ثنائية الإرهاب والإستبداد

محمود الزهيري

بقلم: محمود الزهيري
تخيلت نفسي أنني كنت من قتلى إحدى العمليات الإرهابية أو من رواد مقهى حي الحسين بالقاهرة, والتي إكتملت أركان جريمة التفجير الإرهابي ونتج عنها القتل والجرح والإصابات الفظيعة لمرتادي حي الحسين, واثناء وجودي تناثر جسدي أشلاء على الأرض، وتم حمل أشلائي إلى أقرب مشرحة بأقرب مستشفى، وأستلمني أهلي جثة على نقالة الموتى وشيعت جنازتي.
وتخيلت أبنتي الصغيرة، واشقائها الصغار والأم، يبكون بمرارة وجزع، فالأب لن يطرق بابهم ولن يعود إلى أحضانهم إلى الأبد، والأم المحزونة تنظر إلى نعش إبنها تناديه، فلا مجيب غير الدموع وصوت نياط القلب المسموع بتمزعه أشلاء داخل صدرها، ولن يعود الإبن وقد خرج من بيته للقاهرة بملابسه، ومنها عاد بكفنه إلى القبر!!

وعن الإرهاب وجرائمه يتساءل المحللون والكتاب والمثقفون، يتساءلون عن أسبابه، ولا أحد يريد أن يقترب من الباب الواسع الذي يخرج منه الإرهاب بأحزمته الناسفة، وقنابله الغبية، وعبواته الناسفة الكافرة بالإنسان، والمؤمنة بالقتل والإجرام.
أليس الباب الواسع للقتل والإرهاب هو باب الإستبداد السياسي المؤدي لفتح أبواب الطغيان ضد المجتمعات المستبد بها في السياسة والحكم والسلطة؟.

أولى عتبات الإرهاب تبنيها سلطات الإستبداد صاحبة جرائم العنف السياسي من أصحاب وملاك الوصاية السياسية المحتمية بالتلفيق والكذب بمزاعم وطنية تدعي حماية الوطن أو الشعب أو الأمة، وتارة بحماية ثوابت الأمة، أو الثوابت الوطنية، وحماية الثوابت والمقدسات الدينية، والدفاع عن الله ودين الله وأنبياؤه ومرسليه.

العلاقة واضحة بين تغييب الحريات وقتل الديمقراطية، وبين حضور الإرهاب بجرائمه الشنيعة التي لا تُطال أنظمة الإستبداد والطغيان، وإنما تطول المواطنين المأزومين أو من هم خارجين عن دوائر الطغيان.
دوائر الطغيان والإستبداد هي التي تصنع دوائر عديدة من دوائر الإرهاب والإغتيال السياسي، ودائمًا ما يكون هناك تابعين لتلك الأنظمة أمراء الأمن ليقوموا بالدور البديل لأمراء الجماعات الدينية الإرهابية المتطرفة، أو يتم إستبدال الأدوار ليقوم أمراء الجماعات الدينية الإرهابية بدور أمراء الأمن محققين الهدف من توظيف تلك الجماعات لدي أنظمة الإستبداد.
والدور الوظيفي للجماعات الإرهابية يقوم بالتخديم علي تلك الأنظمة، وهذا ينطبق علي غالبية الأنظمة العربية الإستبدادية الحاكمة بالفساد والطغيان، والتي أصبحت في ظل الشرعية الدولية المنحازة غالبًا لمصالح الدول صاحبة القرار في منظومة الشرعية الدولية.

الدول العربية لا يمكن أن تفرق فيها بين أمراء الأمن وأمراء الدين، فالأمن له أوصياء كما للدين أوصياء، وللأمن محرمات كما للدين محرمات ومنكرات، والأنظمة الحاكمة في الدول العربية هي التي ترعى المؤسسات الأمنية، وفي ذات الوقت ترعى المؤسسات الدينية الرسمية وتوظف المؤسسات الدينية الغير رسمية ممثلة في الجماعات والتيارات الدينية بروافدها العديدة، وذلك في حالة توافقية مع مصالحها لتقوم بأدوارها الوظيفية المرسومة لها من الأنظمة الحاكمة.
وإذا كانت المؤسسات الأمنية والدينية تقف أمام تلك الأنظمة على قدم المساواة بإعتبار رجال الأمن ورجال الدين موظفين رسميين لدي الدول التي تحكمها تلك الأنظمة، فمن المحتم أن ينصاع موظفي الدولة لأوامر تلك الأنظمة، وكما يتم الإنفاق علي رواتب وحوافز وبدلات رجال الأمن كذلك الأمر مع رجال الدين، وكذلك بالنسبة لتعيينهم وترقيتهم ونقلهم وإنتدابهم وإعارتهم للخارج، فهذا هو الضامن لولاء رجال الأمن ورجال الدين للأنظمة الحاكمة المتحكمة بمصائر الإثنين.
فرجال الأمن دورهم الوظيفي المرسوم لهم ينحصر في توظيف الطغيان والإستبداد وتخويف الناس وترعيبهم من السلطة الحاكمة، ورجال الدين أو قل حسبما يحلو لهم أن يتم تسميتهم علماؤه، دورهم الوظيفي ينحصر تحديدًا في تخويف الناس وترعيبهم من الله وبالله، والناس يظلوا أسرى الخوفين ومحاطين بالرعبين، لتظل أنظمة الطغيان والإستبداد في حالة الأمن والأمان المنشودين على حساب أمن المجتمعات التي تظل أحلامهم مؤجلة وآمالهم مستحيلة علي الدوام.
ومن ثم كانت الأهمية القصوي للدور الوظيفي للمؤسستين الدينية والأمنية على السواء في غالبية الدول العربية.

