عماد توماس
أ. مريان فاضل :
- الجميع سواسية أمام الفساد/ وفي الفساد.
- الفساد مناهضا للتنمية ومكافئا للإفقار المنظم.
- قطاع وزارة الداخلية، والصحة الأعلى فسادًا
- الصحف المستقلة الأعلي حديثاعن الفساد مقابل صحف الدولة القومية
- مكافحة الفساد تعتمد على: الرصد والمنع والمحاسبة.
تقرير: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
في تقريرها الثالث والأخير عن رصد حالة الفساد من واقع الصحافة اليومية، الذى اعدته الباحثة الحقوقية الاستاذه/مريان فاضل عن الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، رصدت الباحثة الأخبار والتقارير المتعلقة بالفساد والتى نُشرت في الصحف المصرية فى الثلث الأخير من عام 2008، وتهدف الباحثة من خلال الرصد، ليس مجرد تسليط الضوء على حالات الفساد ووقائعه مثلما كشفت عنه الصحف المصرية، ولكن في وضع منهاجية أكثر واقعية لتتبع بعض هذه الحالات، والتصدي لها بكافة الوسائل الشرعية المتاحة، شارعة طريق لغيرها من المؤسسات أو الحركات ذات الطابع الحقوقي أن تتكامل معها في عملها، أو أن تشرع بنفسها في مواجهة ما يمكن أن تسميه بـ"مؤسسة" الفساد بكل أشكاله وصوره، مكتشفة بذلك آلياته غير المشروعة وأنماطه، مقدمة دروس مجتمعية لكيفية فضحه والتصدي له.
الفساد مناهضا للتنمية ومكافئا للإفقار المنظم:
في قراءة لما توصلت له التقارير السابقة عن حالة الفساد في مصر، وجدت الباحثة أن الجميع سواسية أمام الفساد/ وفي الفساد، فلا توجد أي نوع من التفرقة على أساس الجنس أو الدين أو اللون أو العقيدة السياسية فيمَنْ يمارسون الفساد. ورغم إنه هناك عدد من المؤشرات والاحصائيات والتحليلات التي تٌقرّ بأن القطاعات الأوسع من معتاديّ أخذ الرشوة مثلا، هم من القطاعات الأفقر في المجتمع، إلا أن ما رصدته التقارير السابقة تؤكد على أن القطاعات الطالعة في تلك الممارسات على الإقل في الجهاز الاداري للدولة، غالبا ما كانوا من كبار رجال الدولة وفي أعلي السلم البيروقراطي لجهازها.
وقد طرح هذا امام الباحثة تساؤل واستنتاج لا مناص منه. التساؤل: هل ما رصدته التقارير من وقائع وأحداث هي بالضرورة موضوعية؟ وهل انتقاء تلك الأحداث وتسليط الضوء عليها هي مهمة إعلامية محضة، أم مهمة مجتمعية يقوم بها الإعلام بكافة وسائله؟ فإذا كانت مهمة إعلامية محضة، فإن اللجام الحاكم لأي تغطية صحفية هي ما يسمي بـ "الخبطة الصحفية"، التي تسعي وراء الأحداث على المستوي الماكرو فقط، دونما النظر للأحداث على المستوي المايكرو. إما إذا كانت التغطية هي إيمانا بدور الصحافة ورسالتها في خدمة المجتمع، مما يستتبع بالضرورة توجيه كشافاتها إلي كافة تلك الممارسات الخاطئة صغيرها وكبيرها. وإن كان هذا أو تلك فإن الاستنتاج المخلص إليه والذي لا مناص منه، أن ضحايا الرشوة وكافة ممارسات الفساد، هم بالتعريف أفقر قطاعات المجتمع، وأن من ينصب عليه عبء وتبعية تحمل إهدار ثروات البلاد هم المحرومين منها بالفعل، حيث أن تكلفة الفساد وصلت إلي مليارات الجنيهات.
والسؤال الذى تطرحه الباحثة، هل هناك ثمة علاقة بين الفساد، باعتباره مستنزفا للثروات الحالية والمستقبلية لمجتمع ما من المجتمعات، وبين النمو الاقتصادي لدولة ما؟
أتجيب الباحثة، بأن التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم طيلة عقدين من الزمان، وظلالها الملقية على التحول في بنية الانتاج والعمالة وموازين المدفوعات، والفروق المتزايدة في الدخول، وآثارها السلبية على القيم والبيئة الثقافية ، إلا أن بالطبع هناك ثمة تكلفة للفساد.
