عماد توماس
بقلم-عماد توماس
تنص المادة رقم (4) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما".
تعتبر التجارة بالبشر نوعا من الرقّ المعاصر، وهى أكثر تجارة رابحة ورائجة وغير شرعية لأنها تستخدم بضائع "بشرية" رخيصة، وهى وصمة عار أخلاقية فى تاريخ الشعوب الانسانية ، خاصة ونحن نعيش الآن فى القرن الحادى والعشرون وليس فى العصور الجاهلية.
تجارة البشر أو ما يطلق البعض عليها "بسوق النخاسة" هى إستغلال النساء والفتيات جنسيا، أو عمالة الاطفال وتجنيدهم فى أعمال غير مشروعة، أو بيع الأطفال حديثى الولادة. او بيع الرجال للقيام بأعمال سخرة.
تشير بعض الإحصائيات الحديثة إلى أن تجارة النساء تحتل المركز الثالث بعد تجارة تهريب السلاح والمخدرات، و إن ما بين 80 و 90% من النساء الفقيرات المخدوعات بحلم الحصول على وظيفة في بلاد أخرى غير موطنهم، يتم المتاجرة بهن خارج حدود بلادهن النامية، ليعملن في الدعارة وأعمال الجنس، أما البقية فتعمل في خدمة البيوت بأجور قليلة، ويصل سعر الطفل الرضيع في كمبوديا إلى 100 دولار، و في الصين إلى 1200 دولار، وكشفت الشرطة الصينية 484 مهرباً و54 عصابة لخطف الأطفال وبيعهم خارج البلاد، وأن هناك أمهات في الدول الفقيرة اضطررن لبيع أطفالهن من أجل الطعام والمأوى.
والامر لم يكن بعيدا عن مصر، فقد بدا أمس السبت، محاكمة المتهمين فى قضية الاتجار بالبشر وشراء الأطفال حديثى الولادة، بغرض التبنى التى تم القبض عليهم مؤخراً، وأعلن النائب العام –بحسب ما نشر بجريدة المصرى اليوم- أن قرار الاتهام بحق المتهمين، والذى جاء فيه أن المتهمين باعوا وسهلوا بيع وشراء أطفال حديثى الولادة، بغرض التبنى المحظور قانونا فى مصر.
وكشف تقرير أمريكي سابق عن "انتشار الاتجار بالبشر في 139 دولة بينها (17) دولة عربية هي: السعودية، وقطر، والكويت، وعمان، والأردن، ومصر، وليبيا، والمغرب، والإمارات، ولبنان، وسوريا، وتونس، واليمن، والجزائر، والبحرين، وموريتانيا، والسودان، ويصنف التقرير الدول إلى ثلاث درجات وفقاً لجهودها في مكافحة الاتجار بالبشر، فدول الدرجة الأولى تلتزم بأدنى المعايير التي نص عليها قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر لعام 2000 ودول الدرجة الثانية لا تلتزم بأدنى المعايير، ولكنها تسعى في سبيل معالجة المشكلة، أما دول الدرجة الثالثة فلا تبذل جهداً ملحوظاً لمكافحة الإتجار بالبشر".
ولا تقتصر تجارة النساء على الدول النامية، فأوربا المتحضرة تعتبر سوقا رائجة لهذه التجارة ، ففي عام 1995م كان حوالي 38% من الأطفال المستوردين إلى ألمانيا من شرق وجنوب شرق أوربا وخاصة من رومانيا وبولندا ودول الاتحاد السوفيتي، وفى بريطانيا هناك أكثر من خمسة آلاف شخص يقعون ضحايا للإتجار بالبشر سنوياً. وفي بولندا أصبحت تجارة الأطفال من اختصاص شبكات المافيا بسبب أرباحها الكبيرة وتقوم هذه الشبكات بنقل السيدات البولنديات لوضع أطفالهن بالسويد ثم يتركنهم هناك مقابل مبلغ من المال.
وقد عقد فى مستهل هذا الشهر بالبحرين مؤتمر" الاتجار بالبشر عند مفترق الطريق" أكدت فيه السيدة سوزان مبارك أن الاتجار بالاطفال اكثر الجرائم توثيقاً، وطالبت فى كلمتها ان تتحول الأقوال الى أفعال ومواجهة الاتجار بالبشر بحزم وبلا هوادة، وعدم التسامح مطلقا مع المتاجرين بالبشر، وطالبت بمراجعة ما تقوم به الحكومة والمؤسسات غير الحكومية والجمعيات الاهلية والمجتمع المدني وتركيز النشاط علي ثلاث مناطق اساسية في مجال الاتجار في البشر وهي المنع والوقاية والمطاردة.
لقد خلق الله الانسان كائنا حرا، لا فرق بين إنسان وآخر، الجميع متساوون فى الكرامة البشرية، واستعباد البشر والإتجار بهم واستغلالهم جنسيا، ضد كل مبادئ حقوق الإنسان وضد كرامة الإنسان. هؤلاء "النخاسيين" الذين ماتت ضمائرهم، لا يجب التساهل معهم، ولا يجب أيضا التساهل مع الأسر التى أرغمت بناتها على ان يكون "سلعة" تُباع وتشترى فى سوق "النخاسة" وكأنهم قطع غيار بشرية !!
ولعل قانون الطفل الجديد يكون بادرة طيبة نحو تجريم كل صور الاتجار واستغلال الأطفال، التى تتطلب تفعيل هذا القانون بكل حزم وحسم، فعلى منظمات العمل المدنى أن تقوم بدورها فى رفع الوعى، ونشر ثقافة حقوقية من اجل ردع كل من تسولت له نفسه أن يتاجر بالبشر، وعلى الحكومات أن تبادر بالاعتراف بحجم هذه المشكلة ومحاول ايجاد طرق لعلاجها قبل ان تستفحل.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=579&I=17