وإذا أخذنا مصر كمثال بالنسبة للميزانيات الهائلة التي تقدر بالمليارات والتي يتم صرفها علي الأزهر ومؤسساته الدينية والأوقاف، نجد أنه في موقع الحزب الوطني الحاكم بتاريخ 10/3/2007 فيما ينقله عن وكالة أنباء الشرق الأوسط والذي جاء به أن: أوقاف الأزهر أحد أهم موارد الإنفاق على التعليم الأزهرى بكافة مراحله.. وقد تم تقييم الممتلكات الموقوفة على الأزهر وقدرت بأكثر من 1816 فدانًا وحوالى 73 ألف متر مربع أرض فضاء وعقارات قدرت بقيمة 119 مليونًا و340 ألف جنيه وهناك 49 وقفية تحت يد هيئة الأوقاف بها حصص عينية ونقدية للأزهر لم يتم تقييمها بعد.
وأكد الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف في رده على مناقشات الأعضاء أن الأزهر الشريف لم يشهد في تاريخه ازدهارًا مثلما شهد فى عهد الرئيس حسنى مبارك.. وقال أنه لا توجد مؤامرات على الأزهر بهدف القضاء عليه..
وأوضح أنه فى الخمسينات لم يكن في مصر كلها أكثر من عشرة معاهد أزهرية وثلاث كليات هي أصول الدين والشريعة واللغة العربية أي حوالى عشرة آلاف طالب، والآن هناك أكثر من ثمانية آلاف معهد أزهري و62 كلية على مستوى الجمهورية.
وأضاف أن ميزانية الأزهر ومؤسساته التعليمية تقدر بالمليارات وكلها من ميزانية الدولة وتنفق هذه الأموال على مؤسسات الأزهر، فأين المؤامرة التى يتحدث عنها البعض؟.
وذكر الوزير أن بداية المشكلة بشأن أوقاف الأزهر بدأت حينما صدر قانون بأن تقدم وزارة الأوقاف كل ما لديها من أراض زراعية للإصلاح الزراعي وعقارات للمحليات وتقوم بادارة ذلك كله وتورد الحصيلة للأزهر.. وسلمت الأوقاف 229 ألف فدان للإصلاح الزراعي وعقارات للمحليات.
وأوضح أنه في عام 1971 صدر قانون انشاء هيئة الأوقاف المصرية وأن تسترد الهيئة ما لدى الإصلاح والمحليات.. وتسلمت الوزارة أقل من 110 آلاف فدان، وهناك نزاعات ما زالت قائمة بين الوزارة وبعض الجهات خاصة الإصلاح الزراعي ولا زالت هناك مفاوضات مع وزارة الزراعة لاسترداد نحو 43 ألف فدان، وهناك لجنة مشكلة وطلبت من وزير الزراعة ترشيح بعض المسئولين لحضور اجتماعات اللجنة.
وأشار إلى أن وزارة الأوقاف تقوم بكل الطرق القانونية لاسترداد أموالها، وأوضح الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف أنه حينما تولى الوزارة وجد أن هيئة الاوقاف لم تحول الأموال المخصصة للأزهر منذ نحو عشر سنوات بحجة أن الأزهر لم يطلب ذلك وقد قام الوزير بتحويل كل الأموال المجمدة للأزهر مرة واحدة ويتم تحويل ما يخص الأزهر له سنويًا.
وهذا غيض من فيض بالنسبة للأموال التي تنفق على المؤسسة الدينية الرسمية.

أما عن المؤسسة الأمنية وعن ميزانية وزارة الداخلية، فحسبما جاء بالمصري اليوم العدد الصادر بتاريخ 21/4/2008 من أنه: طلبت وزارة الداخلية من وزارة المالية إضافة ٣٦٤ مليون جنيه لميزانيتها في العام المالي ٢٠٠٨/٢٠٠٩، معللة ذلك بزيادة أسعار المواد الغذائية والحديد والأسمنت، فضلاً عن أن إنشاء محافظتين جديدتين يضيف أعباء جديدة علي الوزارة.
من جانبه أكد عادل بدرالدين مدير عام قطاع الموازنة بوزارة المالية أن المالية استجابت لجميع طلبات الداخلية، ورفعت ميزانيتها الجديدة إلى ٩ مليارات جنيه، بزيادة مليار و١٨٠ مليون جنيه عن العام الماضي.

وإذا كانت الأرقام هي التي تتحدث فليس من شك أنها صادقة حال كونها على لسان موظفي الدولة الرسميين.
فهل من الممكن أن يكون لنا تعليق على سوء الأحوال الأمنية وتفشي الجريمة بأنواعها بخلاف الجرائم الإرهابية بأبعادها السياسية الضئيلة وبأبعادها الدينية المتعاظمة، سائلين عمن هم وراء تلك الجرائم وعن صناعها ومحركيها في ظل تلك الإنفاقات الهائلة على المؤسسات الأمنية والمؤسسات الدينية؟!!
أعتقد أن الإرهاب صناعة أرباب وزعماء الإستبداد!!
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع