بقلم: حمد نايف العنزي
الجهل قرين التعصب، لا شك في هذا ولا 'عك'، فأغلب المتعصبين لدينهم أو مذهبهم هم، على الأرجح، جاهلون بأديان ومذاهب الآخرين، وما يعرفونه عنها لا يتجاوز بضع كلمات سمعوها أو قرأوها لمتعصب آخر من نفس ملتهم، فلا يمكن لمَن يطلع اطلاعاً جيداً على معتقدات وثقافات الآخرين أن يدخل التعصب إلى قلبه قبل عقله، الجهلة وحدهم مَن يتعصبون!
ولأننا شعوب لا تقرأ إلا ما يسمح به، ويتغاضى عنه بعض المتحكمين بالعقول، فإن الصورة كثيراً ما تبدو لنا ضبابية خارج محيط ثقافتنا المحدودة التي تحيط بها أسوار عالية وضعها هذا البعض لمنع أي فكرة دخيلة من التسلل، واعتقالها قبل أن يتلقاها عقل من العقول القابلة للتمرد!
وجهلنا هذا بالآخر... هو ما يجعلنا ننظر دائماً بسخرية واستهزاء إلى أديان الآخرين ومعتقداتهم، فهم في نظرنا مجرد مجموعة من الأغبياء والحمقى المكابرين المعاندين، بينما هم في واقع الأمر لا يختلفون عنا سوى باختياراتهم الدينية التي لعبت فيها الجغرافيا والوراثة والتربية دوراً كبيراً، لكن عدم اختلاطنا بالثقافات الأخرى وتقوقعنا الدائم حول أنفسنا وموروثنا الفكري والديني نتج عنه هذه التصورات المجانية والمجافية للحقيقة، والتي تثير وتؤجج ثقافة الكراهية والرفض للآخر دون أسباب منطقية ومعقولة!
ما لا يعلمه كثيرون منّا... أن هناك تشابهاً كبيراً بين الديانات في العالم رغم الاختلاف في التفاصيل، وليس صحيحا أن كل مَن لم يدخل الإسلام عابد للشياطين والفئران يدعو إلى الفساد والرذيلة والشرور، فالأديان بشكل عام تدعو إلى عمل الخير والحب والتآلف والتسامح بين الناس، لكن لأننا لم نقرأ عن أي منها نتصورها على هذا النحو!
سأقدم لكم الآن مثالا بسيطا يبين لكم أن هناك تشابهاً في الأهداف والنوايا الطيبة التي جاءت من أجلها الأديان، هذا المثال مذكور في كتاب للكاتب 'لويس براون' اسمه 'كتب العالم المقدسة الكبرى'... يقول الكاتب:
'من اللافت إلى النظر والتأمل أنه في سائر الكتب المقدسة لسبعة من أكبر ديانات العالم نجد موضوعاً واحداً، عبرت عنه كلها بصيغة متشابهة تثير الدهشة.
ففي ديانة البراهمة: 'لا تفعل قط للآخرين ما يثير ألمك إذا حدث لك'... (مهابهاراتا-5: 1517).
وفي الديانة البوذية: 'لا تؤذ الآخرين برسائل تجدها أنت نفسك مؤذية'... (أودانا فارجا-5: 18).
وفي دين كونفوشيوس: 'هل هناك سُنّة واحدة للسلوك يجب اتباعها خلال حياة الإنسان كلها؟... إنها بكل تأكيد سُنّة الدماثة المحبوبة: لا تفعل للآخرين ما لا تحب أن يفعلوه لك'... (المختارات: 15-23).
وفي مذهب الطاوية (الصيني): 'اعتبر ما يربح جارك كأنه يربحك أنت... وخسارته كأنها خسارتك أنت'... (تاي شانج - كان ريننج).
وفي الديانة اليهودية: 'كل ما هو مكروه بالنسبة لك، لا تفعله لأخيك الإنسان، هذا هو كل القانون وكل ما تبقى تعقيب عليه'... (التلمود: سبت131).
وفي الديانة المسيحية: 'كل شيء تحب أن يفعله الناس لك، افعله لهم، فهذا هو القانون والأنبياء'... (إنجيل متى 7: 12).
وفي الدين الإسلامي: 'لن يؤمن أحدكم... حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه'... (حديث نبوي)... انتهى.
والخلاصة أننا إن أردنا أن نكون مجتمعاً تسوده ثقافة التسامح والتعايش بعضنا مع بعض ومع من يخالفنا في الدين أو المذهب أو العقيدة، فعلينا أن نقرأ أكثر عن ديانات ومعتقدات وثقافات الآخرين، لا لكي نتحول إليها، ولا لكي نفحم معتنقيها في مناظرة أو جدل عقيم، إنما لكي نفهمهم أكثر، ونتفهمهم أفضل، وصدقوني... بعد قليل من القراءة المتجردة والمنصفة، سنجد أن ما يجمعنا معهم أكثر مما يفرقنا، وأننا لا نختلف عنهم كثيراً، فمجتمعاتنا ومجتمعاتهم تحمل القدر نفسه من الأخيار والأشرار، الملائكة والشياطين، دعاة الحب ودعاة الكراهية، اللصوص والأشراف، الأطهار والأنجاس، وأنه ليس هناك مجتمعات فاضلة 'بطبيعتها' وأخرى متفسخة 'بطبيعتها'، فكلنا بشر... والبشر متشابهون في كل شيء!
نقلا عن جريدة الجريده
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5604&I=152