عماد توماس
اسم الكتاب: يهود ولكن مصريون
المؤلف: سليمان الحكيم
عدد الصفحات: 111
المقاس: حجم كبير
الناشر: الجمهورية
عرض: عماد توماس
كانت مصر في الأيام الخوالي - قبل 1952- ملجئًا وحضنا متسامحًا لكل طوائف المجتمع وللقادمين لها من كل صوب واتجاه، وعاش اليهود في كنفها آمنين سالمين، وتتدرجوا مناصب عليا وامتلكوا كتل واستثمارات اقتصادية مثل صيدناوى وشيكوريل و بنزايون ناهيك عن ومصانع الغزل والنسيج وزراعة القطن والأرز وصناعة السكر.
وكان دستور 1923 يدعو إلى المساواة دون تمييز في الحقوق المدنية والسياسية سواء في الجنس أو العرق أو الدين.
وكانت "المصرية" هى أول دين يعتنقه المصريون قبل أي ديانة أخرى، هكذا بدأ مؤلف كتابنا "يهود ولكن مصريون" الكاتب الصحفي سليمان الحكيم، فقد كانت -لاحظ الفعل هنا في الماضي- مصر هي المعبود والوطن في آن واحد، وحين ظهرت الديانات الوضعية أو السماوية اختلف المصريون حولها، ولكن ظلت مصر فوق كل اختلاف وكل دين.
وفي التاريخ الحديث، ظهرت إسرائيل، دولة على بوابة مصر الشرقية لتجمع اليهود من مختلف البقاع، واتجهت الأنظار ناحية اليهود المصريين دون غيرهم من يهود العالم، لترى ماذا هم فاعلون؟ هل سيغلبون يهوديتهم على مصريين أم العكس؟ هل هم مصريون ولكن يهود أم يهود ولكن مصريون؟ ويتحدث هذا الكتاب عن حياة الفنانين المصريين من اليهود، ومواقفهم السياسية من القضايا الوطنية التي كانت مطروحة على الساحة. ومدى تجاوبهم معها سلبًا أم إيجابًا.
يتكون الكتاب من عشرة فصول الأول بنفس عنوان الكتاب "يهود ولكن مصريون" والثاني للعاشر يستعرض كل فصل فيهم واحد من الفنانين / الفنانات اللذين / اللاتي عاشوا في مصر بدء من يعقوب صنوع وكاميليا وداود حسني مرورًا براقية إبراهيم وتوجو مزراحي وليلي مراد حتى منير مراد ونجمة إبراهيم ونهاية بنجوى سالم.
المصريون كانوا أكثر سماحة
يذكر لنا الحكيم في الباب الأول كيف كان المصريون أكثر شعوب العالم سماحة، فقد ظلت مصر هي قبلة اليهود من جميع أنحاء العالم باعتبارها أرضًا مقدسة، وحين جاءت الحقبة العثمانية بلغت موجات الهجرة اليهودية إلى مصر ذروتها خاصة أثناء الحرب بين تركيا واليونان. وشجع محمد على "الكبير" على استقرار الجاليات اليهودية في مصر، فوفد إليها عدد كبير من يهود أوروبا حين وجدوا مناخًا ملائمًا للعيش والاستقرار وفي عهد الخديوي إسماعيل توسعت الحكومة المصرية في الاعتماد على اليهود في الكثير من الوظائف.
وفي عام 1935 تأسس "النادي الصهويني" و"الإتحاد العالمي للشبيبة الإسرائيلية" والذي يهدف –كما يقول المؤلف- إلى إحياء اللغة العبرية ونشر المبادئ الصهيونية.
يهود في الحكومة
تقلد اليهود الوظائف العامة والخطيرة دون تمييز فكان منهم القضاة والمديرون ورؤساء الأجهزة والوزراء، فكان "مراد كامل" مستشارًا وقاضيًا بمحكمة الاستئناف بمصر، و"أشيلي صقلي" مراقبًا عامًا للصحافة الغربية وشئون التمثيل والسينما "ليون قطاوي" مدير القسم الأجنبي بمجلس النواب.
أما المناصب السياسية المهمة فلم يُحرم اليهود المصريون من نصيبهم فيها وفازوا منها بنصيب الأسد في معظم فترات حكم أسرة محمد علي، وكان "يوسف أصلان قطاوي" أول يهودي مصري يعين بالبرلمان في عام 1914 وظل عضوًا لثلاث دورات متتالية ثم أصدر فؤاد رئيسًا للجنة المالية بالمجلس وكان عضوًا بمجلس الشيوخ عام 1927 وكان يوسف قطاوي أول وزير للمالية يصدر مرسومًا بسك العملة البرونزية من فئة المليم ونصف المليم.
يعقوب نصوح
أولى الشخصيات اليهودية المصرية التي تحدث عنها الكاتب الصحفي سليمان الحكيم، هو يعقوب نصوح، الذي ولد في حي باب الشعرية في عام 1839، و شارك في تأسيس الحزب الوطني والثورة العرابية، وهو الأب الروحي ورائد المسرح المصري والكاريكاتير السياسي، ويعتبر "مولبيير" مصر الذي أصبح شوكة في جنب الخديوي إسماعيل بعد إن قام بتأليف بعض المسرحيات التي تهاجم الخديوي.
ويحكي يعقوب أن أمه ذهبت لأحد الشيوخ ليكتب له "رقية" تحفظ له الحياة فطلب منها الشيخ أن تهبه للإسلام فوعدت وبرت بوعدها ولكن يعقوب يعترف أنه لم يقبل التنازل عن ديانته اليهودية، وحين دخل "يعقوب" المدرسة حفظ القرآن الكريم وترجم آياته للإنجليزية، بجانب حفظة للتوراة والإنجيل، ولم يكن قد بلغ الرابعة عشرة من عمره.
كاميليا
الشخصية الثانية هي الفنانة اليهودية المثيرة للجدل كاميليا، واسمها الحقيقي ليليان ليفي كوهين، وهي أشهر نجمة سينمائية والتي قال عنها البعض أنها جاسوسة يهودية لصالح إسرائيل، والبعض يرى أنها مسيحية ولكن مصطفى أمين أكد على أنها يهودية الأصل والمنشأ. وكان لها علاقة بالملك فاروق حتى أن الملك فاروق عندما قرر أن يتركها فأقدمت على الانتحار قبل أن تموت ميتة مأساوية في حادث سقوط طائرة في نهاية صيف 1950.
داود حسني
ثالث شخصية يرصدها لنا مؤلف الكتاب هي شخصية "داود حسني" الذي غير اسمه العبري "ديفيد" هروبًا من والده وديانته -كما يقول الحكيم- وتتلمذ على يد شيوخ المسلمين مثل الشيخ المسلوب، وعاش حياته مغنيًا بتقليد مشاهير الغناء في عصره مثل عبد الحامولي. وغنت له أم كلثوم العديد من ألحانه وشهد له محمد عثمان بعبقريته الموسيقية.
وتتلمذ على يديه عدد كبير من المطربين والمطربات الذين ذاع صيتهم في عالم الموسيقى والغناء مثل زكي مراد وابنته ليلى مراد ونجاة علي وأسمهان. وتوفى داود حسنى في 10 ديسمبر 1937 ودُفن في تراب مصر.
ويُسجل تاريخ الموسيقى العربية لداود حسني أنه أول من قام بتلحين أوبرا مصرية هي "شمشون ودليلة" بجانب ثلاثين أوبريت بعد أن كانت الأوبرا فنًا إيطاليًا أو غربيًا خالصًا، واتهم بسرقة ألحان أستاذه محمد عثمان، ويعمل ابنه الآن في إذاعة إسرائيل.
راقية إبراهيم
الشخصية الرابعة التي يتحدث عنها كتابنا، اسمها الحقيقي راشيل ليفي، نشأت في أسرة فقيرة في حي السكاكينى بالقاهرة، واختارت مهنة "الخياطة" لتعول أسرتها، وعملت كممثلة مغمورة في العروض المسرحية، وكان القدر حليفها لها في إن تصعد بسرعة الصاروخ وتصبح ممثلة على الشاشة الفضية، وقامت بأداء دور البطولة في أفلام "سلامة في خير" أمام نجيب الريحاني وأمام أنور وجدي في فيلم "جزيرة الأحلام".
سافرت للعلاج من الألم في الكبد في أمريكا، وبعد نجاح العملية عادت راقية إبراهيم إلى مصر، وفي حوار لها مع مجلة الكواكب عام 1953 قالت متحدثة عن لهفتها وشوقها لمصر "وطنها الحبيب": إن أمريكا بكل ما فيها من عظمة وثراء لم تنجح في إزالة وحشتها لمصر، حتى أنها قالت "لقد وحشتني مصر بغبارها وشوارعها وحتى مطياتها ودور السينما ورغيف عيشها المخلوط"!!
لكنها في النهاية غادرت مصر إلى أمريكا وعملت في قسم الإتصال والإعلام الخاص بالوفد الإسرائيلى في هيئة الأمم المتحدة.
توجو مزراحي
الشخصية الخامسة في الكتاب وُلد وعاش في الإسكندرية، إنه المخرج والممثل والمنتج والكاتب السينمائي "توجو مزراحي".
غيّر اسمه إلى "أحمد" ثم عاد إلى توجو مزراحي، في أحد أفلامه كان كل الممثلين من اليهود، هو أول من أنشأ استديو سينمائي، يعتبره النقاد أول من أدخل التجارة إلى عالم السينما، وأول من عرف أفلام "المقاولات" في السينما المصرية.
أنقذ الفنان "يوسف وهبي" من الإفلاس وأعاده إلى حياة الغنى والترف، كانت نزعته التجارية غالبة على موهبته الفنية، فمات فنيًا عندما مات ماديًا، وظل لأكثر من أربعين سنة منزويًا في مصر وروما، حتى مات عام 1987 وهو الذي كان قد مات منذ عام 1947 بسبب خسارته المالية عن فيلم لأم كلثوم.
ليلى مراد
سادس شخصية يتحدث عنها المؤلف هي ليلى مراد اسمها الحقيقي "لِيلِى" بكسر اللامين، تنعم بجمال الصوت ورخامة النبرات منذ طفولتها حين كانت تقلد أم كلثوم في عصرها الذهبي، وحين استمع لها أمير الشعراء أحمد شوقي رأى فيها مطربة عظيمة فقدمها إلى عبد الوهاب فتبناها فنيًا، كان الجميع يعرفون عن ليلى مراد أنها مطربة يهودية الديانة، ولكنها مصرية الجنسية، وفي عام 1946 أشهرت إسلامها حينما تزوجت من أنور وجدي وغنت أشهر الأغنيات الدينية في الأربعينات، ويضيف المؤلف سليمان الحكيم أنه حين ظهرت مشكلة فلسطين ترقب الجميع موقف ليلى مراد ومع من ستكون، واختارت أن تكون مع مصر وفلسطين.
وفي أواخر الخمسينات بينما كانت في أوج نضجها وشهرتها، اختارت ليلى مراد أن تحتجب وتتوارى عن الغناء والتمثيل.
منير مراد
الشخصية السابعة هو الفنان منير مراد، الذي ولد بالإسكندرية عام 1928 وكان اسمه "موريس" ولكنه غيره إلى "منير" حين قرر العمل في السينما، كما قيل أنه غير ديانته معتنقًا الإسلام عند زواجه من الفنانة سهير البابلي.
يقول عنه المؤلف أنه بدأ حياته بائعًا للبطاطس والجبنة وأمواس الحلاقة، ثم انتقل ليعمل مساعدًا في التصوير السينمائي، ثم مساعدًا في الإخراج فساعد أنور وجدي في 24 فيلمًا، واشتهر كملحن للأغاني.
كرمه الرئيس عبد الناصر ومنحه وسام الفنون والعلوم عام 1966 في احتفال عيد العلم، ويتساءل مؤلف الكتاب "بالرغم من تكريم الدولة له ورغم مقدرته الموسيقية الفذة فإن منير لم يقدم لحنًا وطنيًا واحدًا في شهرة أقل ألحانه العاطفية شهرة"!
توفى مراد منير عام 1981، ولم يكن يتعامل مع البنوك، وكان يحتفظ بأمواله في منزله وقد عثروا على 250 جنيهًا فقط في حجرة نومه ساعة وفاته.
نجمة إبراهيم
الشخصية الثامنة وقبل الاخيرة التي يستعرضها مؤلف الكتاب هي نجمة إبراهيم، التي يقول عنها الكاتب أنها الفنانة الوحيدة التي ظهرت باسمها الحقيقي فلم تضطر إلى تغيره ويفسر ذلك بكون الاسم مناسب لعالم الشهرة أو إن اسمها لا تشتم منه رائحة اليهودية.
ولدت عام 1914 وتوفت عام 1976، وتعلقت بالفن والحياة الفنية واعتلت خشبة المسرح في التاسعة من عمرها، وتلقت دراستها في بعض المدارس العربية والفرنسية.
ويرى الحكيم أنها كانت مطربة كادت أن تزيح أم كلثوم عن عرشها، ويعتبرها أدبية ومثقفة ووطنية من الطراز الأول.
أشهرت إسلامها وتزوجت من الممثل عباس يونس وتبرعت لتسليح الجيش المصري، وصعد السادات على المسرح ليصافحها.
نجوى سالم
آخر شخصية في كتابنا هى الفنانة "نجوى سالم"، واسمها الحقيقي "نظيرة موسى شحاتة" ولدت في عام 1925 من أب لبناني وأم اسبانية من أصل يهودي، وأشهرت إسلامها عام 1960 وتزوجت من الناقد الفني عبد الفتاح البارودي ويسرد المؤلف عنها أنها رفضت الزواج من نجيب الريحاني لاشتراطه عليها اعتزال التمثيل.
أول فنانة تحصل على درع الجهاد المقدس، حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 1978.
بعد وفاة والدتها حاولت الانتحار، ونقلت إلى مستشفى دار الشفاء، ومنها إلى مستشفى الأمراض العصبية بحلوان وتكفلت الدولة بمصاريف علاجها.
وكان لها دور وطني ملحوظ، فقد وجهت الدعوة لـ 70 من أبطال حرب أكتوبر كل ليلة لمشاهدة مسرحيتها وكانت تقف مع أعضاء فرقتها لاستقبال ضيوفها من أبطال حرب أكتوبر بالزهور والتصفيق.
خاتمة
هكذا توصل كاتبنا الحكيم إلى أن الغالبية من الفنانين اليهود كانوا في الصفوف الأولى من الوطنيين رافعين شعار "مصر فوق الجميع" وفوق كل دين أو عقيدة.
ونقول في نهاية هذا العرض، كان الماضي جميلاً وبديعًا، لكنك اليوم إذا ذهبت إلى حي السكاكيني الذي كان يجمع معظم يهود القاهرة وإذا ذهبت إلى حارة اليهود فربما تجد عدد من اليهود لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، فقد رحل اليهود بلا رجعه.. ويبدو تساؤلاً مشروعًا هل سيحل اليوم في مصرنا العزيزة، الذي نتحدث فيه عن "المسيحيين" في زمن الماضي؟ ونبحث عن تواجدهم الكثيف في "شبرا" فلا نجد إلا أعداد على أصابع اليد.. إذا حدث هذا فالعار سيلطخ هذا البلد إلى أبد الآبدين!!
http://www.copts-united.com/article.php?A=5215&I=141