حجاب صديقاتى المراهقات فى إنجلترا

روز اليوسف - داليا‮ ‬غبريال

كنت أذهب إلى مدرسة مسيحية،‮ ‬حيث كانت لدينا كنيسة صغيرة فى وسط مبنى المدرسة،‮ ‬مع ذلك لا‮ ‬يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذى منع فيه والدى من دخول المدرسة ليشاركنى فى‮ ‬يوم للسباحة أعدته المدرسة ليذهب عائده إلى بعض الأعمال الخيرية‮.. ‬قيل له على باب المدرسة أن كل الآباء والأقرباء الرجال ممنوعون من حضور ذلك اليوم لاحتمالية حدوث اعتراضات من جانب أهالى الطالبات المحجبات‮.. ‬ذلك حدث فى مدرسة شعارها‮ »‬ىم فىَّمٌكك‮ ‬ُْذ‮« ‬وهى حجاب الفتيات بالغرب بين التقليد والتحررعبارة لاتينية تعنى‮ »‬من أجل كنيسة الله‮«‬،‮ ‬بالتأكيد هذا الموقف هو دليل على أننا نعيش فى مجتمع به كثير من الاختلافات والتناقضات‮.‬

المدرسة التى أذهب إليها الآن مدرسة متعددة الثقافات وعدد كبير من طلابها مسلمون‮.. ‬وواحدة من أقرب صديقاتى محجبة‮.. ‬لم‮ ‬يشكل حجابها أى عائق لصداقتنا،‮ ‬لكن كانت تمر علينا مواقف تضع ملبسها فى بؤرة الاهتمام‮.. ‬حجابها فى أحيان كثيرة كان العامل الصامت فى نقاشات كانت تتورط فيها‮.. ‬على سبيل المثال حوارها معى ومع‮ ‬غيرى حول انتقادها لأزياء بعض النساء الكاشفة‮.. ‬وبالرغم من أنها بالفعل موهوبة جدا فى الرسم إلا أنها كانت تخوض فى حوارات مستميتة تدين فيها الرسوم العارية فتصطدم مع مدرسى الرسم،‮ ‬تأثرت علاقاتها بزميلاتنا فى الفصل فاختلفت من واحدة لأخرى‮. ‬ لكن حواراتنا عبر السنين كشفت لى أن حجابها ليس مجرد اختلاف فى المظهر،‮ ‬لكن هناك وراءه ما هو أكثر من ذلك،‮ ‬كانت صديقتى ترفض أن تصدق أن أى‮ (‬رجل‮) ‬من الممكن أن‮ ‬يراها جذابة بالقدر الذى‮ ‬يجعله‮ ‬يتزوجها‮... ‬أهملت مظهرها تماما‮.. ‬كل ذلك وهى تعيش فى ثقافة الـ(هَىُّفل‮) ‬أو المصاحبة‮. ‬

المواطنون الذين‮ ‬يعيشون فى بريطانيا العظمى‮ ‬يشهدون صدام حضارات ضخما،‮ ‬فالمسلمون‮ ‬يزدادون ويزداد ثقلهم فى مجتمع كل‮ ‬يوم تزداد علمانيته وتقدمه،‮ ‬وبلا شك‮ ‬يتخلى عن الأعراف والموروثات‮.. ‬وواحدة من أبرز مظاهر هذا الصدام المنعكسة على الأجيال الشابة من مواطنى هذا البلد هو حجاب المراهقات فى مجتمع‮ ‬يزداد شبابه ليبرالية واستقلالا وخبرات مليئة بالتجارب،‮ ‬كما أنهم‮ ‬يفعلون ذلك فى مجتمع أصبحت فيه العلاقات العاطفية‮ (‬ليس بالشرط الجنسية‮) ‬أمرا طبيعيا بين صغار السن،‮ ‬حيث‮ ‬يأتى ذلك مع صعود المغنيات المراهقات أمثال‮ (‬ميلى سايرس‮) ‬التى تغنى عن الحب والهجر‮.. ‬فكيف تستطيع هذه الفتيات العيش بحجاب فى هذا المجتمع‮ .. ‬وهنا أقدم لكم بعض الحوارات التى دارت بينى وبين عدد من المراهقات البريطانيات المحجبات‮. ‬

