اللعب بورقة الإخوان

منير بشاي

بقلم: منير بشاي - لوس أنجلوس
علاقة الحكومة المصرية بجماعة الإخوان (المحظورة) علاقة محيرة، فهم بالتأكيد ليسو أصدقاء ولكنهم أيضًا لا يظهروا على أنهم أعداء، أحيانًا يشاركونهم حكم مصر في المجالس النيابية وأحيانًا أخرى ينقلبون ضدهم ويضعوهم في السجون.
وفي الآونة الأخيرة عاودت الحكومة عمليات القبض عليهم، وتفيد آخر الأخبار الواردة من مصر أنه تم القبض على أكثر من ١٣۰ إخوانجي منهم ٣ على الأقل من كبار قادتهم، والتهمة التى وجهت لهم هي الإنتماء إلى منظمة محظورة.. وأتعجب أليس هذا ما ينطبق عليهم جميعًا من أكثر من نصف قرن!!
طوال فترة حكم الرئيس مبارك كانت جماعة الإخوان (المحظورة) تصول وتجول ويقوموا بنشاطهم دون أدنى تدخل من الدولة، بل ودخلوا انتخابات النقابات وسيطروا عليها، ورشحوا أنفسهم في المجالس التشريعية ونجح منهم ٨٨ عضوًا في مجلس الشعب وكان يمكن أن ينجح المزيد لولا تدخل الدولة ووقف زحفهم للسيطرة على مجلس الشعب، والمرء لا يسعه إلا أن يتساءل لماذا سمحت الدولة لهذه الجماعة مادامت محظورة أن تتحرك وأن تحرز هذا التغلغل الكبير داخل المجتمع المصرى؟ هل كان هذا من قبيل المفاجأة التي لم تكن تتوقعها الدولة ؟ لا أظن ذلك.

المعروف عن حكومة الرئيس مبارك أنها تعتمد في بقائها على التخطيط الهادىء المدروس، القرارات الثورية الراديكالية العنيفة التي اتسم بها عهد عبد الناصر بنجاح والتي ظن السادات أنه يستطيع أيضًا أن يقوم بها فإذ به يتحطم على صخرتها... هذه كلها أعطت الرئيس مبارك ومن حوله درسًا في كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عامة.
وقد لعبت الدولة بورقة الإخوان بذكاء لتنفيذ مخططاتها، فبدلاً من الصدام دخلت معهم في إتفاقات تفاهم لتحديد الأدوار تتقي بها شرهم وفي نفس الوقت ترسم لهم خطوطًا حمراء لا يتعدونها، ومن ثم إذا لزم الأمر تواجه الدولة القلة منهم إذا تعدوا هذه الخطوط وبالتالي لا تجازف بحرب عامة شاملة غير محسوبة على مجموع الإخوان.

أما سبب تساهل الدولة مع هذا التيار الإخواني في عهد مبارك فله -في إعتقادى- مبرراته الكثيرة:
أولاً: بالنسبة لغالبية الشعب المصري المسلم فإن الدولة كانت تحاول أن تكسب ود جماهير المسلمين الذين زاد تشددهم الديني نتيجة طغيان التيار الديني الوهابي العنيف القادم عبر الصحراء الشرقية، والظروف الإقتصادية القاسية التي يمر بها الشعب جعلت الكثيرين يميلون إلى الحل الديني وأقنعتهم أن "الإسلام هو الحل"، كان هذا هو الإتجاه المنطقي للشعب المصري المسلم بعد أن جربوا الحل الإشتراكي في عهد عبد الناصر ولم ينجح، وجربوا الحل الرأسمالي في عهد السادات وعهد مبارك وأيضًا لم يحسن من أحوالهم، وبالتالي لم يكن أمام الشعب سوى الخيار الأخير وهو تجربة الحل الإسلامي، هذا خاصة بعد أن كان أعضاء جماعة الإخوان يقومون بتقديم المساعدات المالية والإقتصادية من الإعانات الواردة من الخليج لأفراد الشعب كلما حلت بهم مأساة، وكانوا بذلك يعطوهم مذاقًا لما يمكن أن يقدموه للشعب إذا صعدوا للسلطة. أما الجماهير التي جرفها تيار التأسلم فلم يكن أمام الحكومة من خيار لكسب ثقتها أسهل من مجاراة هذا التيار وتدعي أنها لا تقل إسلامًا عنهم.

