النظام الطائفي لا يصلح أن يكون نظاما للمستقبل

سلام خماط

بقلم: سلام خماط
فرضت الطائفية على العراقيين كصيغة لنظامهم الجديد بعد سقوط الدكتاتور وأصبحت تشكل قاعدة للعلاقة بين الدولة والمواطن مما أدى إلى انفجارات متتالية تهز البلد بين الحين والآخر حتى أصبحت الانقسامات الطائفية أشبه بالقانون الذي يحكم العراق اليوم ,وقد تساءل الكثير من الذين التقيتهم, هل سيبقى العراق أسير الطائفية التي ترتد به إلى عصبيات عشائرية وعائلية ؟ وإذا كان النظام الطائفي المسبب الرئيسي لماسي العراقيين فهل بالمكان البحث عن وسائل تجاوزه نحو نظام يشعر فيه المواطن بأنه صاحب مستقبل مستقر ؟ والجواب على ذلك هو أن وقائع التاريخ تشير إلى ما يشبه الجزم بان النظام الطائفي سيكرر انفجاراته في فترات زمنية غير محددة نتيجة لاحتدام تناقضاته وعجزه عن حلها سلميا , وهذا يعني في النهاية انه لا يصلح ان يكون نظاما للمستقبل , وان البديل الأمثل هو النظام الديمقراطي القادر على إدخال البلدان في مدار التطور والتقدم ,فالديمقراطية وحدها تستطيع ان تعيد للإنسان حريته وحقه في المواطنة .

وإذا رجعنا إلى أصل المشكلة الطائفية فإننا سوف نجد أن الأديان جميعا شهدت انقسامات تكونت في إطار الصراعات الاجتماعية والسياسية وخصوصا في قضية الصراع على السلطة , فالطوائف والمذاهب تحمل معتقدات تنظر كل واحدة بموجبها على أنها تمتلك الحقيقة المطلقة دون سواها وعلى هذا الأساس قامت نظرية وحدة الدين والدولة التي نادى بها الكثير من أعلام الفكر وخاصة الذين يطلقون عبارة (الإسلام دين ودولة )أو نظرية الحق الإلهي التي تمنح الإنسان سلطة الله على الأرض ,هذه السلطة التي لم تستند إلى القيم التي نادى بها الأنبياء لاسيما التسامح والحرية ,لقد مارس الإنسان استنادا لهذه السلطة أبشع أنواع القهر والاستبداد من خلال المذابح التي تعرض لها المدنيون والحروب التي اتسمت بالوحشية والهمجية والتي راح ضحيتها مئات الألوف من البشر ومن يطلع على التاريخ سوف يتأكد من ذلك,لقد عملت السلطة الدينية على تسويغ قرارات السلطة السياسية واعطتها الشرعية بالتراضي والمحاصصة أحيانا وبالإكراه أحيانا أخرى .

لقد نجم عن الطوائف تنظيمات طائفية حددت على أساسها هوية المجموعات وولائها وأسست لها القوانين واعتمدت لنفسها طقوس وشعائر ما انزل الله بها من سلطان كي تمييزها عن باقي الطوائف الأخرى , وكانت الخطوة الأخطر في هذا المضمار هو قيامها بتأسيس أحزاب خاصة بها دخلت من خلالها معترك العملية السياسية وأصبحت في ظل النظام الديمقراطي الجديد الذي يبيح للجميع المشاركة أصبحت هذه الأحزاب ماسكة للسلطة ,بينما لا تبيح بعض الدول العريقة في الديمقراطية ومنها على سبيل المثال لا الحصر إجازة هكذا أحزاب دستوريا كالهند وبريطانيا.
لقد أثبتت التجارب فشل النظام الطائفي في إقامة دولة حديثة والسبب في ذلك يرجع إلى أن سيادة الدولة وحرية الفرد لا تنسجم مع الولاء للطائفة , من هنا تكون الدعوة إلى أن يتحول العراقيون بكل أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم إلى مواطنين عراقيين قبل كل شيء ,لان النظام الطائفي لا يحقق وحدة المجتمع والدولة وإنما الديمقراطية الحقيقية هي وحدها من تحقق ذاك لأنها تتجاوز العصبيات الطائفية وتستطيع ان تحافظ على التنوع والتعدد والخصوصيات في إطار الحرية والقانون الذي يحفظ حقوق الجميع دون استثناء .

ماذا جنينا من الطائفية غير المحاصصة التي جلبت لنا الانقسام والتشرذم في كل مرافق الحياة ,فساد وسرقات وشهادات المزورة , وزراء سراق وقتلة ورتب في الجيش والشرطة لا تقرا ولا تكتب , مدراء لا يصلحون ان يكونوا موظفو استعلامات  و... و...و... ومأساة لها بداية وليس لها نهاية .
كيف نستطيع ان ننهي هذه الكارثة التي يمر بها العراق اليوم إذا لم تكن لدينا الشجاعة في نقد الفكر السائد والموروث من عادات وأعراف وأساطير ,هذه الموروثات التي تشد المجتمع إلى الوراء بسبب سلطتها التي تكون في أحيان كثيرة أقوى من كل القوانين , والجواب على ذلك يكون من خلال قراءة عقلانية متنورة لكل تاريخنا وموروثاتنا وأعرافنا البالية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع