بقلم: حمد نايف العنزي
نحن لا نحترم القانون في بلدنا، مثلما نحترمه في البلدان الأخرى، لأن قانوننا 'حبّوب' و'أجودي' و'طير شلوه'، متساهل معنا لأقصى الحدود ولا يعاقب مَن يخالفه أبداً، بل يكتفي بالابتسام له، وهو يقول: 'خلاص هالمره مسامحك... بس لا تسويها مره ثانية'!
كل مرة أسافر فيها إلى بلد من البلدان المتحضرة وأرى خلق الله من كل ملة يحترمون القانون ويلتزمون بالإرشادات والتعليمات، أسأل نفسي هذا السؤال: لماذا نحن من دون البشر لا نحترم القانون ولا نلتزم به؟ هل على رؤوسنا ريشة، أم أننا خلقنا من طينة غير طينة البشر؟ لماذا تسري الفوضوية والاستخفاف واللامبالاة في دمائنا وكأننا فطرنا عليها؟! هل الأمر خارج عن إرادتنا ويتعلق بجيناتنا الوراثية التي تنتقل من جيل إلى جيل وتجعلنا لا نقيم للقانون وللنظام وزناً؟!
راقب وشاهد... أي لافتة مكتوب عليها 'ممنوع التدخين' تجد تحتها من ينفث سيجارته بكل ثقة وهدوء وأريحية، علامة 'ممنوع المرور' لا معنى لها عندنا، فالكل يمر ويعدي والأمر طبيعي للغاية لا أحد يعترض أو يحتج، علامة 'ممنوع الوقوف' تبدو وكأنها قد وضعت للزينة، فالسيارات تقف بجانبها بلا خوف أو تردد، أبواب الخروج في المجمعات ندخل منها وأبواب الدخول نخرج منها، وإذا وقف أحدنا في طابور الجمعية فعليه ألا يلتفت يمينا أو يساراً لأن هناك دائما من يترقب هذه اللحظة ليحشر نفسه أمامه، وحين تذهب إلى المستوصف أو المستشفي وتأخذ رقمك ستجد أن هناك على الدوام أربعة مرضى التصقوا بباب العيادة ليدخلوا قبلك، السرعة القانونية في الطرق السريعة بين 80 كم و120 كم، ولا أحد يلتزم بها... فسائقو السيارات إما 'مطفوق' سرعته 150 كم، وإما نائم سرعته 50 كم!
والغريب أننا حين نسافر إلى الخارج نصبح متحضرين ونظاميين للغاية، نلتزم بالسرعة القانونية المحددة، نعبر الطريق من مكان عبور المشاة، لا ندخن في الأماكن المغلقة، لا نرمي قطف السيجارة إلا في المكان المخصص، نلتزم بالدور التزاماً تاماً، يعني- بسم الله ما شاء الله- مثل أعلى في تطبيق القانون وتنفيذ التعليمات والإرشادات!
فلماذا لا نحترم القانون في بلدنا، كما نحترمه في البلدان الأخرى؟!
الجواب: لأن قانوننا 'حبّوب' و'أجودي' و'طير شلوه'، متساهل معنا لأقصى الحدود ولا يعاقب مَن يخالفه أبداً، بل يكتفي بالابتسام له، وهو يقول: 'خلاص هالمره مسامحك... بس لا تسويها مره ثانية'! فيرد عليه المخالف بوقاحة قائلاً: 'وإن سويتها مره ثانية... إشراح تسوي يعني؟!'... فيطبطب القانون على رأسه قائلا: 'راح أسامحك طبعاً، ما أنت عارفني... قلبي طيب وحنيِّن وما أحب أزعل أحد'!
أما إن حاول أحد في هذا البلد أن يكون 'قانونياً' وينبه الآخرين إلى ضرورة الالتزام بالقانون وعدم مخالفة الإرشادات والتعليمات، فيا 'ويله ويا سواد ليله'، ستخرج عبارات الاستهزاء والسخرية في مظاهرة عظيمة، وهي تحمل لافتات الاحتجاج على 'قانونيته' المفرطة التي لا معنى لها بالمرة: 'طالع فيها يا الحبيب'... 'إستريح بس إستريح'...'فُكنا واللي يرحم والديك'... 'شقانونه؟... وين قاعدين فيه إحنا'!
وعبارات أخرى لا حصر لها تدل على مدى استخفافنا بالقيم الإنسانية واستهزائنا بالقانون الذي نتعامل معه، فقد أصبح القانون بالنسبة لمعظمنا 'طوفة هبيطة' نتجاوزها دون أن نشعر بها، مع أنه من المفترض أن يكون القانون سداً منيعاً يحمينا ويحتوينا جميعاً، ونقف له احتراماً وتقديراً، احتراما لأنفسنا قبل غيرنا من المواطنين، وتقديراً لمن وضعه من أجل المصلحة العامة، ففي كل مكان متحضر في هذه الدنيا تحظى كلمة 'ممنوع' بالاحترام إلا عندنا، والسبب أننا جعلنا قانوننا ضعيفا بلا مخالب ولا أنياب، وقانون هذا حاله، سيبصق عليه الجميع لأنه عاجز عن حماية نفسه، فضلاً عن حماية الآخرين!
احترام القانون أيها السادة ليس شعارا أو مفخرة أو سمعة فقط، بل آلية يستفيد منها المواطن من أجل عيش كريم، وآلية تزيد من هيبة الدولة واحترامها وتطورها وتحافظ على أمنها واستقرارها، فحيث لا يوجد قانون، لا يوجد مجتمع متعاف وسليم، وإذا لم يكن المجتمع سليماً، فسيكون عاجزاً عن حماية الناس من الناس... أي حماية أنفسهم من أنفسهم!
نقلا عن جريدة الجريدة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5433&I=147