ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد
إن الثورات الشعبية تمثل ظاهرة مهمة وبارزة في مسار البشرية لاسيما في العصر الحديث، ومن هذا المنطلق قدَّم كتاب "رأي في الثورات" الذي قامت بتأليفه "حنة أريندت"- أحد فلاسفة الفكر السياسي في أمريكا- وقام بتعريبه "خيري حماد"- رؤية علمية محكمة حول الفكر الثوري، وكيفية تغير المجتمعات بفعل الثورة، حيث تركزت هذه الرؤية على تجربتين مهمتين في تاريخ الثورات، وهما الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الأمريكية 1779، في رصد دقيق لدورهما في تشكيل تيارات فكرية ثورية أثرت في تاريخ الفكر الإنساني.
مجتمع الكفاية والعدل
ويقع كتاب "رأي في الثورات"، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، في حوالي (335) صفحة، وينقسم إلى ستة فصول، هي: معنى الثورة، المشكلة الاجتماعية، البحث عن السعادة، الدساتير الحرة، النظام العلمانى الجديد، التقليد الثوري وكنزه الضائع. أوضحت المؤلفة من خلالها أن الثورة هي الطريق الوحيد الذي يستطيع النضال العبور عليه من الماضي إلى المستقبل، وأنها الوسيلة الوحيدة للخلاص من أغلال الماضي ورواسبه، والتحرر من عوامل القهر والاستغلال، وأنها الأداة الفريدة للتغلب على التخلف ومواجهة التحديات التي تفرضها تطورات العلم، فالتجربة الثورية لم تعد تمثل المفهوم الكلاسيكي الذي يقسمها إلى ثورات عقائدية أو فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو دينية، ولم تعد تمثل انتفاضة ضيقة محدودة الهدف، وإنما باتت ثورة شاملة تتناول كل أفق من آفاق الحياة ومجالاتها، وتستهدف التغير الجذري المصحوب بعملية البناء الكاملة لضمان غد أفضل عن طريق إقامة مجتمع الكفاية والعدل.
النظام الملكي والجمهوري
ويمثل الكتاب دراسة علمية في الفكر الثوري، تتوصل منها المؤلفة إلى تحديد عددًا من القواعد التي تراها والنتائج التي تتوصل إليها، من خلال دراسة الثورتين الفرنسية والأمريكية، حيث مثلت الثورة الأمريكية ثورة تحررية قام بها سكان المستعمرات البريطانية في العالم الجديد على الوطن الأم، حيث كان دافعها نقمة البرجوازية الجديدة في "أمريكا"، والرغبة في السيطرة الاستعمارية على العالم القديم، وما تعنيه من استغلال اقتصادي لموارد البلاد، ونجحت هذه الثورة في استبدال النظام الملكي بالنظام الجمهوري، أما الثورة الفرنسية فهي تمثل كل معاني المفهوم الثوري الجديد، إنها ثورة اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية ومذهبية استهدفت تغيير الأوضاع القائمة من جذورها، وبناء مجتمع جديد، وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها، فإنها امتدت وانتشرت لتشمل كل الأرض، ولتكون أم الثورات التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون.
العنف والحرية والديمقراطية
وأوضح الكتاب أن الثورة أعظم ظاهرة شهدتها العصور الحديثة، ولذا ركَّز على الجذور الثورية الحديثة ممثَّلة في الثورتين الفرنسية والأمريكية، وبيَّن ما تمخضت عنه هاتان الثورتان من مفاهيم جديدة تتناول قضايا العنف والحرية والديمقراطية والحكم الجمهوري وأنظمة الحزب الواحد والحزبين والأحزاب المتعددة، وذلك من جذورها التاريخية منذ أيام الإغريق والرومان، كما تناول الكثير عن قضايا السلطة والصلاحيات والمصالح الطبقية والحكم التمثيلي، منتقدًا الحزب الواحد بقوة لا تقل عن نقده لنظام الحزبين أو الأحزاب المتعددة، وأكّد أن النقطة التي تصل إليها الثورة إما تمضي في طريق النجاح الثوري أو ترتد عندها إلى ثورة مضادة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه، تحت ستار من الشعارات الثورية الزائفة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=46657&I=982