‮(‬فاتيما احتشام‮) - ٧١ ‬سنة،‮ ‬من باكستان،‮ ‬ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها‮.. ‬وهكذا فعلت كثيرات من نساء عائلتها،‮ ‬إلا أن إحدى أخواتها تمردت عليه‮.. ‬قالت لى‮: ‬أسرتى لم تتوقعنى أن أرتدى الحجاب إلا أننى بعد أن حضرت خطبة فى المسجد عرفت منها أسباب الحجاب قررت ارتداءه،‮ ‬وقد كنت لازلت فى سن التاسعة‮.. ‬من المثير أن هذه لم تكن المرة الأولى التى‮ ‬يطلب من فاتيما أن تتحدث عن حجابها،‮ ‬فقد عرفت منها أنها فى أكتوبر الماضى طلب منها أحد ممثلى الجامع الذى تتردد عليه أن تلقى خطبة فى الـ‮ ‬ٌٌفو‮ ‬ٌَُُّّ‮ ‬عن كيف أنها تتمتع بحرية الملبس فى بلدها دون التعرض لأى مضايقات‮.. ‬إلا أن فاتيما تتعرض لمضايقات من وقت لآخر كأن‮ ‬يصرخ شخص فى وجهها قائلا‮ »‬عودى إلى بلدك‮« ‬أو‮ »‬بن لادن‮«.‬ لكن وبغض النظر عن ردود أفعال الناس سألتها عن حياتها هى كشابة وتعاملها مع الثقافة الغربية بموسيقاها وتقاليعها وفنها ففاجأتنى بإجابتها‮: ‬أنا أستمع إلى الموسيقى والأغانى حتى هذه التى تدور حول الجنس‮.. ‬وكثيرات من صديقاتى‮ ‬يعتبرننى مسلمة‮ ‬غير صالحة بسبب ذلك،‮ ‬لكن ذلك لا‮ ‬يعنى لى الكثير،‮ ‬لأننى فى النهاية فتاة مراهقة تنشأ فى بريطانيا‮. ‬ ‮(‬تاهيرا رزافى‮) -٦١ ‬سنة‮ - ‬نصف إيرانية ونصف هندية‮.. ‬بالنسبة لتاهيرا كان مخططا لها أن ترتدى الحجاب فى سن التاسعة‮.. ‬قالت لى تاهيرا أن الحجاب بالنسبة لها هو جزء من هويتها ورمز على لإيمانها وتوصيف لافت استخدمته تاهيرا فى إجابتها عن ماذا‮ ‬يعنى الحجاب بالنسبة لها هو‮ »‬الحماية‮«.. ‬الحماية من الثقافة الغربية التى لا تريد أن تغوص فيها‮. ‬

أما‮ (‬زهرة عشارى‮) - ١١ ‬سنة‮ - ‬فقررت أن ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى السابعة من عمرها‮.. ‬قالت لى‮: ‬أرتدى الحجاب لأننى كنت أرى الفتيات فى المسجد‮ ‬يرتدينه ويذهبن للمدرسة به‮... ‬إنها مجرد قطعة من القماش نضعها حول رؤوسنا‮.. ‬لماذا تصنع فرقا؟‮.. ‬وعندما سألتها عن مشاعرها وهى تغطى شعرها فى مجتمع‮ ‬غربى أجابت كما أجابتنى كثيرات‮ ‬غيرها،‮ ‬وهى أنها ليست وحدها التى ترتدى الحجاب إنما كثيرات‮ ‬غيرها‮.. ‬فكثرة عدد المحجبات كان أحد العوامل المشجعة المهمة بالنسبة لكثيرات‮.. ‬لكننى عندما سألتها عن ردود أفعال صديقاتها فوجئت بأنها أخذت تبكى‮.. ‬وقالت إنها قبل ارتداء الحجاب كان لديها عدد من الأصدقاء،‮ ‬لكن بعد ذلك ابتعدوا عنها‮.. ‬هل كان ذلك بسبب أن أصدقاءها البالغين من العمر ‮٧ ‬سنوات لم‮ ‬يكونوا مستعدين لتقبل الفكرة أم لأنها هى وهى لازالت طفلة فى سن السابعة لم تكن مستعدة لاستيعاب وضعها الجديد؟

‮(‬سكينة جداوى‮) - ٦١ ‬سنة‮ - ‬ذات جذور هندية‮.. ‬عندما بلغت سن التاسعة سألتها والدتها إذا كانت تريد أن تتحجب فوافقت،‮ ‬ففى المدرسة العربية التى تذهب إليها كانت نسبة المحجبات ‮٠٤‬٪‮ ‬ارتفعت فجأة إلى ‮٠٩‬٪‮.‬ أكثر ما لفت انتباهى فى سكينة هو مظهرها الإنجليزى‮.. ‬فهى ترتدى‮ ‬غطاء للرأس وفيما عدا ذلك بقية ملابسها‮ ‬غربية جدا‮.. ‬لكن الغريب والذى‮ ‬يعكس نوعا من معاناة هذه الفتاة وصراعها الداخلى هو ما قالته لى‮: ‬أعترف أننى فى أحيان كثيرة أحاول أن أجعل نفسى أبدو جميلة بالحجاب،‮ ‬مما‮ ‬يتناقض مع الهدف من الحجاب نفسه‮. ‬ أما‮ (‬س‮) ‬من باكستان‮ - ‬طلبت عدم ذكر اسمها‮ - ‬فهى ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى سن الـ‮١١ ‬وقالت لى‮: »‬أنا أرتدى الحجاب فقط لأدارى معتقداتى الجديدة عن أهلى خاصة أننى لا أزال أعيش معهم‮.. ‬وعندما أنتقل للجامعة سوف أخلعه‮« ‬وعن السبب تقول‮: »‬أصبحت أكثر إيمانا بالعلوم‮«‬،‮ ‬وعن أسباب ارتدائها للحجاب فى البداية قالت‮: »‬بدا لى وأنا طفلة كأمر جديد ومثير،‮ ‬كما أن من حولى جعلونى أشعر أنه سوف‮ ‬يجعلنى أكثر استقامة،‮ ‬وأنه سوف‮ ‬يشعرنى بالوحدة مع‮ ‬غيرى من المسلمات،‮ ‬لكن فى الواقع ارتداءه جعلنى لا أحب الخروج‮.. ‬لا أحب منظرى‮.. ‬أريد أن أختلط بالمجتمع وحجابى‮ ‬يمنعنى‮.‬

‮(‬لاريب بات‮) - ٧١ ‬سنة‮ - ‬من باكستان‮- ‬ترتدى الحجاب منذ ‮٣ ‬سنوات بالرغم من أن معظم نساء عائلتها لا ترتدينه،‮ ‬المدهش ما حكته لى من أنها تحصل على تخفيضات من محلات الملابس المملوكة لمسلمين،‮ ‬وصديقاتها‮ ‬غير المحجبات من زبائن هذه المحلات لا‮ ‬يحصلن على مثل هذه التخفيضات‮.. ‬وترى‮ (‬لاريب‮) ‬أن على الإعلام البريطانى أن‮ ‬يضع ضمن أشخاص الأفلام والمسلسلات نساء محجبات،‮ ‬كما‮ ‬يضع الشواذ ضمن شخصيات كثير من المسلسلات‮. ‬ ‮(‬نور وحيد‮) -٤٢ ‬سنة‮ .. ‬مصرية الأصل‮- ‬أى من نساء عائلتها ليست محجبة‮.. ‬قالت لى أنها نادرا ما كانت تذهب إلى المسجد،‮ ‬ومع ذلك قررت ارتداء الحجاب منذ ‮٤ ‬سنوات،‮ »‬وكان السبب رفضى فى أحد امتحانات حصولى على وظيفة لأسباب عرقية

‮«.. ‬والآن‮ (‬نور‮) ‬تذهب إلى الجامع أكثر وأكثر خاصة عندما تكون هناك خطبة تؤكد قرارها بارتداء الحجاب‮.. ‬اللافت فى الأمر أن‮ (‬نور‮) ‬لو لم تكن تعيش فى إنجلترا لما كانت قد ارتدت الحجاب‮!‬ أما‮ (‬ص‮) - ٨١ ‬سنة‮.. ‬مصرية‮ - ‬فتقول‮: ‬أنا لست متدينة،‮ ‬لكننى أرتدى الحجاب منذ أن كنت فى الثانية عشرة من عمرى‮.. ‬ولأكون صادقة فالأسباب تعود لعائلتى وقد كنت صغيرة جدا على اتخاذ مثل هذا القرار‮.. (‬ص‮) ‬كانت قد عادت إلى مصر سنتين ارتدت خلالهما الحجاب واشتكت من الفرق الذى عانت منه بين معاملة المحجبة فى مصر،‮ ‬حيث الاحترام والتقدير وفى إنجلترا،‮ ‬حيث الاستغراب والتساؤلات والتعبير عن الشفقة‮.. ‬أحاول أن أتعرف على المحجبات لأسهل الأمر على نفسى‮.. ‬وكثيرا ما تساءلت‮: ‬كيف تكون حياة التردد على النوادى الليلية وارتداء الـ(جيبات‮) ‬وأن‮ ‬يكون لديك صديق‮.. ‬ارتدائى الحجاب هو أحد الأشياء التى أندم عليها بشدة لأننى قررت أن أتنازل عن شىء لم أجربه بعد‮.‬
أما فرحة قدرى‮ -٩١ ‬سنة‮ .. ‬سنية وهندية الأصل‮ - ‬فتعتبر نفسها مسلمة صالحة رغم اكتفائها بأداء الفروض الخمسة وترفض تماما فكرة ارتداء الحجاب‮.. ‬تقول أن المسلمات ترتدين الحجاب كنوع من أنواع الحفاظ على الهوية أكثر من ارتدائه لأسباب دينية.