مجدي ملاك
بقلم: مجدي ملاك
في حواره الأخير على قناة "أون تي في" صرح البابا شنودة ببعض من التصريحات التي يمكن اعتبارها غاية في الأهمية ويجب التوقف عندها من أجل تحليلها ورصدها ربما نستطيع أن نفهم كيف يفكر البابا في صمته وكيف تتصرف الدولة حيال هذا الصمت، ففيما يتعلق بعدم ذهابه إلى الإسكندرية صرح البابا شنودة أن هناك تصرفات غير لائقة من جانب محافظ الإسكندرية وهو يعلم أين المشكلة وان الكنيسة في انتظار الحل من المحافظ، وأن البابا لم يتقدم بشكوى ضده حتى الآن من أجل إعطائه فرصة لحل المشكلة بشكل ودي، وعلى الرغم من هذا الصمت والرغبة في إنهاء الموضوع بشكل ودي إلا أن محافظ الإسكندرية يبدو أنه قد فهم الرسالة بشكل عكسي، وربما يكون قد فهم أن صمت البابا يعني رضائه عن ما يفعله المحافظ تجاه المبنى الذي يخص الكنيسة في مدينة برج العرب.
المشكلة في تعامل الدولة مع الأقباط أنها تعتقد أن صمتهم وصبرهم ربما يعني رضائهم عن الوضع الحالي وأنهم لا يملكون أن يفعلوا أكثر من الصمت من أجل حل مشكلاتهم التي تتسبب فيها الأجهزة الرسمية يومًا بعد يوم، وهو مفهوم خاطئ بدليل أن البابا نفسه في تصريحاته الأخيرة اعلن أنه ينتظر وأنه حينما يفرغ الصبر سيتم اللجوء لأسلوب آخر ربما يحل المشكلة، وهذا الأسلوب بالطبع معروف وهو اللجوء إلى الدولة متمثلة في رئيس الجمهورية من أجل إنهاء تلك المشكلة، وفي الحقيقة ومنذ تولى محافظ الإسكندرية الحالي محافظة الإسكنرية ومشاكل الأقباط لم تنتهِ أو يمكن القول أنها لم تنتهِ بشكل عادل.
يأتى حديث البابا هذا مواكب لتصريحات الدكتور مصطفى الفقي في واشنطن حيث أعلن أن هناك مشاكل كبيرة للأقباط لم تُحل بعد، وأن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مجلمها ليست على ما يرام، وهو نفس تصريح البابا تقريبًا الذي أدلى به لقناة أون تي في، وأعتقد أنه إذا لم يسبق الدكتور مصطفى الفقي البابا في تلك التصريحات لتم اتهام البابا بتعكير صفو العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ولكن شاءت الظروف أن تكون تصريحات البابا عقب تصريحات الفقي، وهو ما يعني أن هناك اتفاق ضمني بين رجال الدين ورجال السياسة أن هناك مشكلة حقيقية بين المسلمين والمسيحيين، وأن قبلات الشيوخ والقساوسة لن تحل المشكلة التي تظهر من وقت لآخر بين الطرفين، المهم أن تصريحات الفقي جاءت على هامش زيارة قام بها الفقي لوشنطن قابل فيها بعض من رجال الكونجرس وبعض من نشطاء أقباط المهجر، وبالطبع لو قام أحد الأقباط بمقابلة بعض من رجال الكونجرس لتوضيح هذه الحقائق لتم تخوينهم ووصفهم بأفظع الصفات، ولكن كونها صدرت من أحد الأصوات الرسمية للدولة فربما هذا يجعل البعض يتحول من مرحلة الدبلوماسية في معالجة مشاكل حيوية إلى مرحلة البرجماتية في معالجة تلك المشاكل بشكل واقعي
عودة مرة أخرى لصمت البابا وهو موضوع هذا المقال، هذا الصمت الذي يتعامل به البابا في الكثير من المواقف، ونذكر جيدًا حين بكى البابا في إحدى عظاته بالكاتدرائية من شدة ما يتعرض له الأقباط، والمشكلة الحقيقية التي أشعر أن البابا يفكر فيها أكثر من أي شيء ليس كم الحوادث الطائفية التي تحدث من حين لآخر ولكن في كيفية تعامل الدولة نفسها مع تلك المشكلات، فإذا كان محافظ الإسكندرية لم يضع أي اعتبار للبابا شنودة ولم يراعي منصبه الديني ولا حكمته في صمته، فما هو الحال إذًا بالأقباط الضعفاء الذين لا يملكون القوة والسلطة أو الحكمة التي يمكن أن تساعدهم في تحمل ما يتعرضون له من الألم، وهذه هي المشكلة الرئيسية أن البابا يشعر في صمته بكم ما يتعرض له الأقباط وهم لا يملكون ربما العلاقات التي يعتقد البعض أن البابا شنودة يمتلكها في علاقته مع المسئولين المصريين، وهو أمر يبدو أنه ليس صحيح بنسبة كبيرة، وإن صح فيبدو أن المسئولين في الدولة يعملون بالمثل المصري القائل (يسمع من هنا ويخرج من الناحية التانية).
