مجدي ملاك
بقلم: مجدي ملاك
دعوات التطبيع مع إسرائيل تُثار من وقت لآخر من أجل دفع الدول العربية للتطبيع مع الشعب الإسرائيلي، ولكن في الحقيقة تلك الدعوات يمكن أن نقول أنها مقبولة من حيث المبدأ ولكن من حيث المضمون أعتقد أنها لا تصلح للتطبيق الفعلي، فالشعوب العربية في حد ذاتها ليست على استعداد لذلك التطبيع، فالتطبيع مع شعب ما سواء كان هذا التطبيع ثقافي أو سياسي أو اقتصادي يقتضي توافر عدد من المعايير من أجل تحقيقه على أرض الواقع، ومن أهم تلك المعايير هو أن تكون الشعوب العربية في حد ذاتها مؤهلة لهذا التطبيع من حيث وجود قدرة لديها لقبول الآخر المختلف، فهل لدى الدول العربية قدرة على قبول الآخر بالفعل أم أن التطبيع سيأتي بشكل عكسي بحيث يغلب عليه طابع الكراهية بدل من طابع التبادل السلمي الذي يعبر عن ثقافة تقبل الآخر؟ وهو أمر غير موجود بالمرة داخل الدول العربية التي تدعوها الدول الغربية من وقت لآخر للتطبيع معها، وإذا كانت الدول العربية لا تقبل الآخر الذي يعيش معها في الداخل فهل من المتوقع أن تقبل الآخر الذي يعيش في الخارج وتحشد وسائل الإعلام العربية كل الوسائل من أجل كراهيته؟، فالمسيحيين في العراق مضطهدين ويقتلون، والأقباط في مصر لا يمر يوم دون أن يكون هناك اعتداء عليهم، والشيعة في السعودية يلاحقون ويهجرون، والسنة في إيران يُزج بهم في السجن، وغيرهم الكثير مثل ما يحدث للأمازيغ في المغرب، ومن هنا يشير مؤشر قبول الآخر إلى تدهو حاد في هذا المؤشر داخل الدول العربية وهو ما يجعل الدفع بالتطبيع مع الدولة الإسرائيلية دعوة في غير محلها، فقبل التطبيع يجب أن يأتي التغيير الثقافي على الدول العربية وهو ذلك التغيير الذي يسمح بهذا النوع من التطبيع.
ولعل دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية بالأمس حول أن التطبيع يجب أن يتم الآن على حد قولها، أعتقد أنها دعوة في غير محلها وتحتاج لمراجعة كبيرة من قبل الخارجية الأمريكية في حد ذاتها، فالتطبيع من وجهة نظري لن يأتي بالصالح بل على العكس أعتقد أن التطبيع ربما يدفع لمزيد من الكراهية في هذا الوقت وربما يدفع للعديد من العمليات الإرهابية داخل دولة إسرائيل نفسها، فإذا سمح التطبيع بحرية التنقل بين الدولة الإسرائيلية والدول العربية فليس من المستبعد أن تجند الحركات الإسلامية نفسها من أجل نسف الكيان الإسرائيلي ودعم الحركات الإرهابية داخل إسرائيل نفسها، وهي رؤية غير متشائمة بقدر ما تعبر عن واقعية ما يمكن أن يحدث إذا ما تم التطبيع مع الدولة الإسرائيلية في الفترة الحالية، ويمكن أن نضيف على ذلك أن المتابع الجيد لكل وسائل الإعلام العربية سوف يتأكد أن هناك بعض من الجهات الإسلامية التي تعتبر الدولة الإسرائيلية عدو دائم للأبد يجب التخلص منه حينما يسمح الوقت بذلك، وأن من يؤمن بفكرة السلام هو عدد قليل جدًا من أصحاب حركات السلام المنتشرة في كل بلد على حدة، وأن تلك الحركات لا تعبر سوى عن أصحابها أو المنضمون لها، ولكنها لا تعبر عن الشعوب داخل الدول العربية.
ولا شك أن تلك الكراهية المتسبب فيها الرئيس هي الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية التي تستمد سلطاتها ونفوذها على حساب كراهية الدولة الإسرائيلية، فالحاكم في الدول العربية طالما ظل على كراهية إسرائيل يضمن استمراره في الحكم إلى الأبد، ذلك لأن الأغلبية المغيبة من الشعب ترى في كراهية إسرائيل أمر ديني، ومن ثم طالما ظل الحاكم على كراهية إسرائيل فهو مطيع لأوامر الله التي يعتقد الكثيرون أنها الأولى بالطاعة عن سائر الأوامر الأخرى التي يمكن أن تنهض بتلك الشعوب للأمام، ومن ثم فمن يعتقد أن هناك من الحكام العرب من يريد سلام حقيقي مع إسرائيل فهو واهم، فالسلام كلمة تستخدم فقط من أجل تثبيت الشرعية مع دول العالم المتقدم، وكلمة الكراهية تستخدم من أجل تثبيت الشرعية مع الشعب المغيب عن الواقع الحقيقي في الداخل.
الأمر الآخر الذي يعبر عن الشيزوفرينيا العربية في التعامل مع قضية التطبيع أن هناك من يريد وينبهر بالدولة الإسرائيلية من حيث التقدم الإقتصادى والصناعي والزراعي الذي وصلت له، ومن ثم فهو يريد التطبيع مع الجزء الذي يمكن أن يُستفاد منه من الناحية الإقتصادية أما باقى الجوانب فغير مهمة بل وعلى العكس فالتغذية العكسية لها أمر واجب من وجهة نظر البعض، وبحيث لا يوجد مانع من الإستفادة من الدولة الإسرائيلية في الأمور الزراعية والصناعية والتجارية وفي نفس الوقت الحث على كراهيتها والانتقام منها بكافة الوسائل.
والأمر الأكثر تعقيدًا من هذا أننا نقبل تقدم إسرائيل في كافة المجالات ونرغب في الإستفادة من هذا التقدم ولكن في الأمور التي تعجبنا فقط، ولكن أن ننبهر بديمقراطية إسرائيل لنتعلم منها ونحاول أن نصل إلى تلك المرحلة من الشفافية والديمقراطية التي وصلت إليها الدولة الإسرائيلية فهو أمر لا نقبله لنبدأ نتشدق بأننا لا نقبل التدخل في أمورنا الداخلية، وأن الإصلاح السياسي يسير في بلادنا كما نرى وكما يمكن أن يتحمله الشعب، وكأن الشعب كُتب عليه أن يتحمل الفساد أكثر من قدرته على تحمل الإصلاح والديمقراطية الحقيقية التي يسعى إليها.
التطبيع بالكراهية هو أمر عربي خالص يمكن أن يكون في حالة تم التطبيع في الوقت الحالي بين الدول العربية والدولة الإسرائيلية، ولكن الحقيقة التي يجب أن ندركها جيدًا أن الدول العربية غير مؤهلة على الإطلاق من أجل ذلك التطبيع، لأنه من الأولى أن تؤهل تلك الدول نفسها للتطبيع مع الفئات المختلفة التي تعيش داخلها، وحينها نستطيع بالمنطق أن نقبل فكرة التطبيع مع الدولة العبرية وغير ذلك يعني أننا نشجع تلك الدول على التطبيع بالكراهية.
http://www.copts-united.com/article.php?A=5189&I=141