بقلم د. كمال مغيث
تقع بلادنا فى المنطقة المدارية الحارة من الناحية المناخية، فى القلب من أكبر صحراوات الدنيا «الصحراء الكبرى» التى تمتد لآلاف الكيلومترات، من ساحل الأطلنطى غربا إلى ساحل الخليج العربى شرقا، ويعد وادى النيل الذى يشغل ٤% فقط من مساحة مصر، أكبر واحات تلك الصحراء، وتتسم تلك الصحراء بصيف طويل حار، تزيد حرارته فى أيام كثيرة على ٤٠ درجة مئوية، وهو ما يجعل الروح «تطلع» من مكانها، حتى إذا ما هبت نسمة ندية فإنها «ترد الروح» إلى مكانها، وقد اتخذها المصريون المحدثون اسم علم لبناتهم «نسمة» وأبنائهم «نسيم»، كما اتخذوها صفة تطلق على كل من تتوافر فيه أو فيها صفات الحساسية والذوق والإنسانية.
ومن هنا احتلت النسمة مكانة ممتازة فى الغناء المصرى الحديث، بألوانه المتعددة، ذلك الغناء الذى نعتبره التجسيد العبقرى للشخصية وللثقافة المصرية – رغم أنف الذين يكرهون تلك الثقافة فيحرمون الموسيقى والغناء – ومن هنا فقد تعددت موضوعات ذلك الغناء فانتقلت من تناول الزهور والورود، إلى العيون والرموش والقدود، إلى النيل والهرم، إلى مناسبات الخطوبة والزواج والسفر، وغيرها من موضوعات ومناسبات، ربما نعود إليها فيما بعد٠ أما اليوم فسوف نتوقف عند النسمة والتعبير عنها بمختلف الصيغ والأشكال٠
وسوف نبدأ بعبدالوهاب – عبقرى الغناء المصرى الحديث – فمن كلمات أحمد عبدالمجيد، يتساءل: يا ترى يا نسمة حتقولى إيه؟ وانت يا نجمة راح تحكى إيه؟ مين ينقل الشوق الصافى غير نسمة هايمة بينى وبين قلب الحبيب؟ وفى رائعته «همسة حائرة» لعزيز أباظة: ونحسب الكون عش اثنين يجمعنا، والماء صهباء، والأنسام ألحانا. ومن كلمات مأمون الشناوى يغنى: كل دا كان ليه.. لما شفت عنيه؟ حن قلبى إليه وانشغلت عليه / قاللى كام كلمة، يشبهوا النسمة فى ليالى الصيف / فاتنى وف قلبى شوق بيلعب بى، وف خيالى طيف٠ومع ثورة يوليو يغنى للحرية التى يراها كالنسمة بعد القيظ الطويل، من كلمات شفيق كامل «يا نسمة الحرية ياللى مليتى حياتنا»٠
أما إذا انتقلنا إلى أم كلثوم فهى تشدو من كلمات أحمد رامى فى واحدة من أروع أغانيها: «أغار من نسمة الجنوب على محياك يا حبيبى / وأحسد الشمس فى ضحاها وأحسد الشمس فى الغروب.. فقد ترى فيهما جمالا يروق عينيك يا حبيبى» ولها من كلمات رامى أيضا فى أغنية هجرتك: «حرمت روحى من كل نسمة كانت بتسرى بينك وبينى / وحرمت روحى من كل نعمة كانت بتحلى وياك فى عينى» ومن روائع ما غنت لبيرم التونسى «أنا فى انتظارك» تقول: «أتقلب على جمر النار / واتشرد ويا الأفكار / النسمة أحسبها خطاك / والهمسة أحسبها لغاك / على كده أصبحت وأمسيت / وشافونى وقالوا اتجنيت / يا ريتنى عمرى ما حبيت».
أما نازك فتغنى: «كل دقة ف قلبى بتسلم عليك / يا واحشنى من زمان فين نور عينيك / كل نسمة تمر من عندك عليا / قلبى يحملها بشوقه وبحنانه / كل كلمة أسمعها منك تحلى ليا / ياللى جنبك قلبى بيلاقى أمانه»٠أما شادية فتغنى «شباكنا ستايره حرير من نسمة شوق بيطير» وتغنى: «على شط البحور والنسمة حوالينا الحياة مبتسمة / وقلوب الحبايب جاية / تستنى النصيب والقسمة / يا شقاه اللى عاش وحدانى / ويا بخت اللى يلقى التانى».
أما نجاة الصغيرة فتغنى فى أول ما قدم الأبنودى للإذاعة من روائع: «مسير الشمس من تانى تنور فوق سنين عمرى / وترجع ليا من تانى / وترجع فرحتى فى صدرى / وحيجينى الربيع أخضر شباب نشوان بيتمخطر / وبكرة وردتى تطرح فى يوم ما تعود مع النسمة / حبيبى بكرة راح أفرح وحاتعجب على القسمة». أما ليلى مراد فتغنى: «ياما أرق النسيم لما يداعب خيالى / خلانى وحدى أهيم وأسبح فى وادى الأمانى / الجو رايق وصافى والبحر موجه يوافى / طال الحنين للبر والبر عنه بعيد».
أما محمد قنديل فيغنى من ألحان المبدع عبدالعظيم عبدالحق «سحب رمشة ورد الباب كحيل الأهداب / نسيت أعمل لقلبى حجاب وقلبى داب / غزال أنفاسه تتنسم عبير والخطوة تتقسم / نغم وشفايفه تتبسم ولا العناب / نسيت أعمل لقلبى حجاب»٠أما كارم محمود فيقول من ألحان عبدالمنعم أمين: «عنابى يا خدود الحليوة / أحبابى يا رموش الحليوة / يرضيكو الحليوة يسيبنى للنار اللى بِدّوبنى / إيه قصده الحليوة / بتميل العيون على خده / وتشاهد جناينه وورده ونسايم عبير بيعدوا لو فات الحليوة / يرضيكو الحليوة يسيبنى للنار اللى بِدّوبنى.
أما فيروز فتغنى: «شط إسكندرية يا شط الهوى / رحنا إسكندرية رمانا الهوى / يا نسمة هنية وليالى رضية أحملها بعنيه لشط إسكندرية» وتغنى: «نسم علينا الهوى من مفرق الوادى / يا هوى دخل الهوى خدنى على بلادى»٠ويغنى عمرو دياب: «يا نسمة زى الندى»، ويغنى على الحجار: «وأنا من زمان ليكى عاشق دفا عنيكى / فى سكاتى بناديكى / فى غنايا تتنسمى».
ولم تعدم الأغانى الوطنية تناول النسمة، ففى رائعة نجم وإمام «إسكندرية» يقول: «يا إسكندرية بحرك عجايب / ياريت ينوبنى م الحب جانب / أغسل همومى وانشر هدومى / على شمسة طلة وأنا فيها دايب / كأنى فلاح من جيش عرابى مات ع الطوابى وراح فى بحرك / كأنى نسمة فوق الروابى م البحر جاية تغرق فى سحرك / كأنى كلمة من عقل بيرم / كأنى غنوة من قلب سيد / كأنى جوه المظاهرة طالب هتف باسمك ومات معيد / كأنى صوت النديم فى ليلك / يصحى ناسك يشدوا حيلك».
هذه مجرد لمحة عابرة من لمحات الغناء المصرى، الذى لا تنقضى عجائبه.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=482&I=12