صمتالبابا امتد لصمت الأقباط الذين يتبعون نفس النهج في التعامل مع الكثير من مشكلاتهم، وبكل أسف لم تراعي الدولة الصبر الذي يتمتع به الأقباط في عدم ثورتهم، ولكن على العكس كان الاستفزاز هو الطريقة التي تتبعها الدولة دائمًا في تعاملها مع الواقع القبطي على الرغم من الصبر والتحمل، والمشكلة الآن أنه لا أحد يعرف متى ستنهي الدولة تلك الطريقة في تعاملها مع الأقباط، لأن صمت الأقباط لا يمكن أن يستمر للأبد، وإن لم تظهر نتائج هذا الصبر في شكل عنف فسيظهر حتمًا في شكل توترات تحدث من وقت لآخر يعزيها في ذلك طريقة تعامل الدولة مع تلك المشكلات.
عدم تقدير الدولة للصبر الذي يتمتع به البابا ويتعامل به مع المسئولين المصريين هو أمر يشعر جميع الأقباط بالغبن الناتج عن تجاهل أعلى قيادة دينية للأقباط، خاصة مع ما يتمتع به البابا من كاريزما وثقافة وقدرة على التحكم في أوضاع الأقباط بشكل كبير، فهل ترغب الدولة بشكل مستمر أن تخلق لها خصوم من مواطنيها بدل من سعيها لكسب النسبة الأكبر من مواطنيها.
ولهذا فعلى الدولة المصرية أن تراجع مجمل سياستها التي ستكون في شدة الاحتياج لها في الفترة القادمة خاصة في مواجهتها الإنتخابية مع جماعة الإخوان المسلمين والعديد من الملفات السياسية التي أعتقد أن الأقباط سيكون لهم دور كبير في المرحلة المقبلة إذا ما استغل الأقباط تلك الفرصة في فرض قدرتهم على التأثير.
استثمار صمت السنين في الأعوام السابقة يجب أن يكون عنوان الأقباط وهدفهم في المرحلة المقبلة التي يجب أن تشهد حراك سياسي داخل الوسط القبطي بما يساعد على ظهور قوتهم السياسية الحقيقية، وهو الأمر الذي سيساعد على تحويل هذا الصمت إلى عمل نتيجة ازدياد تأثيرهم بشكل عام في مراكز صنع القرار.
وفي هذا الاطار سينسحب الأقباط تدريجيًا من الإنحصار داخل الكنيسة إلى الخروج إلى الواقع السياسي بما يحمله من خبرات وتجارب ستساعدهم على الإندماج بشكل أكبر في الحياة السياسية التي تحتاج إلى العمل المدني من خارج الكنيسة وليس من داخلها، وبالتالي ستكون النتائح مختلفة بشكل عام وربما سيخلق هذا أوضاع جديدة سوف تساعد بشكل أو بآخر على ترجمة الصمت إلى عمل حقيقي في الواقع المصري يعبر عنه الأقباط المندمجين في الحياة السياسية.
http://www.copts-united.com/article.php?A=5676&I=155