاظها بقانون الطوارئ، وإن الحكومة تحكم مصر حكمًا حديديًا كما رأينا أن الأمن ليس للحفاظ على أمن الشعب بقدر اهتمامه الحفاظ على سلامة الحكم والحكام، ولا تنسى أن غير المسلمين في مصر الذين منهم المسيحيون ليست لديهم من الإمكانيات ما يساعدهم على تحقيق ما تفكر فيه.. يا أخي إنهم غير فاعلين أو متفاعلين لا تراهم ينضمون إلى الأحزاب السياسية أو النوادي الرياضية أو العمل الفني.. فكيف تعتقد أنهم يستطيعون تكوين هيئة تنظيمية للمسيحيين أهدافها المطالبة بحقوق من حُرم من حقوقه؟.. ومن الصعب أنك تحقق ما طالبت به في المقال السابق من ضرورة وجود القيادة في مصر.. جاي دلوقتي وتطالب بوجود هيئة تنظيمية؟!!.
دار هذا الحوار بيني وبين نفسي الأمارة بالسوء، وقد اقنعتني نفسي هذه بأن خيالي يشطح بأحلام لم يحن الوقت بعد لتحقيقها وربما لن تتحقق أبدًا، لأننا إذا كنا في المهاجر متفرقين ولا نشاطات لنا في بلاد الحرية.. فكيف يكون الوضع في مصر؟!!
جميل أنك تاخد وتدى مع نفسك.. والأجمل منه أنك تشارك الناس معاك في ما تكتب.. يا ترى إيه رأيهم؟!.
أعود مرة أخرى إلى الموقعين اللذين شدّا انتباهي وأوحيا لي بفكرة الهيئة التنظيمية.
أولاً: موقع الأقباط متحدون وشعاره موقع لكل المصريين..
اختيار هذا الاسم اختيار موفق جدًا لأنه جامع شامل.. الأقباط هم المسيحيون.. وأيضا هم المصريون بكل تعدداتهم الدينية وانتماءاتهم العقائدية والسياسية.. وبشعاره موقع لكل المصريين يؤكد به صدق ما ينادي به ويأمل أن يشارك في الموقع مصريين مسلمين ومسيحيين. وقد نجح الموقع في ذلك ونقرأ على صفحاته آراء وأفكار ومقالات متعددة وكلها تصب في وحدة الوطن، الحرص على مصر التي ليست وطنًا نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا.. فلماذا لا يكون لنا هيئة تنظيمية عالمية تحمل هذا الاسم الجامع الشامل هيئة الأقباط متحدون لكل المصريين.. أو أي اسم يتم الاتفاق عليه يتفق مع شمولية اسم الموقع.
ثانيًا: ما استهواني في موقع الهيئة القبطية الكندية كما أشرت أن شعارهم الذي اتخذوه «بالكلمة ننتصر» فله معاني إيمانية قوية جدًا ويتفق مع كل من يؤمن بقوة الكلمة الذي جاء تفسيره واضحًا في انجيل يوحنا الإصحاح الأول العدد الأول والعدد الرابع عشر.
العدد الأول: في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.
العدد الرابع عشر: والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما هو لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا.
وهكذا نرى قوى وعظمة اختيار هذا القول كشعار لهيئة قبطية لها نشاطات عالمية في كل ما له صلة بحقوق من حرم من حقوقه من الأقباط الذين هم مصريون عامة وعند الخصوصية هم مسيحيون.. وهذه هي حقيقة الأمر في مصر التي هي لكل المصريين والذين سينتصرون بالكلمة.. باعتمادهم على الله الذي صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما هو لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا..
فهل نحن فعلاً وحقًا نحب مصر؟!! أم أننا سننشغل بمن يكون القائد؟!! ومن سيكون رئيس الهيئة؟!! ومن.. ومن.. وألف مليون من كما علمتنا سلوكيات مجتمعاتنا التي تكثر من الكلام ولا تفعل إلا ما تؤتمر به إما من جهات مدنية حكومية أو من جهات دينية.. لأننا اتكاليون..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4655&I=126