وترَ الباحثة بحسب ما أشارت له عدد من التقارير ، أن تكلفة الفساد لها منظوران، فمن المنظور الاقتصادي أن هناك هدرا لملايين الجنيهات في كل حادثة فساد، وهو ما يعد إهدارا في بلد يتمتع بندرة موارده باعتبارنا في مصاف الدول النامية، وهو في رأي الباحثة "جريمة" لا تقل خطورتها عن "الجرائم ضد الانسانية"، فهو نوع من القتل والدمار والخراب ولكن دون دماء، القتل البارد بدم بارد.
ومن المنظور الاستثماري يعطل الفساد فرص التراكم الاستثماري المنتج في الأصول البشرية والمادية ويقوي من قيم وسلوك الربح السريع من خلال توظيف حظوة الاستيلاء على وجهي القوة (السلطة والثروة) بدلا من العمل المنتج المحقق للمصلحة العامة . فضلا عن أن الفساد أيضا قد أضحي محل إهتمام من القطاع الخاص ورجال الأعمال في كل مكان، لما له من تأثير على توجيه فرص الاستثمار الخاص (منه أو إليه). وحسب ما أشارت له تقارير البنك الدولي في ذلك الصدد، أن الفساد ضار بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يحول مسار الموارد، ويؤدي إلي انحراف سير القانون وعدم فاعليته ويضر يسمعة الدولة اقتصاديا .
الإعلام والفساد: كاشفا أم مقننا؟
تشير الباحثة الى أن الرصد الصحفي لم يكن فقط نقلا لوقائع عينية بقدر ما كان نظرة أعمق للكيفية التي تنقل بها تلك الوقائع والأحداث، فوجدت مثلا أن أغلب ما قامت بتغطيته بعض الجرائد -المنحازة للدولة- وأحيانا لفروع داخل الحزب الحاكم، وعلى رأسها "جريدة روزاليوسف"، حيث غالبا ما يتم تسليط الضوء فيها على سبيل المثال لا الحصر، على الفساد في أروقة الأحزاب والحركات المعارضة مثل حزب الوفد، والحركات المدنية مثلما ورد في التقارير السابقة عن حركة "9 مارس" ، وعن النقابات المهنية مثل "نقابة الاخصائيين الاجتماعيين"، وأيضا في موقف تحسد عليه، حيث سجلت التقارير ثباتها على رصد ما يحدث من وقائع فساد في المستشفيات "الحكومية" والذي يجد مبرره في دفاع منبرها عن سياسات الخصخصة وهجماتها المتتالية عن الهيئة العامة للتأمين الصحي، مدافعة عن ضرورة سحب بساط الدولة ودعمها من قطاعات التعليم والصحة، تاركة إياهم للقطاع الخاص.....ومن المدهش أيضا، في تقرير الجريدة لوقائع الفساد الأخري، قدرتها على التلاعب في عرض/ مواراة الخبر في ذات الوقت وذلك باستخدام أساليب العمل الصحفي، من حيث حجم الخبر، وموقعه على صفحات الجريدة.......إلخ من تقنيات صحفية، ومن المدهش أن ترصد ذات الجريدة أخبار عن مدي إلتزام بعض الوزارات، وخاصة التعليم، في محاربة الفساد بعد أن قامت الوزارة برفض تعيين 10 آلاف معلم بسبب الواسطة !!!.
وعن التغطيات الصحفية الآخري من أعمدة وتحقيقات ومقالات رأي وتحليل عن ظاهرة الفساد، وجدت الباحثة والناشطة الحقوقية مريان فاضل، أن هناك ما يقرب من 105 مقالة وتحقيق وأعمدة رأي تناولت هذه الظاهرة، فالصحف المستقلة (في مقدمتها البديل، الدستور، المصري اليوم، نهضة مصر) قد أحرزت أعلي نسبة من الحديث عن الفساد في مقابل صحف الدولة القومية ومجلاتها، حيث لم تسجل التقارير أى حديث/ مقال/ تحقيق أو تعليق سلبا أو إيجابا، إشارة أو تلميحا، صراحة أو ضمنا، لجريدة مثل جريدة الأخبار عن "الفساد" على مدار ثلث عام، والمفارقة أنه من ضمن بعض وقائع الفساد التي رصدتها ذات الصحيفة، آتي التركيز على "رفض ضابط مرور رشوة 500 جنيه شهريا من شركة سياحة حتي يتسني لها استغلال المنطقة ونقل السياح بالمخالفة للقانون". هذا في الوقت الذي تتباري فيه الصحف الحكومية في تسليط الضوء على النماذج الايجابية من صغار الموظفين الذين يرفضون تلقي الرشاوي.
المفارقة الأكبر، التى رصدتها الباحثة، أن الصحف والمجلات القومية ( في مقدمتها الأهرام، والجمهورية) قد رصدت نسبة أعلي بكثير في الحديث عن الفساد مما رصدته الصحف الحزبية. حيث سجلت التقارير السابقة أن جريدة الأهرام تناولت بالحديث عن الفساد ( 10 مرات)، في حين كل ما تناولته الصحف الحزبية مجتمعة من حديث عن الفساد وصل إلي (12 مرة) تأتي في صدارتها جريدة الوفد (9 مرات)، والعربي الناصري (مرة واحدة فقط)، والأحرار (مرتان)، وهو ما جعل الباحثة يطرح تساؤلا هاما عن دور الصحافة الحزبية، ومن قبلها الأحزاب ذاتها في مراقبة آداء الدولة، وتقييمها له، ومن ثم نظرتها لذاتها باعتبارها "بديل/ من عدمه" في الحلول محل الحزب الحاكم بجّل أجهزته وممارساته!!!
قطاعات الحكومة: أيهم أكثر فسادا؟
تميز هذا التقرير برصد وتحديد القطاعات الحكومية التى يستشرى بها الفساد، (كما في الشكل التالى)
فوجدت الباحثة أن من جاء على رأس أعلي القطاعات فسادا في الدولة، قطاع وزارة الداخلية، والصحة، والتجارة والصناعة، والتعليم.......وهي قطاعات لا يحتاج قلم أو كاتب تبيان مدي أهميتها، وما لها من تأثير إن هي أّضِيرَت، وأضارت من جراء الممارسات الفاسدة.
الفئة الأكثر فسادا/ إفسادا- من هي؟:
تساءلت الباحثة عن من هي الفئات الذي ينتشر بينهم الفساد أكثر من غيرهم؟ فحسب رصد التقارير السابقة، فهم بوجه عام من رجال السياسة، أو رجال الأعمال، وكبار البيروقراطيين.(حسب الشكل التالى)
فقد حظي البيروقراط على أعلي نسبة بين تلك الفئات سواء على صعيد توجيه الاتهامات والبلاغات، أو على صعيد الإحالة للتحقيق، وإصدار الأحكام النهائية سواء بالتأديب، أو السجن، أو العزل من الوظيفة، وغيرها من العقوبات المقررة على الموظفين المدنيين بالدولة.
وتساءلت الباحثة، لماذا نجد البيروقراطيين ماهرين في إحصاء العديد من الاتهامات والأحكام الخاصة بالرشوة، ولكنهم ضعيفو الآداء عندما يأتي الأمر لمحو الأمية، أو تنمية المجتمع المحلي مثلا؟ وعليه فإن ضعف آداء الدولة يعود مرة أخري إلي ضعف آليات إدارة الحكم، خاصة تلك التي تتعلق بالمساءلة العامة.وترَ الناشطة الحقوقية مريان فاضل، أن الوظيفة العامة هي من أجلّ وأهم الوظائف التي تقوم بها الدولة، فبدونها لا نستطيع الحديث عن دولة مؤسسات، بل عن إقطاعيات يحكمها أصحابها. وبعض التحقيقات الصحفية التي رصدتها التقارير السابقة، شبهتهم بأنهم رؤساء جمهوريات ، وكيف أن كل محافظ يتعامل مع محافظتة باعتباره رئيس العزبة، وهذا كان بموافقة السلطة السياسية وثناءها، بل تحولت تلك العزب إلي كانتونات للحزب الحاكم لاحقا، وليس أدل على ذلك إلا ما قامت التقارير برصده من أحداث تبدو بسيطة ولكنها عظيمة في مدلولاتها. حيث قام الحزب الوطني في المنيا بالاستيلاء على مقرات لأربعة مدارس حكومية لعقد مؤتمره السنوي ، بالإضافة إلي الاستيلاء على أراضي الدولة بأبخس الأثمان والتي تعطي امتيازا لمن معه بطاقة عضوية الحزب
ووجدت الباحثة أن هناك عدد من حالات الفساد التي تم تسليط الضوء عليها بين رجال القضاء، وإن كانت بنسبة قليلة مقارنة بغيرها، إلا إنه دلالة خطيرة، خاصة إذا أضفنا له، نسبة تورط الداخلية في أعمال مماثلة، لكي تكتمل منظومة الفساد، فتمر الأفعال دون محاسبة من قبل الشعب، ولا ملاحقة من قبل الشرطة، ولا تحقيق جاد ومسآلة واعية من قبل رجال النيابة، وبالتالي يفضي ذلك للتنصل من المحاكمة القضائية والجزاءات التأديبية. وبتورط رجال القضاء والنيابة في ممارسات مشابهة، يجعل السلطة القضائية أكثر خنوعا وخضوعا، ورصيدا مضافا إلي عدم استقلاليتها عن أجهزة الدولة التنفيذية، حيث إنها لم تقدم نموذج مغاير يحتذي به، بل هي ذاتها تحتاج إلي محاكمة!
للهروب من دائرة الفساد: هل من مفر؟
تبدو الصورة قاتمة، كما رصدتها الباحثة، لذلك تحاول ان تضح حلولا وسُبل للخروج من تلك الدوائر، التي تنفد بعضها علي بعض، وتؤدي بعضها للبعض الآخر، من ثقافة مواتية، وسلطة مستبدة، وإعلام مشتت، ومواطنين عازفين عن المشاركة، وأجهزة تشريعية ضعيفة، وأخري رقابية مخترقة، وسلطة قضائية غير مستقلة؟!
وترَ الباحثه أنه إذا كان علينا التفكير جديا بشكل استراتيجي في القضاء على الفساد. يبنغي التفكير فيمن يخاف من إعلان الحرب على الفساد؟ من هي القطاعات الأكثر استفاده منه؟ وعلى من يقع عبء تحريك تلك الحملة؟ وآليات التصدي والمواجهة المستخدمة، وظروف البيئة الداخلية والخارجية المعيّة لنا والمضادة.
عن سؤالها هو هل من مفر؟ تجيب عنه بأن فعالية أي نظام لمكافحة الفساد تعتمد على الآليات القائمة في المجتمع، وليس ما يتيحه النظام. وضرورات تكاتف كافة القوي المجتمعية في وضع منهاجية متعددة المداخل لمكافحة الفساد أصبح أمرا شديد الأهمية. وتُوصي الباحثة، بأن تعتمد تلك المنهاجية على دعائم ثلاثية الأبعاد، وهي: الرصد، والمنع/ المكافحة، والمحاسبة.
وتعتمد فعالية آليات تلك المنهاجية علي مدي إتاحة المعلومات العامة للمواطنين حتي يتسني القيام بمحاسبة المسئولين، حيث ستكون تلك الآليات مرة أخري هي المحدد لفعالية أي نظام لمكافحة الفساد من عدمه.
وتشير الباحثة إلي أن التنظيم الحامي لأية مبادرات ضد الفساد، ينبغي أن يتكون (كما بالشكل التالى) من :
الدولة : شاملة الحكومة بمعية تنظيم نيابي يقوم بالتحقيق قي الأدلة والأحداث المقدمة له بشكل مستقل، وسلطة قضائية تقوم في مباشرتها لصلاحيتها علي الحيدة والنزاهة والاستقلال.....بالاضافة لمجتمع مدني، ينقي نفسه مما قد يشوبه من ممارسات بها شبهات للفساد، مقدما نموذجا تطهريا للمجتمع يصح أن يتبع من قبل المنظومات المجتمعية الأخري، بما فيها وسائل الاعلام والأحزاب السياسية المعارضة.
- وقد يكون من أحد الحلول المقدمة للرصد، هوإرساء نظام المفوض العام في مصر، وعلى هذا فإن ذلك يرسي قواعد هامة في سبيل مراقبة الآداء الحكومي عن كثب، فلابد أن يضمن كل جهاز إداري نزاهة هذا المفوض العام، وأن لا يكون عرضه للعزل والتغيير في اي وقت شاءت فيه الاداره عزله، كما لابد له من ضمانات عملية لإنجاح عمله، مثل ضمان تعاون بقية المؤسسات والأجهزة الحكومية بتقديم المعلومات وتوفيرها، والإفصاح عن مداخل ومخارج الصرف في كل قطاع بما يحقق الهدف المنشود من المراقبة. بالاضافة الى دور الإعلام والمجتمع المدني في إرساء قواعد مدنية، وقانونية، وسياسية للمحاسبة، يقوم بالأساس على حرية تدوال المعلومات، وإتاحتها للأفراد بنية خالصة، دونما معوق أو تقييد، ويتطلب إعمال هذا النظام، فهم طبيعة الدور الذي يلعبه كلا من المجتمع المدني والإعلام في مساندة الجهود المجتمعية ضد منظومة الفساد، سواء من قبل رجال الإدارة، أو من المواطنين أنفسهم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=505&I=13