سحر غريب
عرض: سحر غريب
كتاب عرض اليوم للكاتب المبدع الجريء بلال فضل، كتاب يجب عليك أن تقرأه ثم تسربه خارج بيتك حتى لا تشرف أمن دولة والتهمة قارئ لمنشورات ممنوعة، فالكاتب لم يترك المعنى في بطن الكاتب خافيًا بل كانت الحقيقة تقفز منه قفزًا مُعلنة عن وجودها، عندما قرأت الكتاب أغلقت باب حجرتي على نفسي وأخذت ألتهم الكتاب بكل نهم وضحكاتي تتعالى أحيانًا على الحقيقة المُرة، وأحيانًا على الخيال الخصب، وأحيانًا أخرى على الجرأة التي يُحسد عليها الكاتب، أشفقت على بلال من كتابه وتأكدت من أنه واحد مسنود وعنده واسطة في أمن دولة لكى يخرج مثل هذا الكتاب للنور.
كتاب عرض اليوم مكون من 127 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب عبارة عن عشرين قصة قصيرة لكل قصة منهم معنى ومغزى، وروح خاصة بها فمنها القصص السياسية والشبابية والعاطفية، يصدر الكتاب عن دار الشروق وصدر منه ثلاث طبعات حتى الآن.
يستهل الكاتب كتابه بفصل تحت عنوان فصل (زبادي التي حال بيني وبينها الشات) ويحكي فيه عن فتاة اختارت اسم زبادي في أحد شرائط الشات المُلحقة بأحد القنوات الفضائية، وقد تعرضت بسبب اختيارها هذا الاسم الغريب لوابل من السخرية الغير رحيمة مما دعى الكاتب للدفاع عنها فاختار اسم ابن زيدون ليقتحم غرفة الشات وينتشلها من ضياعها، وسط هذا الجو الخانق والتحرش الفظ الحيواني فاستلمه شباب الشات الصاعد الواعد وفين يوجعك ياابن زيدون، وحصل ابن زيدون على نصيبه كاملاً من السخرية والاستهزاء والشتائم النابية، وخرجت زبادي من الشات مخلفة ورائها ابن زيدون يبحث عنها.
أما الفصل الثاني والذي يحمل الكتاب اسمه وهو (ما فعله العيان بالميت) فيحكي عن قصة مصطفى رضا الفقير والذي كان يعمل موظفًا في وزارة النقل والذي احتاج لعمل عملية تغيير صمام لزوجته، ومع ضيق ذات اليد لجأ إلى سرقة تسعة مسامير بلاتينية وشريحة والتي يساوي ثمنها الآلاف من الجنيهات، تلك المسامير التي كانت تربط بين عظام قريبه المتوفي والتي لم يعد في حاجة إليها، فقد تخيل مصطفى أن الحي أبقى من الميت ونسي تحت إلحاح الحاجة حرمة الموت فأصبح حفارًا للقبور ناهشًا للموتى معدوم الضمير بعد أن اكتشفت أخت الميت السرقة، وتعرض مصطفى للمسائلة القانونية، ومنذ أن ذاع نبأ ما فعله العيان مصطفى بقريبه الميت محمد بين الناس دخلت الشرائح والمسامير في قائمة ما يتم بحثه عند تقسيم الميراث، ولم يعد يدفن أحد بشرائحه بمساميره ليس بسبب الفقر الذي أهلك البلاد وإنما صونًا لحرمة الموتى وإحترازًا من تكرار ما فعله العيان بالميت.
وفي فصل بعنوان (راحة القلب تبدأ من القدمين) يرينا بلال جانبه العاطفي، فيحكى عن أخيل وكعب أخيل الذي قيل أنه كان نقطة ضعفه عن طريق الخطأ فنقطة ضعف أخيل كانت في محبوبته بريسيس، ثم ينتقل بنا إلى قصة حبه التي لم تكتمل ولم يتوج الزواج نهايتها، والتي جعلت حياته دائمًا منقوصة فمهما حقق فيها لا يشعر بالفرح الطبيعي المفروض أن يفرحه طالما لا تشاركه حبيبته فرحه هذا.
وفي فصل بعنوان (ساعة حساب) ويتخيل فيه الكاتب أحد المصريين وهو يتعرض لساعة الحساب بعد الموت، وقد أخذ المصري يحكي عن المآسي التي تعرض لها في حياته والتي يشيب لها الولدان، من بيعه لكليته إلى عذابه في أقسام البوليس إلى إهانته بين أنياب كلاب الأمراء الخليجيين إلى الغرق في عبارة الموتى إلى الطعام الفاسد الذي يهري جتته، وبعد كل هذه الحكايات نكتشف أن هذا الرجل الميت مات موتة طبيعية، فيطالب ملك الموت أعوانه ألا يسألوا أي مصري بعد ذلك عن كيفية موته بل يسألوه عن كيف كان عايش، فعيشة المصري الموت أفضل منها ألف مرة.
(في نفق العروبة) هو عنوان أحد فصول الكتاب ويتخيل فيه الكاتب مصير البلاد لو اختفى رئيسها المخضرم عن الحكم داخل نفق العروبة، مع ما تبع ذلك من فتح أبواب المعتقلات للمشكوك في تدخلهم في هذا الاختفاء المفاجئ، ثم تُركت البلاد بدون رئيس خوفًا من عودة الحاكم القديم وعندما أرسلت الأمم المتحدة وفدًا من كبار خبراء السياسة والإقتصاد لدراسة هذا الوضع الفريد دوليًا وعند مغادرة البلاد قال رئيس الوفد الأجنبي: بعد دراسة مستفيضة اتضح لنا أن الجمهورية في السنوات الأخيرة من حكم رئيسها لم تعد تحيا، بل أصبحت تعيش وخلاص، ولذلك فهى لا تحتاج إلى رئيس بقدر ماتحتاج إلى معجزة.
ومن الفصول الجريئة سياسيًا أيضًا في الكتاب فصل البلد بتاعة سيادته، وفصل حيوان البلاد الأول، وفصل على تلات بنات وفصل الرئيس الضيف.
وفي فصل (من خشاش الأرض) ويتحدث فيه عن عاشور بائع الخبز الذي تقدم أحد سائقي السيارات الملاكي ببلاغ ضده في القسم، ورفض عاشور أن يذهب مع أمين الشرطة إلا بعد رؤية موبايله والتأكد من خلوه من كاميرا وعندما سأل الأمين عن السبب شرح عاشور السبب وهو رفضه للتصوير عاريًا، كما حدث في الآونة الأخيرة مع بعض المتهمين، وقد تعرف عاشور في القسم على العديد من المتهمين مثله ومنهم شيخ جامع كان قد قال كلمة حق عندما سأله أحد المصلين: هل الحزب الوطني اللي بيحكمنا ها يروح النار؟
فرد الشيخ بما فتح الله عليه وأكد أن الحزب داخل النار لأنه لا هو أطعمنا ولا تركنا نأكل من خشاش الأرض.
وفي فصل بعنوان (ولا تأكل بثدييها!) هو عنوان فصل آخر من فصول الكتاب ويحكي فيه عن أم هند الشغالة الخالدة في منزل الكاتب والتي أصابها العجز، ومع ذلك فوجئ بها الكاتب تطالب بحقها الطبيعى في السفر إلى السعودية لتعمل خادمة عن طريق وزارة القوى العاملة، ويعرض الكاتب محاولاته المستميتة معها لكى تعدل عن رأيها وبعد أن تكلموا عن مصر وسمعة مصر دخلت عليهم الشغالة بكل شجاعة مطالبة بطريقة تأخذ بها الجنسية الفلبينية حتى لا تمرمغ الجنسية المصرية في التراب.
(الحاجات دي) هو عنوان فصل جريء يتكلم فيه الكاتب عن الجنس، فتحدث عن شاب كان قد أجّل التفكير في الحاجات دي لبعد الزواج وكذلك فعلت عروسته البكر الرشيدة، وبعد ليالي العسل الأولى بدأ التفكير في الحاجات دي يزول شيئًا فشيئًا تحت إلحاح متاعب الحياة وبلاويها حتى انتهت حياتهما بالطلاق بسبب مقال كانت تقرأه الزوجة بصوت عالي قلب على زوجها المواجع.
(الأولاد سيضيعون يا صديقي) وهو عنوان فصل يتحدث فيه الكاتب عن رغبة صديقه في تصحيح المسار العقلي لأبنائه الصغار الذين لا يعرفون الكذب وأن قابليتهم للإقرار بالذنب مرتفعة جدًا، وقد لجأ إليه لأنه كذابًا عتيقًا وقد توسم صديقه فيه القدرة على تعليم الكذب، وقد اضطر الكاتب إلى تعلم المهنة على أصولها من الكتب حتى يكون معلمًا أكاديميًا للكذب.
لقد جرت العادة على أن من يريد أن ينقد أوضاعًا مغلوطة في بلدنا أو ينتقد حاكمًا أن يصدر باسبورًا لكتابه ويسافر به إلى إحدى الدول الخيالية ويكتب عنها براحته دون خوف أو وجل، لكن ما حدث في كتاب عرض اليوم هو أن الكاتب لم يسافر ولم يتتعتع عن مكانه بل ذكر رأيه بصراحة قد يسجن عليها إلى ما بعد الحياة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=5681&I=155