ثانيًا: ولعل هناك هدفًا آخر في قرار الحكومة إرخاء الحبل لجماعة الإخوان وهذا يتعلق بالضغوط الدولية ممثلة في الولايات المتحدة. والمعروف أن الولايات المتحدة تعطي مصر ما يزيد عن ۲ مليار دولار سنويًا من الإعانات، وهذه الإعانات مشروطة بمراعاة مصر حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، ومن ثم كانت هناك ضغوطًا مستمرة على الحكومة المصرية من أمريكا أن تلتزم بمبادئ الديموقراطية. وفي اعتقادى أن الحكومة قد سمحت لهذه الجماعة (المحظورة) أن تنجح في الإنتخابات بهذه الدرجة المحسوبة حتى تبرهن لأمريكا أن الديموقراطية غير صالحة للتطبيق في مصر في الوقت الحاضر، وكل ذلك حتى تقنع الولايات المتحدة بالكف عن الضغط عليها في هذا الإتجاه لأنه ليس من مصلحتها أن ترى مثل هذه التيارات تصعد للحكم عن طريق الديمقراطية. وفي اعتقادى أن هذه المعلومة قد وصلت للولايات المتحدة وربما حدث تفاهم بخصوصها مع مصر، ونتيجة لذلك اكتفت أمريكا حاليًا بمجرد نقد مصر في تقاريرها الرسمية بينما لا تمارس معها أي ضغوط شخصية لتحسين سجلها الحقوقي. وهنا يلزم الإشارة إلى ما يشاع أن أمريكا تتباحث مع هذه الجماعات بقصد تمكينهم من الصعود للسلطة، هذا الكلام ساذج ولا يستحق الرد عليه، ولا أستبعد أن يكون من يروجوا هذه الإشاعات هم أنفسهم هذه الجماعات بقصد تشويه سمعة أمريكا عدوتهم اللدود.

ثالثًا: الطرف الأخير في المعادلة هم أقباط مصر. وقد كان هذا التيار المتأسلم دائما شوكة في جبينهم، وقد تمثل هذا في الإعتداءات المتكررة ضدهم والتي تصاعدت في عهد الرئيس مبارك، ويبدو لى أن الحكومة وإن كانت نظريًا لا تكن عداءًا شخصيًا مع الأقباط ولا يهمها أن ترى هذه الإعتداءات تستمر، ولكن من الناحية التكتيكية العملية فإن الأمر يختلف، فالإعتداءات الكثيرة ضد الأقباط وعدم وجود محاولات جدية من الدولة لوقفها أو حتى إتخاذ إجراءات قانونية رادعة ضد مرتكبيها هذا ربما كان الهدف منه كسب ود المتعصبين من المسلمين وإعطاء إشارة لهم أن الدولة لا تقل عنهم في مشاعرهم العدائية ضد غير المسلمين (الكفار). ومن ناحية أخرى فإن الدرس الموجه للأقباط من الدولة هو إقناعهم أنهم محاطين بوحوش كاسرة تريد أن تلتهمهم، وأنه لولا الدولة لأكلوهم أحياء وأن الضمان الوحيد لهم هو الدولة فهي الوحيدة القادرة على حمايتهم، وعلى ذلك فإن رسالة الدولة لهم هي أن يصبروا ويحتملوا الظلم الواقع عليهم لأن المناخ العام لا يسمح بإنصافهم في الوقت الحاضر، وأنه على الأقباط أن يضعوا ثقتهم في الدولة التي تعرف الوقت المناسب لحل مشاكلهم.

خلاصة القول أن الدولة تلعب بورقة الإخوان لمصلحتها ولها إستراتجية واحدة وهي إقناع معظم المسلمين في مصر وإقناع أمريكا وإقناع أقباط مصر أن مصلحتهم هى في وجود مبارك، وإذا مضى مبارك الأب فالذي سيستمر في نفس هذه السياسة هو مبارك الإبن، وإذا كان مبدأ التوريث في النظام الجمهوري غير مقبول فربما يمكن علاج هذا بتمكين جمال مبارك من الصعود للسلطة بالإنتخاب في ظل وجود أبيه في الحكم ونتيجة مساعدة الحكومة له. وشخصيًا مع أنني لا أحبذ مبدأ التوريث، ولكن في الظروف الحالية التي تسود مصر والتى لا نستطيع أن نعفي الحكومة من مسئوليتها، لا أرى بديلاً أفضل من جمال مبارك.

ولكن تمنياتي لو أخذ جمال مبارك الحكم أن يصلح النظام بحيث يصبح في مصر كوادر وطنية مخلصة يختار منها الشعب، فما لا أتمناه بعد ثلاثين سنة من الآن أن يكون مبدأ التوريث ما يزال قائمًا وأن يكون الإختيار أمام الشعب هو إما إبن جمال مبارك أو إبن مهدي عاكف، وبدلاً من حب مصر يكون الشعور السائد: طظ في مصر.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع