خطاب غرام ينقصه الغرام‏!‏

بقلم : مفيد فوزي

أنا من جيل المنفلوطي ونزار قباني وكروان حيران وجفنه علم الغزل‏,‏ وعزة جمالك فين‏.‏ أنا من جيل جدول الضرب والخطابات الزرقاء بالقلم الشيفرز الأزرق‏,‏ أبث الورق لوعتي واشتياقي وحنيني‏.‏ أنا من الجيل الذي غنت له اسمهان‏:‏ انما أهل الغزل‏..‏ كلما خافوا الملل‏..‏ أنعشوه بالقبل‏.‏

أنا من الجيل الذي يردد مع أم كلثوم‏(‏ كرامتي فوق قلبي‏),‏ لا أحب التوجع وإظهار السقم والنحول والسهر لاستميل حبك مثلما كان يفعل الشاعر بدر شاكر السياب‏,‏ نصف وزني كبرياء‏..‏ وأدوس علي قلبي لو نزف من جرح في هذا الكبرياء‏!‏ لا أعرف لغة‏SMS‏ لأني لا أملك براعة اختزال مشاعري في كلمات أبوح فيها لآله‏,‏ اذنك وحدها خلقت لتتلقف همسي الحنون وشوقي المتوهج ورعشة لهفتي‏.‏

وأنا يا زهرة حياتي‏,‏ لم أجلس في مقاعد المتفرجين بعد ولن أجلس في قهوة النشاط حيث ثرثرة روادها من العجائز وأرباب المعاشات‏,‏ مازلت ـ مهما مضي قطار العمر ـ أعبر بالقلم والعدسة عن بلدي التي أعطتني ومهما ذقت منها المرارة والألم فأنا أنتمي لها كانتمائي العضوي بأمي‏,‏ ولا أقف في مدينة‏(‏ نعم‏)‏ ولست من هواة تستيف الأوراق وهز الرءوس بلا اقتناع‏,‏ ومن‏(‏ يفهم‏)‏ لا يحزن‏!‏

يحملني الشوق علي جناحه لك وأفكر في نفس الوقت بالطاعون المتربص لنا‏,‏ والجراد المتأهب لاختراق حدودنا‏..‏ تماما مثل جراد آخر لو فتحنا معابرنا‏!‏

يختنق شوقي إليك وأفيق من أحلامي العذبة علي كوارث تهبط علي الوطن‏,‏ تعذبت حبيبتي عندما قلت لي‏(‏ أنت لست زعيما فاشتري دماغك‏).‏

أنا لست بزعيم‏,‏ وبيني وبين الزعامة ـ سيدتي ـ فراسخ من الأميال‏,‏ ولكني أفهم‏(‏ الوطن‏)‏ فهما متواضعا‏,‏ انه الأهل والأصدقاء والبيوت والبراري ولحظات نثر البذور وموعد الحصاد‏,‏ والأطفال والصبايا والعجائز والمعمل والمصنع وإمام المسجد وكاهن الكنيسة والمثقف والأمي ورجل السياسة والقيادة‏.‏ هذا الوطن‏,‏ عندما يتعرض للأخطار‏,‏ ننسي كل شيء‏,‏ إلا هو‏,‏ وكيف اشتري دماغي وفي الفيوم قري لا تشرب حتي مية الحنفية‏,‏ وتشرب من ماء الترع؟‏!‏ هل أجلس فوق كرسي هزاز مجعوصا وأهز أكتافي بلا مبالاة؟ ان العاطفة‏(‏ كل‏)‏ لا يتجزأ‏,‏ ومادام قلبي ينشطر نصفين لو تم بيننا فراق‏,‏ فإن نفس القلب يتعذب لمجاعة في دارفور‏,‏ أو فيضان اجتاح قرية في الهند‏.‏

تنتشلني الحوادث والأحداث من لهفة تسكن قلبي وعقلي وتنشط سيناريوهات مخك أن في الأمر‏(‏ امرأة‏)‏ أخري خطفت اهتمامي‏,‏ لا امرأة أخري ولا اهتمام آخر‏,‏ ولكن تأملات تصيبني لعنتها وتحجب عني لذات الحياة‏,‏ تأملات تعترض طريقي وتجعلني أري الأشواك الدامية ولا أري الورود‏,‏ نتقابل وتحكين لي كيف نمت أمس و‏(‏دموعك علي مخدتك‏..‏ دموع؟ هل مازالت لهذه الكلمة وجود في القاموس؟ هل مازالت مخدتك ترتوي بنبع حبك؟ أخجل من سرد تأملاتي وقد تتهمين حبي بالقصور وتكرهين البلد ومشكلات البلد التي أدخلتني‏(‏ الحجر العاطفي‏)‏ في ميناء حياتك بحثا عن فيروس‏(‏ العام‏)‏ الذي التهم‏(‏ الخاص‏),‏ انت علي حق في ابلاغك عني سلطات الميناء‏,‏ فالعام يلتهم الخاص‏!‏ أنا مازلت سيدتي مسكونا بحبك وأشاركك حتي الملل ومازلت مهموما بقضاياك الصغيرة‏,,‏ اهتمامي بك بنفس طويل يتعدي مرحلة الاعجاب ويدخل مرحلة المسئولية عنك ولكن لا تظني أن العام يأخذني منك‏,‏ أنا لم أرث عن أبي مالا‏,‏ يدار بآخرين وعندي فسحة من الوقت والفراغ‏,‏ انت تكرهين الرجل العاطل مهما كانت ثروته‏,‏ صحيح ان المرأة تحب‏(‏ الثروة‏)‏ ولكن هناك ثروة غير هدمية لا تموت‏..‏ تسكن العقول‏,‏ أنا أحافظ ـ سيدتي ـ
علي مشوار العمر‏,‏ أحميه من الاندثار في بلد يؤمن بالصوت العالي والصراخ والالحاح‏,‏ تقولين‏(‏ لم تعد تغار‏)‏ واقول أنا لا أغار من رجل آخر‏,‏ ان لقلبك الفصيح بوصلة ترشدك‏,‏ أنا أغار من أفكارك حتي أحلام يقظتك‏,‏ أنا أحمل ربابة واتغني بحبك وعطائك تحت شباك بيتك‏!‏ التقينا علي موجة فهم واحدة‏,‏ ومطلوب منك ـ كامرأة واعية ـ الإدراك أن العام عندي هو الخاص والخاص عندي هو العام‏,‏ لي عينان تريان وأذنان تسمعان‏,‏ لست معزولا عن الحياة ولا نعيش في صحراء‏,‏ عيون الآخرين وآذانهم هي الجحيم‏,‏ الشحاتين يدعون لك في سيارتك‏(‏ ربنا يخليلك البيه‏)‏ فإذا تجاهلت الأمر‏(‏ دعوا علي البيه‏),‏ الشارع مفترس والناس أكثر افتراسا‏,‏ الهمسات تصاب بسكتة دماغية وكلمات الحب تسقط في صخب الزحام‏,‏ ما عاد زمن الروقان يسمح لنا بالدفء والحلم وعناق الأصابع إلا قليلا‏,‏ في غفلة من العيون‏,‏ لحظات مسروقة‏!‏

حبيبتي‏:‏ أنا لم أعتزل الغرام ولست ضالعا حزبيا يستهلكني الحزب‏!‏ أنا فقط معني ببلدي وبلدك أيضا‏,‏ ساعديني علي الشفاء من تأملاتي‏!‏

*نقلاً عن جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع